في خضم النقاش الدائر حول مراجعة المنظومة الانتخابية، لفت انتباهي مقترح يقضي بألا يتجاوز أي أمين عام لحزب سياسي ولايتين متتاليتين. قد يبدو الأمر تفصيلاً تقنياً في هندسة القوانين، لكنه في العمق يمس جوهر الممارسة الديمقراطية. نحن أمام سؤال مركزي: هل أحزابنا قادرة على تجديد نفسها أم أنها مجرد هياكل جامدة يتوارثها الزعماء وكأنها ملكيات خاصة؟
لقد تطبّعنا مع مشهد الزعماء الخالدين حتى غدا مألوفًا. قادة يقيمون على رأس أحزاب ترفع شعار الديمقراطية، بينما يمارسون داخلها منطق الهيمنة الأبوية. بعضهم يبرر وجوده بالقول إن “المناضلين متمسكون بي” وكأن الحزب لا يستقيم إلا به. لكن الواقع يكشف العكس: فشل انتخابي متكرر، انحدار تنظيمي، وانسداد الأفق أمام الطاقات الجديدة.
وما يزيد الأمر غرابة أن الفشل غالبًا ما يتحول إلى شماعة: اتهام الدولة بالتزوير حتى قبل إجراء الانتخابات، انتقاد “الريع” بينما القائد نفسه يغرق فيه حتى أذنيه، وبيانات نارية تملأ الصحف دون أثر فعلي في الواقع. أما داخل الحزب، فالكل يلوذ بالصمت أو يوزع دعوات “طول العمر”، فيتحول الحزب إلى زاوية يورَّث فيها العهد بدل أن يكون مؤسسة للتداول والتجديد.
لكن هناك ظاهرة أخرى لا تقل خطورة عن الأولى: زعماء يُستوردون من خارج الحقل الحزبي، يُعيَّنون فجأة على رأس أحزاب دون أي مسار نضالي أو تاريخ سياسي، ثم يجدون أنفسهم بين عشية وضحاها يقودون اغلبية حكومية. هذه الممارسة تمثل تمييعًا خطيرًا للحياة السياسية، إذ تفرغ العمل الحزبي من قيمته النضالية وتحوّل السياسة إلى لعبة مقاعد بلا ذاكرة ولا جذور.
إن مواجهة هذه الاختلالات لا تتم فقط عبر النصوص القانونية، بل عبر وعي جماعي بضرورة القطع مع ثقافة الزعامة الأبدية ورفض “التعيين من فوق”. فداخل كل حزب طاقات مؤهلة وقادرة على قيادة المرحلة، لكنها تُقصى أو تُطرد قبل أن تُمنح فرصة الكلام. التجديد الحقيقي يبدأ بالاعتراف بأن الديمقراطية ليست صندوق اقتراع فقط، بل هي أيضًا تداول، محاسبة، وتناوب داخل الأحزاب نفسها.
لقد تطبّعنا مع مشهد الزعماء الخالدين حتى غدا مألوفًا. قادة يقيمون على رأس أحزاب ترفع شعار الديمقراطية، بينما يمارسون داخلها منطق الهيمنة الأبوية. بعضهم يبرر وجوده بالقول إن “المناضلين متمسكون بي” وكأن الحزب لا يستقيم إلا به. لكن الواقع يكشف العكس: فشل انتخابي متكرر، انحدار تنظيمي، وانسداد الأفق أمام الطاقات الجديدة.
وما يزيد الأمر غرابة أن الفشل غالبًا ما يتحول إلى شماعة: اتهام الدولة بالتزوير حتى قبل إجراء الانتخابات، انتقاد “الريع” بينما القائد نفسه يغرق فيه حتى أذنيه، وبيانات نارية تملأ الصحف دون أثر فعلي في الواقع. أما داخل الحزب، فالكل يلوذ بالصمت أو يوزع دعوات “طول العمر”، فيتحول الحزب إلى زاوية يورَّث فيها العهد بدل أن يكون مؤسسة للتداول والتجديد.
لكن هناك ظاهرة أخرى لا تقل خطورة عن الأولى: زعماء يُستوردون من خارج الحقل الحزبي، يُعيَّنون فجأة على رأس أحزاب دون أي مسار نضالي أو تاريخ سياسي، ثم يجدون أنفسهم بين عشية وضحاها يقودون اغلبية حكومية. هذه الممارسة تمثل تمييعًا خطيرًا للحياة السياسية، إذ تفرغ العمل الحزبي من قيمته النضالية وتحوّل السياسة إلى لعبة مقاعد بلا ذاكرة ولا جذور.
إن مواجهة هذه الاختلالات لا تتم فقط عبر النصوص القانونية، بل عبر وعي جماعي بضرورة القطع مع ثقافة الزعامة الأبدية ورفض “التعيين من فوق”. فداخل كل حزب طاقات مؤهلة وقادرة على قيادة المرحلة، لكنها تُقصى أو تُطرد قبل أن تُمنح فرصة الكلام. التجديد الحقيقي يبدأ بالاعتراف بأن الديمقراطية ليست صندوق اقتراع فقط، بل هي أيضًا تداول، محاسبة، وتناوب داخل الأحزاب نفسها.