الأحد 8 سبتمبر 2024
كتاب الرأي

وحيد مبارك: بين الصحة، "السياسة" والأجر!

وحيد مبارك: بين الصحة، "السياسة" والأجر!

أعلنها الأطباء الداخليون والمقيمون، بوساطة من أساتذتهم، وأكدوا في رسالتهم إلى الرأي العام أن مصلحة المرضى هي على رأس الأولويات، ولو على حساب احتياجاتهم، وأنهم لا يمكن أن يظلوا مكتوفي الأيدي، ويساهموا بدورهم في رفع منسوب آلام المترددين على المراكز الاستشفائية الجامعية من مرضى وعموم المواطنين، آلام بدت تجلياتها واضحة رغم انخراط الأطباء في توفير الخدمات على مستوى مصالح الإنعاش والمستعجلات على امتداد 82 يوما من الإضراب المفتوح الذي انطلق في فاتح أكتوبر من هذه السنة التي تشارف على نهايتها.

لقد قرروا أن يودعوا هذه السنة ويطووا معها صفحات الألم التي عاشوها بدورهم، فقد استُهدف الأطباء الداخليون والمقيمون، ماديا ومعنويا، وتم تخوينهم، وتبخيس احتجاجاتهم، وتسييس مطالبهم.. والحال أن كل النقاط كانت واضحة، لا غبار عليها، والتي لا تتطلب إلا تفعيلا لالتزامات سابقة تم تضمينها بمحضرين اثنين، والتي كان وزير الصحة، «خصمهم» في هذه المعركة يؤكد مشروعيتها بين الفينة والأخرى دون أن تتم ترجمة هذا الموقف بشكل عملي وإيجابي على أرض الواقع، لكن تمت ممارسة نوع من «التعتيم» واعتماد التجاهل، في وقت كان إصرارهم أكبر، ليس بهدف «تركيع» الوزارة أو الحكومة، وفرض مطالبهم عليها، التي هي ليست بتعجيزية، ولكن من أجل إعادة طرح ملف الأطباء لواجهة النقاش العمومي، وهو الذي تم تغييبه لفترات معيّنة.

عودة الأطباء إلى الاشتغال في المستشفيات الجامعية، في ظل اتفاق جزئي حول نقاط بعينها مقابل تحديد سقف زمني لأخرى، قد تكون قابلة للتحقيق، وقد تعرف هي الأخرى نفس مصير سابقاتها، لا يمكن التعامل معه بمنطق الربح والخسارة، وترجيح كفّة الرضوخ على كفّة التشبث بالموقف، بل يجب التطلع إليه برؤية شمولية، وبمنطق نصف الكأس الممتلئ، لأن الرابح الوحيد طيلة مدة الإضراب كان هو القطاع الخاص الذي تجنّدت سيارات الإسعاف الخاصة وبشكل فجّ أمام المراكز الاستشفائية الجامعية لنقل عدد من المرضى من الذين يتوفرون على بعض الإمكانيات المادية، هذه الفئة التي تشكل موردا ماديا لهذه المراكز التي تعجّ بأفواج المستفيدين من نظام المساعدة الطبية «راميد»، علّها تساعد من التخفيف من حدّة الوطأة/الأزمة المالية التي تخنق أنفاسها، والتي أمام عدم تلبية حاجياتها المرضية تضطر إلى التوجه إلى المصحات الخاصة، التي استقبلت خلال 82 يوما الفارطة، التي خاض فيها الأطباء الداخليون والمقيمون الإضراب المفتوح، عددا مضاعفا من المرضى.. في حين كان الخاسر الأكبر هو المريض، وخاصة المعوز منه الذي كان يتعذر عليه العلاج بالمستشفى العمومي، بل والذي كان يفارق الحياة.. وهو ما أكّده الإضراب من خلال تضاعف حالات الوفيات بنسب كبيرة، لم تحرّك في المسؤولين ساكنا؟

تعليق الإضراب الذي قد يراه البعض قد جاء على حساب فئة الأطباء الداخليين والمقيمين، ليس بخطوة رحيمة بالمرضى فقط، بل قد تكون في صالح الوزير نفسه لتمنحه فرصة للخروج من «عنق الزجاجة»، وهو الذي عجز عن إيجاد حلّ لهذا الإشكال، خاصة إذا ما قارنا كيف تشعّبت أزمة الوردي، مقابل حلّ و"تفكيك" أزمات وزراء آخرين من نفس الحكومة، لكن الفرق بينهم وبين وزير الصحة أنهم ينتمون إلى حزب رئيس الحكومة الحاكم، بينما هو ينتمي إلى حزب، قد ينظرون إليه بنظرة أخرى مخالفة لتصريحات الودّ والإطناب والثناء. إذ كيف تأتى للداودي وزير التعليم العالي، الطرف الأساسي في مشكل طلبة الطب الذين كانوا جنبا إلى جنب مع الأطباء في نضالهم، وهم الذين قاطعوا الدراسة وهددوا بسنة بيضاء، أن يجد حلّا/مخرجا لأزمتهم، وكيف استطاع وزير العدل والحريات العامة أن يفرض تخصيص ميزانية مهمة للقضاة، التي تراوحت ما بين 3 و 5 آلاف درهم لكل قاضٍ حسب كل درجة، وهو الذي كان قد هدّد بالاستقالة في حال عدم التفاعل مع مطلبه، وبالمقابل كيف «فشل» الوردي في تحقيق ما حقّقه زملاؤه في الحكومة؟

لقد بيّنت أزمة الأطباء الداخليين والمقيمين، أن الالتزام بقرارات الإدارة واستمراريتها هو أمر غير معترف به على مستوى وزارة الصحة في ظل الحكومة الحالية، وأوضحت كيف أن منطقا «حكوميا» خاصا تحكّم في حلّ مشاكل قطاعية مقابل الرفع في أخرى من مستوى التوتر، خاصة وأنه لا تفصلنا عن الانتخابات البرلمانية المقبلة إلا بضعة أشهر، سيكون وضعها نصب الأعين كرهان سياسوي من خلال إضعاف طرف ومحاولة تقوية موقف طرف آخر، على حساب علل المرضى ومعاناتهم، وعلى حساب سلامتهم والحفاظ على أرواحهم، أكبر خطر، وهو ما لا يمكن المزايدة به أو استغلاله، لأننا أمام أمن صحي وسلم اجتماعي وأمام حياة بشر، هي كلها خط أحمر.

لهذا فقد فعل الأطباء الداخليون والمقيمون خيرا حين انتبهوا للأمر، وجعلوا منه أولوية قبل كل حقوقهم المادية وتسوية وضعية الأجر.