الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الحميد جماهري: تحيين الرجعية والاستبداد بتقنية 3D

عبد الحميد جماهري: تحيين الرجعية والاستبداد بتقنية 3D

لم تعد هناك حاجة إلى صوت محمود عرشان، الكوميسير السابق، في الهجوم على اليسار، بكل فضائله، والاتحاد وحركته بالتحديد. فقد أجَّر صوته لأبو النعيم، الذي يكرر نفس التهجمات ونفس المصطلحات ونفس الأحقاد. ولا يقف هذا «التَّرَاشُح البيولوجي السياسي»، في تبادل الأدوار بين الجلاد والداعية، إلى تناسخ أرواح شخصية، بل في هو العمق تنشيط للدورة الرجعية المعادية لليسار، في لحظة أهم ما يميزها اشتعال النقاش حول الحريات الأساسية وحول الجيل الثاني من الحريات إذا صح التعبير..

لقد أجَّرَت الرجعية القديمة، المرافقة للزمن الاستبدادي في الستينيات، وفي السعبينيات صوتها وصورتها لرجعية أقدم منها، بنت أسطورتها على استعادة الخلافة وبناء الدولة الخالية من الطاغوت.. فصرنا نتابع، مباشرة وبالأبعاد الثلاثية أو تقنية 3Dعملية تحيين متواترة لمنظومة الاستبداد والرجعية، لما تابعناه في القرن الماضي.

إعارة صوت عرشان، وقبله مسدسه وسكينه إلى القتلة والقتلة الداخلين إلى السياسة، هو في حقيقة الواقع الحالي، المرحلة الثالثة، من عملية التنشيط البعدي للحركة - الأم، عبر الضخ القوي للفصيل الرابع من الأصولية السياسية كما تمثلت في الفصيل الثاني من السلفية، ودمجها في الفصيل الرابع من الحركة الأصل، كما بناه الكوميسير محمود عرشان.

فما قاله عرشان حول المهدي بنبركة هو حرفيا ما يقول أبو النعيم عن المهدي، أي هو زعيم الإرهاب، وهو الزعيم التاريخي والفيلسوف الأوحد والسياسي البارع عند الاتحاد الاشتراكي وعند القوى اليسارية، لم يقتل عباس المساعدي فقط، بل إن اليسار بزعامة المهدي بنبركة قتل العديد من الرجال وعذب العديد.

فلا أحد سيصدق بأن «أبو النعيم» هذا يعرف المساعدي أو غيره، فهو يحين دروسا في الكراهية الرجعية، والحقد العقائدي، بعد تلوينه بالسلفية.

وليس صدفة أن مرجعه في كل ما يقوله هو أحد قطبين أسسا الحركة الأم، والمقصود به المحجوبي أحرضان، إذ يقول، أبو النعيم إن «المحجوب أحرضان هو الشاهد الوحيد الذي يعرف أن مقتل عباس المساعدي».. وهو بذلك يعلن بالواضح مرجعه في قراءة التاريخ، بعيدا عمن يقدمهم للأتباع، أمثال ابن تيمية ..!

ويندرج التحيين في الثقافة الاستبدادية أولا بالدوباج، أو التنشيط الذي يتواصل للعديد من الفروع الجديدة للحركة الشعبية الأم،..

فقد كان التفكير قد اهتدى في البداية إلى إدماج العينة الأولي من الأصولية السياسية -العدالة والتنمية- في الجزء الأول من الحركة الأم، هي حركة الخطيب، باعتبارها الفرع الأول للكتلة الحركية الأصل كما خرجت من دهاليز الدولة والقصر في الزمن الاستبدادي..

ووجدنا أنفسنا أمام التركيبة التالية: الفرع الأول لأول تنظيم سياسي أصولي، [الشبيبة الإسلامية]، يندمج في أول فصيل من الحركة الشعبية الأم..

ثم جرى تعميم النموذج وأصبحت النهضة والفضيلة، الفرع الثاني، عن الحركة الأم كما رسمها الخطيب وأحرضان في البدايات الستينية، الحاضنة الثانية لجزء من الأصولية السياسية.. التي تمثلت في الحركة الأصولية الثانية، بالسلفيين الذين شكلوا الامتداد العملي، والفعلي لفكرة الشبيبة الإسلامية حول إقامة الخلافة والخروج عن الطاغوت..

لهذا لا نستغرب عندما نرى ونشاهد أن التصريحات والمواقف صدى لبعضها البعض، سواء في إعادة مسخ التاريخ أو في إعادة إحياء الصراع بين الأفكار المستوردة وبين الأفكار الأصلية!

وهنا الدرجة الثانية من التنشيط والتحيين.

فكل من يتابع الهجوم على اليسار وعلى قواه وشهدائه وقياداته، الحي منها والميت، وتنظيماته، فإنه يستعيد بسرعة الهجمات التي تمت، في الزمن الاستبدادي السابق على الآباء المؤسسين والمثقفين اليساريين والتقدميين والديمقراطيين الأوائل، على القوى التي عارضت الجيل الأول من حقوق الإنسان قبل تبنيها من طرف الدولة ومن طرف التنظيمات السياسية الإدارية بدون استثناء.

لنتذكر مقولة الأفكار المستوردة، لنتذكر الأفكار الملحدة، لنتذكر المتغربين والشيوعيين الزنادقة.. فهذه الترسانة كلها يتم تنشيطها اليوم بقوة، لكن عبر الربط بين الطرفين: اليمين الإداري وامتداداته في كل المؤسسات والفضاءات، وبين اليمين الأصولي، بكل درجات امتثاله للحقد الماضوي. وعبر التلاقي بين الحديث من عمق الدولة وعمق الإدارة، وبين الحديث باسم المجتمع وباسم فئاته وطبقاته.

وفي السابق كانت الترسانة تستعمل من أجل تقويض فكرة الديمقراطية والسيادة الشعبية وصناديق الاقتراع، واليوم يتم استعمال نفس الترسانة من أجل "توظيف" فكرة الديمقراطية وصناديق الاقتراع من أجل استبدال السيادة الشعبية بالسيادة الرجعية.