كان مفعما بالحيوية والنشاط، محافظا على تداريبه الكروية، أكثر من محافظته على الصلوات الخمس.. ومن ملاعب كرة القدم، حيث كان يراوغ ويهاجم ويسدد الأهداف، لصالح فريق شباب الساقية الحمراء، تحول لمقاتل في صفوف "داعش"، متأبطا بندقيته، موجها إياها نحو صدور شيعة العراق.. خطته "اقتل بدون رحمة".. إنها قصة شاب (26 سنة)، حير المديرية العامة لحماية التراب الوطنيDST، عندما اكتشفت التحاقه بالتنظيم الإرهابي، قبل أن تعلن قوات "الحشد الشعبي الشيعية" في بلاد الرافدين، عن مقتله، إنه اللاعب الكروي السابق محمد كردوس..
يتحدث برج الثور، عن أن مواليده يتمتعون بمحبة الناس من حولهم وكلمتهم مسموعة.. ويؤسسون لأمور مستقبلية أو أفق جديدة يفتح لهم، ويتخذون قرارات مهمة، مهما قيل عن الأبراج، وبأنها ضرب من الصدفة لا غير.. التوقعات تشير إلى أن نسبة كبيرة منها تنطبق على الراحل محمد كردوس، فهو من مواليد 29 أبريل 1989، بحي الوحدة أو ما يعرف في العيون بحي "تكساس"، حيث كان إلى عهد قريب عبارة عن شبه فضاء منبوذ، مقطوع عن العالم الخارجي، ينحدر محمد من أبوين من أصول تيزنيتية.. هو أصغر أخويه، حسن الذي يشتغل شرطيا، وإسماعيل الذي يشتغل ممرضا تابعا للمكتب الشريف للفوسفاط.. بالكاد كان رب الأسرة يوفر لهم لقمة العيش، ومع ذلك كان أمله في أن يرى في أبنائه الخير والبركة، وكان هذا دعاءه عقب كل صلاة بأن يرد بأبنائه للطريق المستقيم، ويبعد عنهم شر الخلق..
- رقم 7
بين مدارس "الحي الحجري" الابتدائية، و"الحسن الثاني" الإعدادية، و"المصلى" الثانوية، تابع كردوس دراسته بمعدل متوسط، إلى أن التحق بكلية الآداب بمراكش.. لم يستطع إتمام دراسته الجامعية، لارتباطه الكبير بكرة القدم.. فمنذ صغره انخرط في نادي مولودية العيون، وبهذا النادي تلقى مبادئ اللعب النظيف، وطور قدراته الرياضية، حتى أصبح اسمه معروفا، ليس فقط في العيون، بل بالأقاليم الصحراوية، من خلال حمله رقم "7"..
كغيره من الشبان، عاش الكردوسي حياة كغيره من أقرانه، عشق بنات عمره، ودخن سيجارة أو سيجارتين، واحتسى كأسا أو كأسين.. سنة 2012 عاد من مراكش حيث ضيع سنته الجامعية نحو مدينة العيون، واستثمر في مشروع تجاري، لكنه فشل في تدبيره، لتبدأ معالم التحول في شخصية "ولد حي الوحدة"، كما كان يلقب.. استمر في اللعب لفائدة مولودية العيون لأشهر قليلة، قبل أن ينتقل لفريق شباب الساقية الحمراء، حاملا نفس الرقم 7.. حافظ على علاقات طيبة مع زملائه في النادي، وكانت مراوغاته تجد الترحيب والتصفيق من قبل أنصاره في ملعب العيون وخارجها.. صوره الشخصية، سواء الفردية أو الجماعية على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وكذا كتاباته، تظهر أنه كان محبا للحياة، يلتقط صورا قرب البحر، وأخرى قرب حوض الأسماك في "موروكو مول" بالدار البيضاء، وأخرى في حقل مليء بالأزهار والورود، إلى جانب صوره العائلية مع والده أو صغار عائلته.. كما كان حريصا على نقل صوره رفقة زملائه في النادي الكروي، عقب كل مباراة يجريها مع الفريق ضمن بطولة الهواة، وفي عدد من الصور يظهر رافعا لشارة النصر أو علامة الرضا.. وكان معجبا بفريق ريال مدريد..
- ولاء وبراء
لا يتحدث أصدقاء كردوس عن يوم معلوم لهذا التحول، فقد كان يحلق وجهه مرة ويعفي عن لحيته مرة أخرى، وأحيانا يظهر بلحية كثيفة، في مباراة من المباريات، لكنه يعود في الدورة المقبلة، بـ "لوك" جديد.. هل كان كردوس يضمر شيئا في نفسه، ويحرص على عدم كشفه للآخرين؟ والدليل أنه بتاريخ 30 أكتوبر 2014، غير "البروفايل" على موقع "فيسبوك" بصورة له يرتدي قميصا مغربيا، بشاطئ تغازوت، وحافظ على الصورة الثانية التي يظهر فيها مرتديا "تي شيرت" أصفر اللون يحمل صورة أسد، وكذا سروالا قصيرا حتى الركبة، التقطت له بشلالات أوزود، وكلا الصورتين ظهر بلحية خفيفة.. من حيث خطابه الديني، يعرف الكثير من أصدقائه سواء في الدراسة الجامعية أو النادي الكروي، أن مستواه كان متوسطا، ولا يدخل في نقاشات دينية لا يعلمها، مكتفيا بأداء الصلاة بين الفينة والأخرى.. غير أنه خلال الأشهر القليلة، لوحظ عليه توجه لمناقشة أوضاع المسلمين في فلسطين والعراق ومصر وغيرها.. ومن خلال تصفح صفحته الخاصة، يلاحظ أن هناك تغيرا في اهتمامات محمد كردوس، من قبيل تنديده بإغلاق دور القرآن الكريم في المغرب وتعليقه عليها قائلا: "اللهم إنا براء مما يفعلون"، قبل أن يعود في تدوينة أخرى قائلا: "اللهم اجعلنا ممن يؤتوا كتابهم بيمينهم وينقلبون إلى أهلهم مسرورين يا غفور يا رحيم"..
وبتاريخ سابق، كتب "والله يعجز اللسان عن الكلام"، تعليقا منه على متابعة أحد السعوديين بالسجن 15 سنة لدفاعه عن الرسول الأكرم، مقابل شاب آخر سب الله ورسوله، تعهد بأنه سيتوب.. لكن هذا التوجه الديني المتشدد سيظهر عند وصفه للممثلين المغربيين سعيد باي ورفيق بوبكر بأنهما ينشران الضلال بعد أدائهما لدور في فيلم "ابن الله"، وتساءل مستنكرا "واش هاذ الناس عندهم شي علاقة بالإسلام؟".. كم كان ينشر مقاطع دينية من بينها فيديو يتحدث عن شخص يدعى "المجاهد أبو دجانة"، يؤدي الصلاة وهو يحتضر بعد أن أصيب برصاصة قاتلة على مستوى الصدر.. داعيا في كتابة أخرى الفتيات لارتداء الحجاب الصحيح..
- نلتقي في الجنة
هي إذن تغيرات فيسبوكية، لكنه مع ذلك حافظ على نشر أنشطته الرياضية وتوثيق أهم لحظات تألقه في ميدان كرة القدم، حتى آخر مباراته التي لعبها رفقة فريقه ضد الاتحاد الرياضي السالمي، وانهزم فيها الفريق الصحراوي بهدف لصفر.. كان ذلك بالضبط في الدورة الخامسة يوم 29 أكتوبر 2014، ضيع فيها كردوس هدف السبق، بعد أن راوغ ثلاثة مدافعين.. بعدها بأيام اختفى عن الأنظار، بعد أن أخبر والدته بأنه متوجه نحو تيزنيت، لكن وجهته الحقيقية كانت هي اسطنبول التركية ومنها إلى العراق، حيث كان واحدا من عناصر "داعش" الإرهابية.. غير كنيته لأبو حفص، ولقب بالأمير المغربي.. ومن أرض المعركة اتصل بوالدته هاتفيا قائلا "نلتقي في الجنة".. لم يستوعب أفراد أسرته هذا السفر المفاجئ، خصوصا شقيقه حسن الذي يشتغل شرطيا بولاية العيون، ولم يبد أي اعتراض أمام أسئلة المحققين من المديرية العامة لحماية التراب الوطني، التي يبدو أن عنصر المفاجأة كان قويا لديها، لتبدأ فيما بعد تحرياتها مع المسؤولين الرياضيين وزملاء محمد كردوس، غير أن الخبر الذي أعلنه "الحشد الشعبي" مساء يوم الأحد 29 مارس 2015، سيضع حدا لحياة هذا اللاعب الرياضي (26 سنة) على يد شيعة العراق.