الأحد 8 سبتمبر 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: الإرهاب هو الحدث الأبرز بفرنسا سنة 2015

يوسف لهلالي: الإرهاب هو الحدث الأبرز بفرنسا سنة 2015

الإرهاب بفرنسا سنة 2015  كان هو الحدث، ومن سوء الصدف بدأت السنة بعمليات إرهابية في 7 من يناير، وهي العملية التي استهدفت أسبوعية "شارلي إيبدو" الساخرة من طرف الإخوة كواشي، بالإضافة إلى هجوم اميدي كوليبالي على متجر يرتاده معتنقو الديانة اليهودية وقتله لأحد الشرطيات بحي مونروج بباريس. وقد خلفت هذه الأحداث 17 قتيلا، وكانت هذه العمليات بمثابة صدمة بالنسبة للفرنسيين، لأنها استهدفت حرية الصحافة ونفدت من طرف شباب فرنسي تبناهم تنظيم داعش بسوريا والعراق. وكل السنة، عاشت فرنسا على وقع محاربة الإرهاب وتفكيك الشبكات الإرهابية. بعد العملية ضد شارلي ايبدو، تم تنفيد هجوم  بالسلاح الأبيض من طرف موسى كوليبالي على جنود يحرسون كنيس يهودي في 3 فبراير ولم يخلف الحادث  ضحايا فقط جروح وسط الجنود. في 19 أبريل، قام طالب جزائري يدعى  سيد أحمد غلام بقتل مواطنة فرنسية، واعترف أنه كان يريد الهجوم على كنيس مسيحي، وتم حجز عدد من الأسلحة بحوزته.

في 26 يوينو عملية إرهابية أخرى، قام بها شخص يسمى ياسين صالحي بعد أن قطع رأس مشغله، حاول تفجير مصنع لصنع الغاز، لكن تم  افشال عمليته. في  21 غشت، عملية بقطار طاليس الرابط بين بروكسيل وباريس التي قام بها أيوب الخزاني، والذي حاول القيام بعملية على القطار، وكان بحوزة المهاجم سلاح كلاشينكوف، سكين ومسدس، وأصيب في الهجوم 3 أشخاص بجروح، وتم القبض على مرتكب العملية من طرف بعض الركاب.

وقبل نهاية هذه السنة بفترة وجيزة، تمت عدة عمليات إرهابية منسقة بباريس مرة أخرى وكانت هي الأعنف بفرنسا، واستهدفت قاعة البتكلون، وعددا من المقاهي والمطاعم، وهو ما خلف أكثر 130 ضحية وأكثر من 200 جريح، وهي عملية من  توقيع الدولة الإسلامية.

كل هذه العمليات الإرهابية التي استهدفت فرنسا تبنتها داعش، رغم أن فرنسا كان لها موقف حازم من النظام السوري، وعملت على المساعدة من أجل تغييره بالإضافة إلى مشاركة الطائرات الفرنسية في قصف هذا التنظيم سواء بالعراق أو بسوريا.

هذا الهجوم الإرهابي الاستثنائي والدموي الذي تعرضت له فرنسا دفع فرنسوا هولاند إلى إعلان حالة الحرب وحالة الاستثناء بفرنسا. وكانت لهذه الأحداث نتائج جد سلبية على المهاجرين بصفة عامة وعلى المسلمين على الخصوص. فقد تم تسجيل ارتفاع كبير للعمليات المعادية للإسلام والمسلمين وأماكن عبادتهم، أي ارتفاع نسبة الإسلاموفيبيا بفرنسا بشكل لم يسبق له مثيل. بل إن العمليات الأخيرة دفعت بالرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، وهو رئيس اشتراكي، إلى تبني بعض أفكار اليمين المتطرف، وهي إسقاط الجنسية عن كل متورط في الإرهاب، وهو سلوك تمييزي في معاقبة المتهمين بالإرهاب إذا كانوا من أصول أوروبية وأصول غير أوروبية.

هذا بالإضافة إلى تجاوزات كثيرة شابت عمليات المداهمة التي تقوم بها الشرطة والإدارة حسب الجمعيات الحقوقية الفرنسية، التي لاحظت أن العديد من هذه المداهمات وعمليات التفتيش ليس لها أي أساس إلا استهداف أشخاص من أصول اجنبية.

الإرهاب ومحاربته غطى على أحداث أخرى بفرنسا أهمها تنظيم الكوب 21 الذي استمر أسبوعين وحضره 140 رئيس دولة وحكومة وبمشاركة 40 ألف شخص، وتمكنت باريس خلاله من انتزاع اتفاق بين البلدان المشاركة حول الحد من ارتفاع درجة الحرارة وتمويل المشاريع التي تحول دون ارتفاع الاحتباس الحراري، في أفق الكوب 22 الذي سوف يعقد بمراكش بالمغرب. المغرب الذي كانت علاقته بفرنسا هذه السنة متميزة بعد البرود الذي عرفته سنة 2015 والتي تميزت بتبادل الزيارات بين الرباط وباريس على أعلى مستوى والتعاون الوثيق في جميع المجالات الاقتصادية والثقافية والأمنية توجت في مساهمة المغرب في إفشال عمليات تهدد التراب الفرسي.

وإذا كانت محاربة الإرهاب والرفع من ميزانية الأمن هي الهاجس بفرنسا، فإن باريس تعاني من عدم قدرة على الخروج من وقع الأزمة واستمرار ارتفاع البطالة وخطاب الأزمة بصفة عامة. خلال الاستحقاق الانتخابي الذي شهدته باريس بمناسبة الانتخابات الجهوية فقد حقق اليمين المتطرف المعادي للأجانب تقدما لم يسبق له مثيل بفرنسا، لكن الأخطر هو انتشار أفكاره وسط الفرنسيين مما جعل حتى الأحزاب الكلاسيكية تتبنى هذه الأفكار. هذا الوضع جعل حالة الخوف تعم وسط المهاجرين خاصة أن أفكار اليمين المتطرف أصبحت منتشرة وسط الإعلام ويدافع عنها كتاب وصحفيين معروفين ويعملون في كبريات القنوات الفرنسية مثل أريك زمور (الذي أدانه القضاء الفرنسي بالتحريض على الكراهية في نهاية شهر دجنبر الحالي)، والكاتب فينكيل كروت الذي أصبح متخصصا في التهجم على الإسلام والكاتب ويلبيك، بالإضافة إلى عدد من السياسيين خارج حزب اليمين المتطرف من أمثال عمدة مدينة بيزيي روبير منار، والذي تحول بشكل راديكالي من مدافع عن حرية الصحافة إلى سياسي عنصري من الصف الأول، وأصبح يقضي وقته في مهاجمة المسلمين بفرنسا ونعتهم بأقبح النعوت ويحرض كراهيتهم، بل اعترف بقيامه بإحصائهم حسب انتمائهم الديني في مدينة بيزيي وهو ما يمنعه القانون الفرنسي.

وضعية جعلت الأجهزة الفرنسية في وضعية صعبة أمام تطور ظاهرة الإرهاب التي أصبح يقوم بها شباب أوروبيون بعد مرورهم بمراكز التدريب التي تؤطرها داعش بسوريا والعراق، وهو ما يجعل باريس في تحدي كبير أمام العدد الكبير من الشباب الذي التحقوا بسوريا وتشكل عودتهم تهددا كبيرا للأمن بفرنسا. هذا التحدي لمواجهة الإرهاب برز هذه السنة من خلال عدد المحاولات الإرهابية التي تم إفشالها والتي مست كل القطاعات من النقل عبر القطار إلى المواقع الصناعية وفضاءات العبادة. وهي كلها أهداف استهدفها تنظيم داعش من أجل إشعال حرب أهلية بباريس بين الفرنسيين المسلمين وغير المسلمين. وقد نجح هذا المخطط جزئيا من خلال تزايد كراهية الإسلام بفرنسا وارتفاع عدد الأعمال العنصرية ضد المسلمين وأماكن عبادتهم وأيضا سياسيا من خلال ارتفاع عدد الفرنسيين الذين يصوتون على حزب عنصري وهو الجبهة الوطنية، حيث بلغ عددهم في الانتخابات الجهوية الأخيرة 6 ملايين ناخب، وهو رقم لم يسبق لهذا الحزب أن حققه سابقا. هذا بالإضافة إلى تزايد عدد الصحفيين والمثقفين بفرنسا الذين أصبحوا يهاجمون بشكل مباشر وفي مختلف وسائل الاعلام الأقلية المسلمة والتي يحملونها مسؤولية كل ما يقع بمنطقة الشرق الأوسط، بل هناك من لا يتردد في اعتبارها خطرا داخليا او طابورا سادسا، وهو ما سبق أن صرح به كريستيون استروزي وهو نائب وعمدة لمدينة نيس وأحد قيادي حزب الجمهوريين، وهي ظاهرة تعكس انتشار كراهية الإسلام والأجانب حتى وسط الأحزاب الكلاسيكية وهو ما يجسده مشروع القانون الدستوري الذي يتيح اسقاط الجنسية عن الأجانب المتهمين بالإرهاب، وهو قانون إذا تم التصويت عنه سيضرب مبدأ المساواة بين الفرنسيين التي يكفله الدستور، وهو قانون اقترحه اليمين المتطرف قبل أن يتبناه رئيس الجمهورية الاشتراكي والأغلبية اليسارية، بالإضافة إلى المعارضة في ظروف العمليات الإرهابية الأخيرة التي شهدتها فرنسا وحالة الحرب التي تعيشها فرنسا.

مواجهة الإرهاب قربت أكثر بين المغرب وفرنسا، هذه العلاقات التي عاشت هذه السنة على إيقاع التعاون في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية وتجاوز أزمة سنة 2014 من خلال تعدد اللقاءات على أعلى مستوى، كما أن التعاون الأمني والقضائي بين البلدين كان متميزا وفعالا، ومكن من تجنيب فرنسا ضربات جديدة خاصة في شهر نوفمبر بعد هجمات باريس، وتخطيط لخلية داعش القيام بعمليات أخرى من خلال أباعود ومجموعته التي كانت تختبئ بحي سان دوني في الضاحية الشمالية لباريس.

- تصاعد الإسلاموفيبيا بفرنسا:

في ظل أوضاع الإرهاب وأجواء الخوف عرفت فرنسا ارتفاعا كبيرا في الإسلاموفوبيا، وهو ما كشفت عنه أرقام كل من "التجمع ضد الإسلاموفوبيا" وهي جمعية مستقلة أو "المرصد الوطني لتصدي للإسلاموفوبيا" والذي أطلقه المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية عام 2011 والذي لاحظ تسارع وتيرة الاعتداءات العنصرية ضد الإسلام والمسلمين والرموز الإسلامية بفرنسا بعد الاعتداءات الإرهابية التي شهدتها باريس في يناير الماضي، والتي عرفت في النصف الأول من سنة 2015 ارتفاعا بنسبة 281 في المائة مقارنة مع النصف الأول من السنة الماضية. وقد تم تسجيل نفس الارتفاع بعد العمليات الإرهابية الأخيرة.

أكبر هذه العمليات المعادية للإسلام هي الهجوم على مسجد بأجاكسيو بجزيرة كورسيكا في 25 ديسمبر الجاري، وتم حرق كتب وكتابة شعارات "العرب اخرجوا "، والمهاجرون بالجزيرة يتكونون أساسا من المغرب، وشاءت الصدف أنه في السنة الماضية تم الاحتفال بمرور 70 سنة على تحرير كورسيكا من الاحتلال النازي بفضل فيلق من الجنود الكوم المغاربة، وتم توشيحهم من طرف الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند. اليوم يتم استغلال حادث لاعتداء على رجال المطافئ من طرف خارجين عن القانون ليتحول إلى عقاب جماعي من طرف بعض القومين الكورسيكيين العنصريين الذين هاجموا حيا تقيم به الجالية المغربية بالجزيرة والهجوم على مسجد ومطعم مغربي. وحتى كتابة هذه السطور مازالت حالة التوتر تطغى على الوضع بأجاكسيو. وهذا الحادث هو مؤشر على ارتفاع درجة العداء للهجرة والإسلام التي أصبحت تميز مختلف مناطق فرنسا، ويكفي أي حادث عارض من أجل التعبير عن العنصرية والكراهية للإسلام والأجانب. وهي حوادث يستغلها بشكل جيد اليمين المتطرف.

وهناك تقارب في الأفكار التي يدافع عليها اليمين المتطرف الفرنسي وأنصار داعش، كما أشار إلى ذلك جيل كيبيل، وهو باحث في قضايا التطرف الديني في كتابه الأخير "رعب في فرنسا، نشأة الجهاد الفرنسي"، حيث أن الطرفين يدعوان إلى الكراهية وحرب الأديان، بل إن العمليات الإرهابية التي استهدفت فرنسا واستعمل فيها فرنسيون وبلجيكيون من أصول مسلمة، كان الهدف منها إشعال حرب أهلية بين المسلمين وغير المسلمين بفرنسا، وهي الأحداث التي استفاد منها اليمين المتطرف الفرنسي المعادي للأجانب من أجل تبرير أطروحته حول حرب الحضارات والعداء بين الإسلام والمسيحية وكراهية مسلمي فرنسا.

إن مجموعة من القرارات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية، والتي تمس حريات الأفراد، سواء فيما يخص مختلف وسائل الاتصال الرقمية التي أصبح التجسس عليها لا يتطلب أي إذن قضائي حسب القانون الجديد الذي يؤطر التصنت والرصد وكذلك مشروع قانون سحب الجنسية عن الأجانب في حالة ارتكابهم لجرائم ضد الدولة. وكذا التجاوزات التي عرفتها المداهمات خلال حالة الاستثناء، كلها مؤشرات جعلت العديد من الحقوقيين الفرنسيين يتخوفون من انزلاق فرنسا نحو دولة بوليسية وتبتعد عن دولة الحقوق والحرية كما عرفت بذلك عبر العالم. وإذا حدث ذلك، سيكون الإرهاب قد نجح في هدفه، وهو إخراج فرنسا من دائرة بلد حقوق الإنسان إلى بلد لا يحترم هذه الحقوق أو في أحسن الحالات، يستثني من هذه الحقوق الأجانب والفرنسيين من أصول أجنبية أي تحول باريس إلى بلد الميز في إعطاء الحقوق.

هذا الانزلاق التي شهدته الولايات المتحدة الامريكية بعد العمليات الإرهابية لـ 11 من شتنبر سنة  2001 التي ارتكبتها القاعدة فوق التراب الأمريكي، وهو ما يسمى قانون "باتريوت اكت"، وهو القانون  الذي أعطى لائحة من التجاوزات السوداء في تاريخ هذا البلد الديموقراطي منها: معتقل أبو غريب بالعراق، وغوانتنامو بالقاعدة العسكرية الامريكية بكوبا، ومراكز التعذيب بمختلف مناطق العالم.. وهي فترة من أسود الفترات في الحياة السياسية للولايات المتحدة الامريكية والتي مورست فيها كل أشكال التجاوزات والاعتداء على الحريات الفردية، بل تم تجاهل مبادئ الدستور الأمريكي بما فيها احتلال العراق سنة 2003 وتفتيت هذا البلد الذي يعيش حالة الفوضى والطائفية والحرب الأهلية حتى اليوم، والذي أنتج مختلف أشكال الإرهاب أهمها داعش، هذا البلد الذي أصبح اليوم تحت رحمة المليشيات الشيعية الإيرانية.

هذه التخوفات حول انزلاق فرنسا إلى دولة لا تحترم الحريات لم تعد تقتصر على الحقوقيين، بل إن جزءا من الأغلبية الحاكمة في اليسار الفرنسي أصبحت هي الأخرى تعبر عن انزعاجها من هذه التجاوزات التي تقوم بها حكومتهم.