الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

مبارك حسني: في الوزارة والثقافة والكتاب..

مبارك حسني: في الوزارة والثقافة والكتاب..

لم يكن طه حسين ذاك الكاتب المتنور فقط، الرجل الذي غرس بذرة الآداب العالمية في أذهان مباشري الإبداع العربي بدءا من جذوره اليونانيه واللاتينية، في مسعى تنبؤي تنويري لكل من يود الكتابة بتوخي النهل من الأصول لا الفروع كي تتم النهضة المرجوة، وعدم الاكتفاء بالموروث العربي الضخم، بل بربط هذا بذاك، بخيط  يُعلي من شأن المنحى الإنساني التحديثي في كل منهما. بل كان أيضا كاتبا منخرطا في مجتمع وفي سياسة، حين جعل ما حاول غرسه في عمق الثقافة كمسألة دولة وكقضية ساسة. ولا يتحقق ذلك في نظره إلا عبر نشر الكتاب الإبداعي، وتشجيعه وتمكين الكل من تناوله في المكان وبالثمن المقبول. فهو الذي سن سياسية تربوية عمادها الأدب حين كان وزيرا للمعارف، وهو الذي وقف وراء سلسلة كتاب الجيب المصري العربي في تقليد محمود للسلسة الفرنسية المعروفة بذات الاسم، تلك التي نهل منها جل كتاب اللغة العربية  بلا حساب.

ولم يكن أندري مالرو ذلك الكاتب الفرنسي الكبير الذي عبر العالم واخترقه بجسده المغامر وروحه الحائمة حول كل تجربة حياتية وفنية تغني الأدب وتجدده، أدبه الثري الذي منح العالم على سبيل المثال رواية "الأمل" و"القدر الإنساني"، مانحا عصارة صراع الإنسان من أجل وجود أفضل في عالم أحسن، سواء في الحرب الأهلية الإسبانية التي سترسم إحدى أبرز معالم خارطة وجود لأوروبا ما بعد الحرب الكونية، أو في المخاض الأسيوي الذي سيعرف النهضة القوية التي نتبع آثارها في كل مناحي حياتنا حاليا. بل كان أيضا وزير محرر فرنسا ديغول للثقافة، وصاحب الخطب الثقافية التي تدك جسد السياسة وتغرز فيه إبر الخلق والفن والسمو، كي لا يركن إلى سلطته الديماغوجية، ويتملى التصرف بمصائر الشعوب خارج المعطى الإنساني كشرط حياة وكرامة وحقوق لا مجال لتجاهلها في الحرب وفي السلم وما بينهما. ولذلك سن القانون الكبير السامي بتخصيص واحد في المائة لتقريب الثقافة من الجمهور العريض، وإخراجها من النخبوية والمتحفية الضيقة، وذلك في كل ميزانية سنوية لأي جهاز تسييري تنفيذي يود بناء عموميا.

مر على رأس وزارتنا في الثقافة أشخاص محسوبون على الكتابة والأدب. لم يكن متوقعا منهم تسيير دواليب قطاع وزاري بموظفيه وأقسامه العديدة مثل أي وزارة كالتجهيز أو الأمن. بل كان سيكون مفاجأة كبيرة طيبة محمودة، مما قد يحسب في تاريخ مشهود، لو تم اقتراح تأسيس هيئة تحمل اسم المركز المغربي للكتاب، وليس الاكتفاء بقسم وزاري صغير فقط يرعى شؤون الكتاب يسمى المديرية. نتحدث هنا عن مركز مشابه للمركز السينمائي المغربي، بكل الاختصاصات المناسبة، يتكفل بنشر الكتاب ودعمه وتوصيله ورعايته وإشعاعه. ليس أي كتاب، بل كتاب الأخيلة، كتاب الإبداع والفكر، الكتاب الأدبي والكتاب الفكري. حيث الحياة والخيال والنقد والسؤال والباب المشرع على شحذ الهمم الكامنة وزرع قدرات التفكير والتخيل. هي مسألة يجب أن تتكفل بها الدولة، أن توليها الأهمية القصوى، فلقد أخرنا مسؤولون اعتبروا الثقافة ترفا زائدا.

الخبز والمسكن والأمن أساسيات لا غنى عنها كيفما كان الحال، لكن التهذيب في أفق وجود مواطن واع ومسؤول ، مدني الطباع، يرعى الحوار والاحترام، متسامح ومنخرط في كل قضايا الوطن والمجتمع  نحو مستقبل أفضل، هذا المواطن الإنسان لا يوجد خارج الثقافة، وفي مركز الثقافة يحتل الكتاب الموقع الأكبر.

ولأننا نقلد كثيرا فرنسا فلنا في المركز الفرنسي للكتاب مثال طيب يحتدى به في هذا الإطار، أو المجلس  الكندي لرعاية الفنون والآداب ما يمكن الاستفادة منه لخلق نشاط طباعي للكتاب في متناول الكل، في سبيل نهضة حقيقة..  لعل وعسى...