الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

رشيد صفر: "جوج فرنك"...

رشيد صفر: "جوج فرنك"...

عندما قالت الوزيرة "شرفات أفيلال" التقدمية، أن معاشات البرلمانيين المُحددة في 8000 درهم، ليست سوى "جوج فرنك"، فقد استعارت قاموس الفقراء من أبناء وطني، الذين لا يصل دخلهم "الفردي" أو" الجماعي" الشهري أو اليومي، إلى الحد الأدنى للعيش الكريم وتحقيق "الكفاف والعفاف والغنى عن الناس".

وللتذكير فالفرنك المغربي لا علاقة له بالفرنك الفرنسي القديم سوى في تطابق الاسم، إذ أن "ريالا مغربيا واحدا" يساوي "5 فرنكات"، بمعنى أن 8000 درهم مغربية بالنسبة للوزيرة تساوي أقل من "ريال" مغربي. وبما أن لسان الإنسان "الدارج" ينهل من الثقافة الشعبية، التي تتحدد معالمها انطلاقا من طباع الناس ونمط عيشهم، وتراثهم الشفهي، فإن "الوزيرة" وظفت المجاز اللغوي، إن صحَّ التعبير، وتركيب عبارات رمزية لإطلاقها على واقع "معاش" البرلمانيين. ولا غرو في ذلك ما دمنا كمغاربة نستعمل مصطلحات وعبارات لتصغير ما هو كبير وتكبير ما هو صغير، على شاكلة "الباروديا" وهي شكل تعبيري للسخرية أو التندر.. فعندما نعطي للآخر شيئا من المال نصفُ ما نعطيه بالتضخيم، وعندما نأخذ من الآخر نصف ما نحصل عليه بالتصغير، ولست أدري هل هذا الأمر مرتبط بالجحود أو "نكران النعمة"؟. أو هي فقط وسيلة لإبعاد العين اللعينة؟. أم أنها طريقة لبخس الآخرين حقهم باستعمال سلاح اللغة "سلطة اللغة" أو "اللهجة"؟ فالمانح يصف ما يمنحهُ للآخرين أو يصرفه في حياته اليومية ولو كان صغير القيمة بـ "زبَّالة ديال لفلوس"، وهي عبارة لصيقة بكثرة الأزبال التي لا تضاهيها سوى كثرة الحشرات.. وعندما يُمنح لنا المال نصفـُه بـ 2 فرانك ولو كانت قيمته تفوق الملايين من الفرنكات، وأتذكر حوارا ضاحكا لفكاهي من الجزائر: (في القرية التي كنت أسكن فيها، كان هناك زقاقين. عربة "برويطة". 5 ملايير من الذباب. 26 دجاجة. ديك واحد. وكان الوحيد الذي ليس عاطلا.).

من المقبول أن يصف أكثر من 10 ملايين مغربي يعيشون تحت سقف الفقر بدخل 10 دراهم في اليوم أو أقل، ما يحصلون عليهم من كدهم وعرق جبينهم بـ "2 فرنك" أو" 2 دريال"، ومن غير المُستساغ أن يصف أكثر من 500 برلماني معاش التقاعد "8000 درهم" بـ "2 فرنك". وبما أن الدخل وُجدَ للصرف، لحاجة الإنسان للعُملة بعد حقبة المقايضة "سلعة بسلعة". إن ميزان التجارة والمصروف اليومي يتحددان على ضوء العلاقة بين المصاريف والمداخيل، إذ متى كانت المداخيل أقل من المصاريف كان العجز في التجارة والفقر في الحياة المعيشية، لكن تجد لدى الميسورين تبريرات غريبة للتمييز بين مداخيلهم ومصاريفهم مقارنة بمداخيل الفقراء إن كان لهم أصلا دخل يُذكر، واحتياجاتهم اليومية التي هي صلب النقاش المُجتمعي، ويُنتخب البرلماني من أجل تلبيتها لتأمين الأمن الغذائي على الأقل.

يُروى أن عاملا كادحا طرق باب رب العمل لطلب "الزيادة في الأجرة"، فاستشاط "الباطرون" غضبا، لدرجة أنه تدحرج على بطنه في الأرض مُحتجا، وكان العامل الكادح قد أخبره أن الأزمة اشتدت به: (سيدي الزوجة تطالب بتغيير "المجمر" بـ "البوطة غاز" وتطالب بقفة مليئة بالخضر والفواكه عوض "رابعة.. رابعة من الحاجة" والأطفال يطالبون بالملابس والأدوات عوض الملابس البالية والأدوات المُستعملة، وصاحب البيت يطالب بواجب الكراء عوض عدم طردي من المنزل ورمي ملابسي وفلذات كبدي وزوجتي في الزنقة، ومحصل شركة الماء والكهرباء يُطالب بتأدية فاتورة 3 شهور من الاستهلاك غير المؤدى عنه عوض تركي وعائلتي في الجفاف والظلام ووو..) قاطعه الباطرون بصوت حاد: أنا أيضا زوجتي تطالب بأن أبدل لها السيارة التي اشتريتها بمبلغ 15 مليون سنتيم، بأخرى فاخرة وأغلى ثمنا.. أولادي يطالبون بمصاريف الدراسة في الخارج عوض الداخل واللباس الباهظ الثمن عوض الرخيص أو المتوسط الثمن وبمصروف يومي يفوق راتبك الشهري وووو... وختم الباطرون كلامه: لو كنت في مكاني لما غطى مبلغك الشهري تغذية كلب الفيلا التي أملكها..

عندما سمع الكادح هذا الكلام، خرج من مكتب "الباطرون" متأثرا وخاطب باقي العمال الذين كانوا ينتظرون في الخارج نتيجة إيجابية من مقابلته مع رب العمل، لتنظيم غزوة في اتجاه مكتب "الباطرون": كونو هانيين مغادي يزيدنا هاد بوكرش والو على ديك "2 فرنك".. راه الباطرون (مسكين... مسكين ...) ثم أغميَّ عليه..