الثلاثاء 24 سبتمبر 2024
مجتمع

حسن فريد: ليس هناك تهافت على بناء المساجد بالمغرب بل هو تنافس

حسن فريد: ليس هناك تهافت على بناء المساجد بالمغرب بل هو تنافس

الملاحظ أن الإحسان يكاد ينحصر في الجانب التعبدي  فيقتصر على بناء المساجد هذا في الوقت الذي ينبغي أن يأخذ الإحسان  مفهوما واسعا  بحمولة اجتماعية والتي  تجعل قاعدة إنفاق ذوي الفضل والسعة شاملة أيضا لجوانب أخرى تهم السلوك والمعاملات  وتتعلق أساسا بالعمل على  دعم شرائح هشة ومحرومة  من المجتمع تعيش  في وضعية وظروف صعبة  و عاجزة عن توفير متطلبات الحياة من صحة وتعليم وسكن وشغل الخ." أنفاس بريس" اتصلت، بالأستاذ حسن فريد،عضو المجلس العلمي المحلي لبرشيد  وأجرت معه الحوار التالي : 

إلى أين تقف حدود الإحسان ومبادرات المحسنين ؟                                  

 الإحسان مصدر أحسن يحسن إحسانا فهو محسن، والإحسان يراد به الإتيان بالشيء على الوجه الأحسن ، لقوله صلى الله عليه وسلم " إن الله كتب الإحسان على كل شيء"رواه مسلم. أما الإحسان الذي يراد به نفع الغير، أو فعل الخير أو إسداء المعروف إلى الناس خاصة ذوي الحاجة، فهذا لا حدود له، ولا يمكن لأي كان أن يحيط بخبر حدوده على أي وجه من الوجوه، سيما في مغربنا الحبيب الذي اعتاد أهله القيام بفعل الخير حرصين على كتمان إحسانهم بغية تمام الأجر بعد القبول، وأما مبادرات المحسنين فهي ماثلة جلية في مجالات متعددة، لا يستعصي على أحد الوقوف عليها في المجالات الدينية والصحية والتعليمية والاجتماعية وغيرها، بل إنها في هذا البلد الأمين أكثر من أن تحصى، هذا البلد الذي عرف أهله بكرمهم وسخائهم، سيما إذا تعلق الأمر بما حث عليه القرآن والسنة،  وشاع بين الناس خبر خيره وفائدته في الدنيا والآخرة.

 كيف هو حال مؤسسة الإحسان في المغرب؟ وهل يمكن أن ينحصر الإحسان في الجانب التعبدي ذي المرجعية الدينية فيقتصر على بناء المساجد فحسب ؟

عن حال مؤسسة الإحسان في المغرب، فجوابه هو أن المغرب لا توجد فيه مؤسسة إحسان، وإنما يوجد فيه شعب الإحسان وأمة الإحسان، وشعب الإحسان هذا قدم للدنيا أكثر من دليل على أنه شعب التكافل والتضامن الإنساني والإسلامي، وأنه لا مكانة للأنانية ولانعزالية بين أبنائه، سيما عندما تدعو المصلحة الدينية والوطنية والمجتمعية، وأما مبادرات المحسنين الإحسانية فإنها لم ولن تنحصر يوما من الأيام في الجانب التعبدي الصرف، وإنما مست وتمس على الدوام جميع جوانب الحياة الاجتماعية للمواطنين، ثم إن المبادرات الإحسانية لا ينبغي أن تتنكب الجانب التعبدي، أو تنقطع أو تبتعد عن مرجعيتها الدينية، وإلا فلا معنى للإحسان عندئذ.

كيف يفسر التهافت على بناء المساجد من قبل "المحسنين" ؟

فالجواب هو أنه لا يجوز أن يقال عن بناء المساجد تهافت، وإنما الصواب أن يقال عنه تنافس، والتنافس في ذلك أمر مطلوب ومرغب فيه من قبل الشارع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة" رواه ومسلم وغيره. وفي القرآن الكريم يقول الله تعالى { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}المطففين 26 هذا بالإضافة إلى أن المسلمين يعتقدون أن المسجد هو قلب المجتمع وهم على حق في ذلك، ويعتقدون أن حق المسجد مقدم على غيره وهم على حق في ذلك، وأكثرهم يجعل المسجد في سويداء قلبه، لأن المساجد منارات الإسلام وعلامات على الإيمان، ولأننا جميعا لا نتصور مجتمعا مسلما بدون مساجد يعتنى بها بناء وتوسعة وترميما ونظافة وإنفاقا على القائمين عليها، وذلك أمر حث عليه القرآن الكريم في آيات كثيرة منها قوله تعالى{في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه} النور 26

أما عن الملاحظة التي  تفيد أن دائرة إحسان المحسنين ينبغي أن تتسع أكثر لتشمل جوانب الحياة المتعددة، وأن تلامس الحاجات المختلفة لعموم المواطنات والمواطنين، خاصة الفئات التي تعيش ظروفا صعبة.

فمن المؤكد أن الإسلام لم يحصر الإحسان في بناء المساجد فقط، وإنما جعل باب الإحسان مفتوحا أمام جميع المواطنين، ويكفي أن أسوق حديثا واحدا في الموضوع، وهو قوله صلى الله عليه وسلم " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم وغيره . تجدر الإشارة إلى أن المراد بالصدقة الجارية كل ما يستمر نفعه في حياة العبد و بعدها، سواء أكان ذلك الإحسان في بناء مسجد، أو معهد علمي، أو مستشفى ولو مركزا صحيا،  أو وسيلة من وسائل توفير الماء للمسلمين، أو يشتري بيتا لابن السبيل، أو ما شابه ذلك، كل هذا يعتبر من الإحسان الذي ينال  يثاب عليه العبد يوم القيامة إن شاء الله، وكل ذلك مما ينبغي لذوي الأريحية أن يجتهدوا فيه، بل وأن يحبسوا عليه،  والله لا يضيع أجر المحسنين.