"سير يا ولدي الله يطلعك طلوع العز، وينزلك نزول الطاعة"، إنه الدعاء الذي استحضره خالد، البالغ من العمر 39 سنة، عن والده وهو يحاول إيجاد أوجه الشبه التي تجمعه بحال سوق بيع البنزين والغازوال بعد الفاتح من دجنبر الجاري. إذ أكد المتحدث الذي التقته "أنفاس بريس" بإحدى محطات الوقود في الدار البيضاء، أنه الآن فقط علم مغزى تلك الدعوات على أساس أنها تؤصل لمبدأ الصعود والنزول كاحتمالين واردين في كل وقت وحين. وعليه، يضيف خالد "بمجرد ما سمعت بقضية تحرير أسعار المحروقات تفكرت دعوة الوالد الله يرحمو، واللي كان كيعني من خلالها بأن الدنيا عموما مافيهاش شي حاجة مستقرة، وكيف يمكن تطلع اليوم، ساهل باش تنزل غدا". الأساسي، يسجل خالد، هو أن تعرف كيف تتعامل مع الوجهين. وإن كانت من خلاصة استهدف هذا الموظف المالك لسيارة الخروج بها، فهي "مسألة التحرير ما كتخلق لي أي إشكال، بل بالعكس كنشوفها منطقية لأنها محكومة بالأثمنة الدولية، وكيف كيقول المثل إذا عمت هانت".
لم يكن خالد الوحيد الذي تقبل القرار بصدر رحب، وإنما أيضا حياة، البالغة 52 سنة، حيث لم تر في بضعة سنتيمات مضافة هنا أو مثيلاتها ناقصة هناك أمرا يستحق كل هذا الانشغال إلى درجة خلق "شوشرة" مجتمعية، ربما قد تصرف النظر عن قضايا أعمق وأهم. وتستدل هذه الأستاذة بالقطاع الخاص، والمالكة لسيارة، بملف الزيادة في الأجور، وهي تصر على التشديد في نقاشه على أساس إمكانية حله للكثير من مشاكل المواطنين، وفي مقدمتها الرفع من قدرته الشرائية التي ستغطي كليا على أحاديث التفاوت الضيق بين أثمنة البنزين والغازوال من محطة إلى أخرى.
وفي المقابل، ما اعتبرته حياة غير ذي أهمية يستحق الالتفات إليه، صنفه عبد الكبير، البالغ 49 سنة، من التبعات السلبية للقرار، موضحا بأن من شأن اختلاف الأسعار بين المحطات أن يتسبب في فوضى وازدحامات لدى تلك المنخفضة السعر، خصوصا وأن ضعف المستوى المعيشي للمغاربة، يقول الرجل الملك لدراجة نارية، يجبرهم على عدم تفويت أي فرصة للتقليص من مصاريفهم وإن كانت بعشرين سنتيم. وآخذ عبد الكبير (محاسب) كذلك على عدم توفر بعض المحطات على لوحات إشهار الأثمنة كما أعلن عن ذلك في الخرجات الحكومية، مشيرا إلى أن هذا الإهمال مؤشر على التمهيد لحدوث اختلالات أخرى مستقبلا إن لم يتم تداركه حالا. الأمر الذي يستوجب، وفق المتحدث، الضرب على أيدي المتهاونين منذ الآن حتى تصلهم الرسالة، واستيعاب كون الاستخفاف بحقوق المستهلك ليس بالشأن المتعالي عن التتبع والمراقبة.
ملاحظة وتوجس هذا المواطن نقلتهما "أنفاس بريس" إلى رئيس جمعية المستهلك بوعزة الخراطي، فكان جوابه "أنا مع المواطنين المتخوفين على طول الخط، لأنني لا أرى سندا يحميهم أو يقف إلى جانبهم. وما أشرت إليه بخصوص لوحات إشهار الأسعار أكبر حجية على تورط الجهات الحكومية المعنية في مطب إغفال دور المعاينة المستمرة"، منبها إلى أن طمأنة المواطن لا تكون أبدا بالخطابات الرنانة، وإنما بتفعيل الوعود وأجرأتها على أرض الواقع.
وفي سياق هذه الطمأنة المرجوة، جاء رد عادل زيادي، رئيس تجمع النفطيين، الذي أقر بتخصيص الشركات الموزعة لقيمة مالية تصل إلى 600 مليون سنتيم من أجل تزويد نحو 2000 محطة وقود باللوحات الإشهارية الإلكترونية، معلنا آخر السنة الجارية موعدا لتجهيز جميع تلك المحطات كاملة. وفي رده على الخلفيات المعتمدة لتحديد تلك الأسعار، أجملها عادل زيادي في أربعة عناصر، أولها الأثمنة المتداولة عالميا، ثم تكلفة الشحن والتخزين، فضلا عن العملة الصعبة، وأخيرا الضريبة الداخلية على الاستهلاك.
وبالعودة إلى ما استقته "أنفاس بريس"، من خلال جسها لنبض الشارع، صرح عثمان، مستخدم بمحطة للوقود، كون الزبناء الذين اعتادوا التزود بالبنزين والغازوال من المحطة التي يشتغل بها، يواظبون على نفس الاختيار بالرغم من ارتفاع الأثمنة بها مقارنة بمحطات أخرى. ويعزي عثمان السبب إلى بحث المواطن عن الجودة أولا. أما مسألة السنتيمات الإضافية فلا يعدها المتحدث سببا كافيا للذهاب على مزود منافس، علما، يذكر عثمان، أن ذلك الفارق البسيط قد يصبح ذا قيمة تستحق اتخاذ قرار تغيير الوجهة عندما يتعلق الأمر بالشركات الكبرى، والتي تستهلك كميات أوفر، أما لمن له دراجة أو سيارة فلا تأثير، يقول محدثنا.
وغير بعيد عن هذه المحطة الكائنة بشارع الكمندار إدريس الحارثي بالبيضاء، التقينا عبد الوهاب، البالغ 31 سنة، صاحب هوندا، ومنه كان الاستثناء عما ورد سابقا، إذ نفى أن تكون له أدنى معلومة بالموضوع، وأن كل همه يقتصر على اقتناء نحو 70 درهما من البنزين يوميا للعمل في نقل بضائع "الخضارة من المارشي بين الساعة السابعة والحادية عشرة، بعد ذلك كندير الصف مع خوتي فالشارع حتى توصل نوبتي ونهز شي كليان". وفي محاولة منه لدفع حرج ضرورة التعرف على مثل هذه المستجدات التي تتصل بمعيشه اليومي، أفصح "صاحب الهوندا" هذا على أن أمثاله كثر ممن لا يعلمون بأمر التحرير، وحتى إن بلغ إلى سمعهم بطريقة ما فإنهم يجهلون تفاصيله.