الأحد 22 سبتمبر 2024
سياسة

عبد الحكيم أبو اللوز : خطاب أئمة المساجد في رمضان الحالي يركز على المعلوم من الدين بالضرورة

عبد الحكيم أبو اللوز : خطاب أئمة المساجد في رمضان الحالي يركز على المعلوم من الدين بالضرورة

يشرح الباحث في علم الإجتماع الديني عبد الحكيم أبو اللوز تحول خطاب الأئمة في المساجد قبيل التراويح مقارنة مع العام الماضي، حيث كن التركيز على الإلاهيات بينما في رمضان الحالي يركز على المعلوم من الدين مع شرحه للناس بطريقة مبسطة على غرار الخطاب السلفي، كما يتطرق الى تراجع وظيفة الإمام كمصدر للمعلومات الدينية بالرغم من مواصلة الإبقال عليه من طرف الفئة العمرية 60 عاما فما فوق ، مشيرا الى أن دور الإمام في المغرب يبقى هامشيا مقارنة مع دور الدعاة والقنوات الدينية المشرقية بفعل خلو مناهج المدارس الدينية العتيقة التي تلقوا تكوينهم فيها من حصص للتدريب على مهام المسجد وشؤون الصلاة و غياب أي برنامج عملي مدروس لدورات تدريبية فاعلة.

كيف تقرؤون تحول خطاب الأئمة خلال دروس رمضان الحالي قبيل التراويح وتركيزهم في رمضان الحالي على المعلوم من الدين بالضرورة مع شرحه للناس بطريقة مبسطة ؟

خطاب الأئمة في مجموعة من المساجد في العام الماضي أثناء الدروس التي تقام قبل العشاء كان يركز على شرح علم الكلام الذي يخوض في الإلاهيات من خلال العقيدة الأشعرية مستندين ما تلقوه من تكوين في المدارس العتيقة ، وقد لاحظنا أن هذا الخطاب توقف وتم الخوض حاليا في فضائل رمضان، آداب الصيام.. مع شرحه للناس بطريقة مبسطة على غرار الخطاب السلفي، وهو ما يؤكد غياب أية استراتيجية واضحة ومستمرة لدى وزارة الأوقاف، ففي العام الماضي وضعت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية برنامجا للأئمة ، بينما لم تضعه هذا العام، واذا كانت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قد ركزت في إطار التعليمات التي وجهتها في العام الماضي على تبسيط الخطاب الديني عند خوضها في الإلاهيات، فمن المفروض ان تنتقل الى خطوات أخرى خلال رمضان الحالي، ففي العام الماضي كان الخطاب الأشعري في العقيدة حاضرا، بينما في هذا العام لاوجود له وتركت للأئمة حرية التحدث بحرية وهو ما يفيد بغياب استراتيجية في هذا الباب، وهذا مؤشر من المؤشرات على توعية المغاربة بخصوصية تدينهم. الآن تم الرجوع الى الخطاب العادي والذي يركز على التذكير والوعظ في المستوى الأدنى، يعني محاولة التثقيف من تحت أي من المعلوم من الدين بالضرورة، وهذا الخطاب سيصل الى الناس بكل سهولة، في حين أن خطاب الماضي كانت فيه حمولة إيديولوجية وكان واضح أن الوزارة تحارب خطاب آخر، وأعتقد أن خطوة العام الماضي كانت شاردة ولم تعطي أكلها، فالجمهور يميل دائما الى البساطة والوضوح وتفاصيل التفاصيل، وهذا هو مكمن تفوق الخطاب السلفي في العقيدة على جميع الخطابات في هذا الباب .

وكيف تنظرون إلى تراجع الإقبال على الأئمة كمصدر للمعلومة الدينية ؟

أئمة المساجد كانوا مصدرا للمعارف الدينية بالنسبة لسكان المغرب، وقد عرفت وظيفته على هذا المستوى تراجعا كبيرا فبالرغم من مواصلة الإقبال علية من طرف الفئة البالغة  60 عاما فما فوق بالنسبة كمصدر للمعلومات الدينية البسيطة (الصلاة مثلا)، فإن هذه النسبة تتراجع بشكل كبير بالنسبة للفئات العمرية الأقل سنا ، حيث يبدو دور إمام  المسجد في هذا الإطار هامشيا بالمقارنة مع دور الدعاة و القنوات الدينية الفضائية المشرقية وبفعل خلو مناهج المدارس الدينية العتيقة التي تلقوا تكوينهم فيها من حصص للتدريب على مهام المسجد وشؤون الصلاة و غياب أي برنامج عملي مدروس لدورات تدريبية فاعلة، يجد هؤلاء أنفسهم مضطرين للتتلمذ على يد نظرائهم من أولي التجربة أو عن طريق التواصل والاحتكاك أو عن طريق البرامج الرسمية الجديدة التي أصبحت تستهدف أئمة المساجد. ومن ضمنها ما حملته "خطة ميثاق العلماء" في هذا الشأن، بمعنى أن ابن المدارس العتيقة يجد نفسه مرة أخرى بعد رحلته العصامية الشاقة مضطرا لإيجاد فرصة عمل مناسبة لتكوينه وهي ممارسة الإمامة بمسجد، ولكنه لن يكون جاهزا لذلك قبل إطلاعه على خصوصيات هذه الوظيفة المعقدة  لتي تظل من أهم نواقص ثقافة الإمام التقليدي بالمغرب.

ماذا عن تكوين الأئمة في المعاهد الدينية الحرة ؟

تعتبر الكثير من المعاهد الدينية الحرة أكثر مردودية، إذ تعيد تأهيل خريج التعليم العتيق وتمده بمعارف الشرعية اللازمة تعزز بها ما اكتسبه في المدرسة العتيقة من حفظ القرآن وبعض مبادئ العلم الشرعي،  كما تخول له استئناف مسيرته الدراسية في المسالك الرسمية من خلال متابعة الدراسة في أحد المدارس التعليم العصري الحر بشكل صوري وفي مستويات متقدمة، ليتمكن  في سنوات قليلة من اجتياز باكالوريا التعليم الأصيل الحر والالتحاق بالجامعة، والاستفادة من برنامج تكوين الأئمة الذي يؤدي إلى تكليفه بهذه المهنة بشكل رسمي، وقليلون من طلبة التعليم العتيق ينجحون في تجاوز الباكالوريا الخاصة بهذا التعليم، بحيث أن فتح باب امتحان الباكلوريا العتيقة لم يراع واضعوه طبيعة تكوين العتيقيين وهو الأمر الذي أخذته مجموعة من الدول المجاورة في تعاملها مع الملف ذاته حيث تيسرإدماج هذا النوع من الطلبة في التعليم الجامعي، وقد تضرر خريج المدارس الدينية العتيقة كثيرا من عامل استقدام متعددي الوظائف لتولي المهام المسجدية وفي مقدمتهم الأساتذة، وعموما فقد شكل قرار وزير الأوقاف 473_06 10 مارس 2006 بداية نهاية العرف الاجتماعي الجاري به العمل لتولي المهام المسجدية في المغرب، واكبه في ذات الوقت برنامج رسمي لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات من ذوي الإجازات لتقصي الكفاءات من خريجي المدارس العتيقة.

يشتكي العديد من الأئمة من تردي أوضاعهم المادية، فكيف تقيمون الوضع من زاويتكم كباحثين ؟

ولابد، من الإشارة الى  مبادرات الدولة الرامية إلى العناية بفئة الأئمة بشكل خاص و القيمين الدينيين بشكل عام، الإعلان عن إحداث مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقيمين الدينيين في 27 شتنبر 2008، وسبق ذلك، في يوليوز 2007 ، دخول نظام التغطية الصحية للأئمة حيز التنفيذ والذي يشمل ما مجموعه 166 ألف شخص ما بين الأئمة وزوجاتهم وإنبائهم.

لقد كان من أهم محاور  خطة "ميثاق العلماء" التي أعلنها الملك في 27 شتنبر 2008 بتطوان: تأهيل أئمة المساجد باعتبارهم "نوابا عن الإمام الأعظم، أمير المؤمنين، في التوجيه والإرشاد الديني".وبمناسبة انطلاق هذا البرنامج ، أوضح الوزير،  أن 1500 مؤطر في كل الجماعات القروية والحضرية سيشرفون على هذه العملية التي وصفها المشرفون عليها بالخطة "الكبرى غير المسبوقة" والتي تتوخى تمكين الأئمة من أداء مهامهم على أكمل وجه، وإيجاد تأطير ديني مناسب لمجتمع حريص على ثوابته ومقوماته وهويته، إلى جانب ملائمة هذا التأطير مع جمهور "جديد متطلب وأكثر وعيا". كما أبرز الوزير أن هذا البرنامج الشامل والدائم إجباري بالنسبة لجميع الأئمة على تفاوتهم، فضلا عن كونه سيشكل بالأساس لقاء تواصليا روحيا ربانيا أكثر منه تعليميا "للإحاطة بالإطار المذهبي والمؤسساتي الذي يشتغل فيه الأئمة".

وفي ما يخص الأوضاع المادية فرغم تحسن هذه الأوضاع لا زال تعويض الإمام لا يبلغ الحد الأدنى للأجور المعمول به في المغرب، بحيث لا تبلغ حصة الإمام الواحد منها سوى 11 ألف درهم للعام الواحد، في حين يتطلب تحقيق تمتيع جميع الأئمة بالحد الأدنى للأجور(2000درهم) تعبئة غلاف مالي يفوق 400 مليار سنتيم. إنه من حسنات منحة الميزانية العامة والتي لم يتوقعها أحد، أنها تشجع على مرابطة العديد من حملة القرآن ببعض المساجد الخربة والمهجورة على أمل إدراجهم في من تشمله هذه الإعانة، مما كان له الأثر في إحياء العديد من المساجد.

ورغم هزالة الحصص المالية المخصصة للقيمين الدينيين، فقد سجلت الإجراءات الجديدة تمايزا عن السياسة السابقة لوزارة الأوقاف في عهد الوزير السابق، والذي كان له تصور حول الإمامة مفاده أن الأصل في الوظائف داخل المسجد التطوع، وأن كل ما تدفعه الأوقاف ما هو إلا مكافآت وهي غير ملزمة بصرف رواتب مقابل أداء الصلاة، حتى كان الكثير من الأئمة يعتبرون فترة تولي"المدغري العلوي" بمثابة العهد السيئ للمساجد.