الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد الموسوي: ملكي أكثر من الملك

محمد الموسوي: ملكي أكثر من الملك

إحدى الأساليب المكشوفة للنظام الإيراني لديمومة حكمه في الداخل الإيراني ولتمرير سياساته في المنطقة هي إثارة الصخب والدجل والضجيج واختلاق للأزمة.

وما يميز نظام الحكم الحالي في إيران عن سائر الأنظمة الدكتاتورية هو أن التدخل في شؤون الدول الأخرى، وتحديدا العراق، يشكل أمرا إستراتيجيا له وعنصرا حيويا غاية في الأهمية، وهذا ما يمكن قراءته بشكل واضح من تصريحات خامنئي المتكررة وتصريحات سائر مسؤولي النظام. وفق هذه القراءة التي لا لبس فيها، فإن إثارة الصخب والدجل واختلاق الأزمات في سائر الدول هي سياسة إستراتيجية قائمة لدى النظام نظرا لحاجة النظام الملحة لترميم وجوده المتهاوي.

فقد أعلن قائد ميليشيا بدر هادي العامري، الذي يتولى حاليا قيادة قوات عراقية مسلحة في محافظة ديالى، مؤخرا، أعلن أن "الحكومة العراقية كانت ستسقط لولا تدخل إيران وقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني في المعركة ضد تنظيم داعش الارهابي".

وتصريحات أخرى مشابهة لهذا التصريح تصدر أيضا من قبل سائر مسؤولي العراق الموالين للنظام الإيراني مرارا وتكرارا وفي مختلف الأماكن ويتم الترويج لها وكأن الإيرانيين وقاسم سليماني هم أكثر فداء في الدفاع عن العراق من العراقيين أنفسهم، متناسين أن العراقيين بجميع مكوناتهم هم من يتساقطون يوميا في الحرب على الإرهاب، وأنه لولا غارات التحالف الدولي المتركزة على داعش لاستولى التنظيم على بغداد، متغافلين ومبتعدين كذلك عن الخوض في حقيقة نوايا وتوجهات النظام الإيراني.

ووسط هذه التصريحات تعلن وكالة أسوشيتدبرس للأنباء بغتة أنه، وخلال السنة الماضية فقط، اشترى العراق ذخيرة بنادق إيرانية الصنع بما يعادل 10 مليارات دولار فيما أن السعر الحقيقي لها لم يكن ليتجاوز 50 مليون دولار وذلك في الوقت الذي يرى فيه الجميع أن الاقتصاد الإيراني المنهار في أمس الحاجة إلى المال. وهنا، ومن سخرية القدر، وإضافة إلى استباحة أموال الشعب العراقي المنكوب وتحميله فاتورة الاقتصاد الإيراني المنهار، يكال للنظام الإيراني من المديح ما لا يستحقه ويقبح حال الحكومة العراقية ويظهرها بمظهر التابع الذي لا إرادة له، وهذا في حد ذاته أمر مهين ومخل بالسيادة الوطنية العراقية.. لكن هذا المديح وهذه الإشادات هي فريضة ولاء عراقي لا مبرر له إلى هذا الحد وذلك لترميم جدران النظام الإيراني المنهارة.

وبالتزامن مع هذا وذاك تقوم الميليشيات التي يقودها هادي العامري في محافظة ديالى الحدودية مع إيران بإجراءات تعسفية شبيهة بما تفعله داعش وتصفيات سياسية وإفراط شديد باستخدام القوة بحق مواطنين عراقيين يحكمهم القانون في كل الأحوال، إن كانت هناك دولة قانون. فإحراق الميليشيات للأماكن التي يدخلونها وتهجيرها للمواطنين ونهبها للممتلكات وخطفهم ومجازرهم هنا وهناك بحجة الحرب على داعش، قد بلغ ذروته بما يهدد بتدهور العملية السياسية وزوال الدولة العراقية وإشعال نار حقد وكراهية كافية لجحيم يحرق العراق لعقود طويلة.

للنظام الإيراني هدف إستراتيجي من ذلك كله، وهو أن يتاح له إقحام نفسه في التحالف الدولي ضد داعش، وذلك من خلال قرعه طبول الحرب على داعش والوجود علنا وبوضوح على جبهات القتال تمهيدا ومدخلا للحصول على تنازلات جديدة في المفاوضات النووية والخروج من حصار العقوبات الاقتصادية الخانق.

ومع تصريحات كهذه وإبراز دور الميليشيات في الحرب على داعش، يدرج النظام الإيراني ميليشيات موالية له كجهاز عسكري عراقي بموازاة الجيش العراقي تحت مسمى "الحشد الشعبي" ويعين عناصره الرئيسية في العراق بما يمكنه من استخدام تلك القوات فيما بعد لفرض سياساته على الحكومة العراقية وإقليم كوردستان العراق وفي تحديد مسار ونتائج المفاوضات مع أمريكا.

يُلاحظ هنا أن نظام الحكم القائم في إيران، ومن خلال سياساته في إثارة الضجيج والدجل بأنه يُظهر نفسه بمظهر "ملكي أكثر من الملك ذاته"، وبذلك يذبح الشعب العراقي وينهب ثرواته ويعطل مفهوم الدولة في العراق لتحقيق طموحاته، في حين أن العراقيين هم من يضحون بدمائهم وأرواحهم في الحرب على داعش ليأتي النظام الإيراني ويصادر إنجازاتهم على لسان وسائل الإعلام الموالية له وعملائه المحليين من أصحاب التصريحات، ومن ثم تعيينهم وتمييزهم وغيرهم كثر.

إن ما يجري على الأرض لا يقف عند نهب ثروات العراقيين ليبني بجزء منها مسلحين تابعين له بمسمى أو بآخر.. بل وصل وبتأكيد الضحايا أنفسهم وكثيرين محايدين إلى التوجه نحو تصفية مكون أصيل ومتجذر في المجتمع العراقي، وهم سنة العراق الذين لا يمكن تحميلهم مصائب ووزر تنظيم داعش الإرهابي.، إلا أن في ذلك خدمة لصالح النظام الإيراني كأن تكون المحافظات المجاورة له خاضعة أمامه متماشية مع توجهاته.

لا شك أن سياسة النظام هذه نابعة من ضعفه التام في مجابهة التطورات العالمية والضغوط الداخلية القاضية. ولو كان نظاما شرعيا مستقرا مستندا على دعم شعبه لن يكون بحاجة إلى صناعة هذه والقيام بتلك الممارسات، وكانت حاله حال سائر دول العالم المستقرة، والتزم بالوجود في إطار التعامل الدولي المعمول به بين الدول المنضبطة.

لقد كانت ومازالت سياسة المساومة والرضوخ اللذين يتبعهما الغرب في نهجه مع النظام، كانت سندا له في تنفيذ سياساته التخريبية في المنطقه والعالم.

ووفق هذا المنطق يريد الرئيس أوباما أن يصل إلى اتفاق نووي على طاولة المفاوضات النووية مع إيران مهما كلف الأمر ليكون الاتفاق إنجازا في جعبته في العامين الأخيرين من حكمه، لذلك فإنه أعطى يدا مفتوحة للنظام في العراق، وإلا فكيف يمكن أن يقبل بأبي مهدي المهندس قائدا لقوة عسكرية داخل العراق وهو مطلوب من قبل الولايات المتحدة نفسها، والأمر نفسه ينطبق على سليماني.

لا جدوى ولا طائل من هذه السياسة إلا المزيد من الفشل والإحباط لمتخذيها، والمزيد من النمو لدواعش اليوم ودواعش الغد، والتقدم للنظام الإيراني في المنطقة والتي ستتحطم بتداعياتها المجلجلة على رأس الغرب وستجبره أن يدفع ثمن إهماله أضعاف مضاغفة فيما بعد.. كما وأن الشعب العراقي لن يقبل بالمزيد من البؤس والدمار.

لا شك في أن سياسة الضجيج وإثارة الصخب والدجل ما هي إلا زبد زائل لا محالة أمام وعي ومقاومة وصمود الشعوب في المنطقة، وما يبقى هو شرف وقيم وثوابت واصالة الشعوب وكرامتها واستقلالها الوطني.

ويكمن الحل قبل كل شيء في عدم الاستسلام لهذا الضجيج والدجل الإيرانيين، وفي بتر تام لأيدي نظام طهران في العراق والمنطقة. لذا فإن على كل سياسي عراقي وطني أصيل أن يعي أن أي صداقة مع النظام الإيراني أو تعليق آمال عليه خيانة فعلية للشعب العراقي الأبي.