السبت 23 نوفمبر 2024
جالية

الشيخ الصادق العثماني : علمانية أمريكا اللاتينية قريبة جدا من المدرسة الإسلامية المغربية

الشيخ الصادق العثماني : علمانية أمريكا اللاتينية قريبة جدا من المدرسة الإسلامية المغربية

يبلغ عددُ الجالية العربية من مسلمين ومسيحيين في البرازيل إلى ما يزيد عن 12 مليون، ويشكل المسلمون منهم مليون ونصف نسمة، وهُم خليط من أعراق وجنسيات عربية مختلفة وأغلبهم من لبنان وسوريا وفلسطين، أما المغاربة فيشكلون قلة قليلة لا يتعدون 1500 مغربي أغلبهم يقطنون في مدينة "ساوباولو" ويمثِّل المسلمون والعرب نسبة تقل عن 1في المائة من مجموع عدد سكان دولة البرازيل البالغ 200 مليون نسمة، ويتوزعون في كلِّ الولايات البرازيلية، وأغلبهم يقطنون في مدينة ساوبالو، ويوجد حوالي 120 مسجد ومصلى موزعة على كل مناطق البرازيل.في هذا الحوار يسلط الشيخ الصادق العثماني، كاتب عام المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية في البرازيل، الضوء على أجواء رمضان في البرازيل.

كيف تصف أجواء رمضان في البرازيل؟

يعتبر شهر رمضان في البرازيل من المناسبات عظيمة القيمة لدى المسلمين؛ حيث ينتظرونه من أجل تجديد انتمائهم الديني، شأنهم في ذلك شأن جميع المسلمين الذين يعيشون في بلاد الاغتراب، ويعلنون قدوم الشهر وفق تقويم مكة المكرمة، إلا أن البعض قد يختار بلدًا آخر فيصوم على أساس إعلانها، وتعلن بعض المحطات الإعلامية البرازيلية المقروءة والمسموعة والمرئية خبر حلول شهر رمضان الكريم مهنِّئين المسلمين، وتختلف عاداتُ المسلمين في الشهر الكريم عنها في باقي أيام السنة، فالمسلمات يرتدين الحجاب حتى ولو كنَّ لا يرتدينه خارج الشهر الفضيل، ومنهن من تستمر في ارتدائه بعد انتهاء الشهر، وذلك تأثرًا بالشحنة الروحانية التي حصلت عليها فيه.

ماهي العادات الرمضانية المفضلة أو العادات البارزة خلال هذا الشهر الكريم في البرازيل ؟ وما دور المؤسسات الإسلامية وخاصة فيما يتعلق ببرامج إفطار الصائم؟

في الحقيقة هناك عادات كثيرة ومتنوعة حسب أصول الجالية، وهي تختلف من جالية إلى جالية؛ حيث تتلون الموائد بالأطباق المختلفة والتي تجمع بين الشرقي والغربي والعربي وطبعا المغربي.. ويهتم اتحاد المؤسسات الإسلامية بالبرازيل وبالتعاون مع بعض الجمعيات الخيرية في الإمارات العربية المتحدة بإقامة موائد الإفطارات الجماعية في أكثر من 20 مسجدا بالبرازيل؛ وقد وزع الى حدود الأسبوع الأول من هذا الشهر، ما يزيد عن 7 أطنان من لحوم الدجاج لهذا الغرض، ولهذه الوجبات والإفطارات أثرٌ دعوي وسياسي إيجابي على المسلمين في البرازيل، حيث تُظهرهم كتلةً واحدةً ، مما يدفع ببعض الأحزاب السياسية البرازيلية التقرب منهم وخطب ودهم لثقلهم السياسي والاجتماعي ومساهمتهم في العمل الاجتماعي الخيري. وبعد الإفطار يتوجه الرجال والصبية وبعض النساء لأداء صلاة المغرب، وقد يتناول البعض الفطور في المسجد، ويهتم المسلمون البرازيليون بأداءِ صلاة التراويح، باعتبارها المنسك البارز في شهر رمضان، ومن أبرز المساجد في البرازيل مسجد عمر بن الخطاب في مدينة فوز دي كواسو ومسجد سانتو أمارو ومسجد براس ومسجد البرازيل بمدينة ساوباولو والذي يعتبر من أكبر المساجد في البرازيل، وفي شهر رمضان كذلك يحرص المسلمون على قراءة القرآن الكريم وتعليمه لأبنائهم، حرصًا على هويتهم الإسلامية في تلك البلاد غير الإسلامية، كما تنظَّم المسابقات الثقافية ومسابقات حفظ القرآن الكريم طوال الشهر.

ما الذي يميز الوضع الديني للمغاربة بين أوربا وأمريكا اللاتينية؟ سواء من حيث ممارسة شعائرهم، أو الأخطار التي تهدد عقيدتهم؟

تماشيا مع المدرسة الإسلامية المغربية المنفتحة على ثقافات الشعوب المختلفة والديانات السماوية الأخرى والتي رفعت شعار "الإسلام الأخضر" شعار السلام والمحبة والوئام مع كافة شعوب الأرض بغض النظر عن ألوانهم وأوطانهم ومعتقداتهم مما دفع الملك محمد السادس وبمجرد جلوسه على عرش أسلافه المنعمين إلى القيام بتجديد الحقل الديني بالمغرب ؛ لمواكبة تغيرات الزمان والمكان ومسايرة قضايا الناس ومستحدثات الأمور التي لم تعرف في سالف الأزمان، وهذا من صميم مقاصد الدين الإسلامي الحنيف الذي حمل بين جوانحه قيم ومقاصد وأهداف وقوانين عدة مهمة، عملت على نشره في بلاد العالم أجمع شرقه وغربه، ولعل من أشهر هذه القيم والقوانين ؛ قيم الحوار والتسامح واللين واللاعنف، فهذه المدرسة المغربية التي تشبعنا بها من خلال دراستنا في جامعة القرويين بفاس ننافح عنها في أوساط الجاليات المسلمة والمغربية على الخصوص في البرازيل ودول أمريكا اللاتينية، علما أن علمانية أمريكا اللاتينية وأنظمتها قريبة جدا من المدرسة الإسلامية المغربية؛ بحيث تسود فيها أجواء الحرية الدينية، يمكن اعتبارها أحسن بكثير من الدول الأوروبية، نظرا لماعرفته أوربا من صراعات وحروب مع العالم الإسلامي والعربي عبر تاريخها الطويل، مما ولد لدى الغرب عقدة الخوف من الإسلام، وتزايد ت بقوة مع بداية أحداث 11 سبتمبر واستمرت الى يوم الناس هذا، واشتدت خطورتها مع ظهور الإسلام المتشدد الداعشي، تولد عنها بالمقابل (الاسلامفوبيا) واليمين المتطرف، هنا بدأت المشاكل تطفو على سطح جاليتنا المغربية في أوربا، ومن أخطرها مشكل التكفير والإرهاب والتشدد الديني والارتماء في أحضان الدواعش، ضاربا عرض الحائط تراثه وحضارته ومدرسه المغربية المبنية على منهج التيسير والتسامح، فأصبحت الجالية المغربية مهددة في أبنائها وحضارتها وتراثها الديني، بينما تاريخ وشعوب دول أمريكا اللاتينية ليس لهم عداء مع العالم الإسلامي أو العربي، مما ساد في هذه الأجواء نوع من التعايش والتفاهم والاحترام المتبادل بين جميع الطوائف الدينية بالبرازيل، ولهذا نجد الجالية المغربية في أمريكا اللاتينية مازالت في مأمن من هذه المشاكل والأفكار الداعشية التي تجتاح أوروبا اليوم، ولهذا يمكن القول أن علمانية أمريكا اللاتينية فاقت بكثير علمانية الغرب فيما يتعلق بحرية العقيدة واختيار الدين، وهذه العلمانية اللاتينية في الحقيقة تتماشى ومفهوم حرية الاعتقاد في الإسلام،" فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" وقوله تعالى "وهديناه النجدين.. " وقوله "..إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا" وقوله " لا إكراه في الدين" و "لكم دينكم ولي دين" .

تعرف العديد من الدول الأوربية إرسال بعثات من العلماء والوعاظ والمقرئين المغاربة في هذا الشهر الفضيل من قبلوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ماهي حصة البرازيل من هذه البعثات؟

نحن في اتحاد المؤسسات الإسلامية بالبرازيل والذي يعتبر من أكبر المؤسسات الإسلامية بأمريكا اللاتينية؛ بحيث يضم في صفوفه أكثر من 40 جمعية اسلامية وساهم في بناء أكثر من 37 مسجدا بالبرازيل، له اتفاقية تعاون وشراكة مع وزارة الأوقاف المصرية والأزهر الشريف بمصر، وذلك لدعم التعاون في المجال الديني بين الجانبين، وبموجب مذكرة التعاون هذه تقوم وزارة الأوقاف بعقد دورات تدريبية للأئمة المصريين المبعوثين إلى البرازيل لتأهيلهم للنهوض بالعمل الدعوي، وتتولى الوزارة تلبية طلبات المساجد والجمعيات والمراكز والمعاهد الإسلامية في البرازيل من خلال إيفاد مبعوثين من أئمة ومقرئين سواء عن طريق نظام الإيفاد الدائم، أو لإحياء شهر رمضان المبارك من كل عام، وذلك بالتنسيق مع السفارة المصرية في برازيليا، ولهذا نحن نكتفي بما تبعثه مصر من قراء في رمضان ولا نطرق باب وزارة الأوقاف المغربية، ونظرا لكون الجالية المغربية في البرازيل مازالت ضعيفة، وإلى حد الآن لا يوجد لها مسجد خاص بها، تجعلنا نكتفي مما يأتينا من مصر، مع أننا والحمد لله لنا علاقة طيبة بوزارة الأوقاف المغربية وقد شاركت شخصيا في الدروس الحسنية الرمضانية أكثر من 8 مرات، لكن في الحقيقة هذه السنة كنا قد فتحنا النقاش مع السفير المغربي بالبرازيل الأستاذ العربي مخارق فيما يتعلق بابتعاث خلال شهر رمضان لاتحاد المؤسسات الإسلامية بالبرازيل مجموعة من القراء والواعظات المغربيات والأمر مازال قائما مع سعادة السفير ونحن مازلنا في التشاور معه بهذا الخصوص.