الجمعة 20 سبتمبر 2024
مجتمع

الحاجة لتثبيت أصالة فن التبوريدة وتجديد خطاب التواصل والممارسة

الحاجة لتثبيت أصالة فن التبوريدة وتجديد خطاب التواصل والممارسة

على هامش النقاش المفتوح حول موضوع تراث الخيل والبارود بالموازاة مع النسخة السادسة عشرة لجائزة الحسن الثاني لفن التبوريدة بدار السلام بالرباط، تقدم أنفاس بريس لقرائها طبقا تراثيا حول طقوس وعادات ركوب الخيل، من خلال مجموعة من الأسئلة سنجيب عنها لنفتح شهية المتلقي في الخوض بعشق في موروثنا الثقافي الشعبي في أفق ثتمينه كرأسمال لا مادي تزخر به كل مناطقنا المغربية.

هل نمتلك ثقافة تراثية بخصوص فن التبوريدة ؟ هل نعرف حاجيات و لوازم الخيل والبارود ؟ ما هي أهم مكونات ألبسة الفارس و " أسنحة " الخيول التي تتزين بها ؟ وما هي دلالات ورموز بعض المستلزمات المرافقة لكسوة الفرسان والخيول هل للصناعة التقليدية حضور في فن الفروسية التقليدية؟

 

تلعب لجن " إذاعة التنشيط " التراثي والفني المصاحبة لعروض التبوريدة دورا مهما في تقديم وشرح المعطيات المرتبطة بمخزون الثقافة الشعبية و طقوس ركوب الخيل والبارود وكل العادات والتقاليد الشعبية لفائدة كل شرائح الجمهور المتلقي بصفة عامة والذي يحج بغزارة لميادين الفرح للفرجة والإفادة الثقافية السهلة والممتنعة، أكيد أن المهرجانات الناجحة هي التي تعتمد هذه الطريقة التواصلية مع المتلقي  وتوفر المعلومة الأساسية لتنوير جمهورها المتعطش لثقافة الخيل والبارود فضلا عن تكسير الروتين بفقرات موسيقية " عيطية شعبية تستحضر الفرسان في أغانيها " وتتناول الفروسية كمواضيع لأغانيها الجميلة لضخ روح التنافس الشريف بين كل " مقاديم " السربات وترفع من معنوياتهم داخل محرك الفرح ، وهي كثيرة وأنماطها متعددة ومختلفة (الحصباوي / المرساوي / الحوزي / ....والشعبي العصري بتفرعات مجموعاته الفنية).

يقول أحد العلامة من جهة الشاوية ورديغة ( نحس اليوم كفرسان وخيالة بأن مفاتيح ثقافة الخيل والبارود نتقاسمها مع الجمهور بفضل التنشيط الإذاعي المتميز الذي يعطي أهمية كبيرة للجمهور حتى يتفاعل معنا ومع طقوسنا التراثية التي نستعرضها أمامه ، بل لا أخفيكم سرا أننا كفرسان نحس بالألق كلما تحدث عنا المنشط وقدم المعلومات الكافية عن خيولنا وألبستنا وبنادقنا وعاداتنا وتقاليدنا وربطها بمنطقتنا ...فعلا نعيش لحظات الألق والنشوة مما يجعلنا تحت رحمة الجمهور ونكون مطالبين بترجمة مضمون حديثه على مستوى الأداء داخل المحرك).

 استحضر هنا والآن كيف تفاعل الجمهور في سفر بهي وتحليق موفق بكل من مهرجانات اليوسفية و صخور الرحامنة وبن كرير وسيدي بنور وسطات والبير الجديد حيث خضنا تجربة " التنشيط الإذاعي " المباشر مع ثلة من الفعاليات العاشقة للفروسية ، بعدما وفر المنظمون كل شروط التواصل على مستوى ـ المحرك ـ  ( صوتيات ذات جودة عالية / إنارة وسط المحرك / تنظيم محكم / مدرجات الجمهور / أمن وحراسة / مياه ومرافق صحية ...)  واشتغلنا على المكون الثقافي الشعبي لكل سربة ومجالها الجغرافي ( النمط الغنائي / طقوس الركوب / الألبسة / السنحات / أنواع الخيول / ....) ووفرنا المعلومة المهمة لسد الخصاص لدى الجمهور حول مجموعة من العادات والتقاليد وفعلا تفوقنا في استقطاب الجمهور وجعلناه تحت رحمة إذاعة التنشيط من اليوم الأول بعد تجاوبه الكبير وتفاعله مع برنامجنا المواكب لعروض التبوريدة ، وقد كانت أقوى الرسائل التي بعث بها المتلقي تلك التي عبر عنها بعض المتتبعين حيث وصفوا الحدث قائلين ( لقد جعلتم آذاننا صاغية لتعاليقكم وشروحاتكم ، وعيوننا تتابع سربات الخيل باهتمام كبير وسط المحرك ، وتمكنا من اكتساب ثقافة الخيل والبارود بفضلكم ولأول مرة نحس أننا نعيش لحظات تراثية تعلمنا منها دروسا قيمة في ثقافة الخيل والبارود ) فعلا إن جمهور فن التبوريدة له من الحس الإدراكي لاستيعاب كل الشروحات والمفاهيم المتعلقة بثقافته الشعبية المميزة ،خصوصا إذا كانت المعلومة تقدم بلباس تراثي عميق يمتح من ينبوع قاموس بداوتنا ومجتمعها الزراعي الرعوي وما يزخر به من مفردات شعبية ذات قيمة تداولية في الثقافة الشعبية ، مما حملنا مسئولية جسيمة طيلة هذه المحطات الشعبية للاستمرار في تقديم الجديد ( أكثر من13 سنة ) خصوصا وأن تنوع السربات الوافدة من عدة مناطق واحتكاكنا مع فرسانها ونقاشنا معهم زودنا بالكثير من المعلومات ذات القيمة المضافة في ثقافة الخيل والبارود.

هكذا أضحت العائلات والأسر عن بكرة أبيها شبابا وشويخا نساء ورجالا يتهافتون على المدرجات والكراسي والأماكن الشاهقة قبل زمن انطلاق المنافسات الفرجوية بساعات للظفر بمقعد والاستمتاع بعروض التبوريدة ومواكبة الشروحات والتعاليق محملين بزادهم وما تحتاجه الفرجة لساعات طويلة من مأكل ومشرب.....نعم خضنا هذه المغامرة الثقافية لرد الاعتبار للفروسية التقليدية بالمغرب عبر مجموعة من المهرجانات الوازنة لإشباع رغبة المتلقي لثقافة فن التبوريدة وتزويده بمفاتيح التاريخ لسبر أغوار موروثنا الشعبي التراثي الجميل بعيدا عن ثقافة التنميط والميوعة.

كان البث الإذاعي المباشر في الزمان والمكان ينساب كحلقات مسلسل تاريخي تراثي  يستحضر الثقافة الشعبية يصعب على المتتبع أن يفوت عليه حلقة من حلقاتها الجميلة ، هكذا فتح نقاش بين الجمهور الذي تحول لحكم تسلح بمعطيات مهمة لتنقيط السربات والفرسان والخيول ، يقف ويصفق للأجود ، ويهيج بالصفير والاحتجاج كلما ضاعت فرصة على السربة المخطئة في المحرك ، وخاض الجمهور بملاحظاته وتعاليقه في الكثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك في ميدان التبوريدة بعدما تسلح بثقافة الخيل والبارود التي اعتمدناها كأسلوب لترسيخ قيمها النبيلة ونفض الغبار عن كنوزها الثمينة.

من جهة أخرى كان لزاما علينا أن ننظم عروض ثقافية موازية للمهرجانات المذكورة ونشارك فيها فعاليات فكرية وثقافية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الدكاترة و الأساتذة ( حسن نجمي / عمر الإبوركي / التيلاني / عبد الرحيم العطري/ حمزة مصطفى / إبراهيم كريدية / إدريس بلعطار / سالم كويندي / مصطفى بن سلطانة / علي المدرعي / صوليح محمد / نور الدين الزوزي /....)  فضلا عن اللقاءات التواصلية وليالي السمر بين كل الفرسان والعلامة والعمارة المسئولين عن حشو البنادق البارود ، واستنطقنا معلوماتهم حول ثقافتهم الشعبية حول الخيل والبارود والموروث التراثي المرتبط باختصاصهم وروافده الشعبية والفنية حيث وجدنا أنفسنا أمام أطباق متنوعة من المعرفة الدسمة تفتح شهية الإنصات والإصغاء والاحترام والتقدير لرجالات خبروا الميدان بكل تفاصيله الجميلة ، وتعمقنا في دواخلهم لنكتشف عمق الجود و الكرم والطيبوبة والنخوة والشهامة ، لكن بالمقابل اكتشفنا حجم المعاناة مع ( الخيل والبارود ) التي يعاني منها أغلب من يمتلك ( العود والمكحلة ) وخصوصا بالمغرب العميق وما يتطلبه ذلك من تضحيات جسام على مستوى تربية الخيول طيلة السنة ( مرافقها / علفها / تطببها / حراستها .....) دون الحديث عن توفير متطلباتها ومستلزماتها مقارنة مع قدرة عشاق الخيل المادية ومستواهم المعيشي المنهك أصلا.

إن الجمعيات المهتمة بالفروسية على الصعيد الوطني مطالبة اليوم بتجديد خطابها ولغتها التواصلية مع شريحة الفرسان ،  ومسئولة عن تنويع آليات عملها للدفاع عن فن التبوريدة والخروج من النمطية التقليدية الاستغلالية في التعامل مع الخيل والباردية ، على اعتبار أن موروثنا الثقافي الشعبي التراثي هو الحصن المنيع ضد كل اشكال الغزو الخارجي الرامي إلى اقتلاع جدورنا وهويتنا المغربية ، لقد حان الوقت لفتح نقاش في الموضوع كما قال العديد من الباحثين والمهتمين بثقافتنا الشعبية ( لأنفاس بريس ) ووضع قاطرتها على سكة التثمين والتحصين والتنمية الحقيقية بعيدا عن ثقافة التمييع والانتهازية للركوب على صهوة الفرسان والخيول.