في خضم التحولات العميقة التي يشهدها المشهد السياسي الوطني والإقليمي، اختار حزب الاستقلال أن يرفع منسوب خطابه السياسي، معلناً أن سنة 2025 يجب أن تكون سنة الحسم في قضية الصحراء. هذا الإعلان لم يأتِ من فراغ، بل من موقع حزب تاريخي راكم خبرة طويلة في معارك الاستقلال والسيادة، ويحاول اليوم أن يجدد حضوره كفاعل رئيسي في القضايا المصيرية للبلاد.
البيان الصادر عن اللجنة التنفيذية، برئاسة الأمين العام نزار بركة، لا يقتصر على الموقف المبدئي من قضية الوحدة الترابية، بل يرسم خريطة تداخل بين ثلاثة أبعاد متكاملة: الدفاع عن السيادة، تأهيل النظام الانتخابي، وتقديم بدائل اقتصادية-اجتماعية تستجيب لانتظارات فئات واسعة من المواطنين.
2025 كسنة الحسم: البعد الدبلوماسي والرمزي
إعلان الحزب أن السنة الجارية يجب أن تكون «محطة الحسم» في ملف الصحراء يحمل أكثر من رسالة. داخلياً، هو دعوة لتعبئة وطنية جامعة تجعل من مقترح الحكم الذاتي خياراً واقعياً غير قابل للتأجيل. وخارجياً، هو محاولة لدفع المنتظم الدولي نحو ترجمة الاعترافات الضمنية والمتزايدة بمغربية الصحراء إلى مواقف سياسية صريحة وملموسة.
هذا الخطاب، بما يحمله من ثقة وتفاؤل، يعكس إدراكاً بأن المغرب نجح في السنوات الأخيرة في تثبيت مواقفه الاستراتيجية، وأن الوقت قد حان لتحويل التراكم الدبلوماسي إلى واقع سياسي مؤطر بالشرعية الدولية.
الإصلاح الانتخابي: نحو قواعد جديدة للثقة
إلى جانب قضية السيادة، شدّد الحزب على ضرورة إصلاح المنظومة الانتخابية بما يضمن تكافؤ الفرص بين الأحزاب ويعزز البناء الديمقراطي. في هذا السياق، أشار البلاغ إلى مذكرة شاملة سيقدمها الحزب إلى وزارة الداخلية، في خطوة تعكس رغبته في أن يكون طرفاً فاعلاً في صياغة القواعد الجديدة للممارسة السياسية.
المثير هنا أن الحزب يربط بين نزاهة الاستحقاقات الانتخابية وبين قوة الموقف الوطني في الخارج. فالديمقراطية الداخلية ليست مجرد آلية لتدبير السلطة، بل رافعة لتعزيز صورة المغرب كدولة مؤسسات راسخة، قادرة على الدفاع عن قضاياها العادلة بثقة أكبر.
البعد الاقتصادي-الاجتماعي: رعاية القاعدة الشعبية
البعد الثالث في البلاغ يهم مسألة إعادة تكوين القطيع الوطني، حيث عبّر الحزب عن ارتياحه لنتائج الإحصاء الأخير الذي جاء بتعليمات ملكية. هذا الاهتمام بالقطاع الفلاحي وبأوضاع صغار ومتوسطي الكسابة يكشف وعياً استراتيجياً بضرورة ربط الأمن الغذائي بالعدالة الاجتماعية. فالقضية الوطنية لا يمكن أن تنفصل عن تحسين ظروف عيش المواطنين، خصوصاً في العالم القروي، الذي ظل لعقود خزاناً انتخابياً ومجالاً لتثبيت الاستقرار الاجتماعي.
قراءة في رهانات الحزب
من خلال هذا البلاغ، يسعى حزب الاستقلال إلى تثبيت موقعه كقوة سياسية متجددة تحمل مشروعاً متكاملاً: الدفاع عن السيادة، تأطير الإصلاح الديمقراطي، واقتراح حلول عملية للمعيش اليومي. هذا الجمع بين الوطني والسياسي والاقتصادي يكسب الحزب زخماً إضافياً في المشهد، ويضعه في موقع المبادرة بدل الاكتفاء بردود الأفعال.
لكن التحدي الأكبر يظل في القدرة على تحويل الخطاب إلى فعل. فـ«سنة الحسم» لن تكتسب معناها إلا إذا رافقتها مبادرات دبلوماسية واقعية، وحوار وطني واسع حول القوانين الانتخابية، وبرامج اجتماعية ملموسة تعزز الثقة بين الدولة والمجتمع.
خاتمة
بلاغ اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال يرقى إلى ما يشبه «بيان رؤية» أكثر منه مجرد موقف ظرفي. فهو يعكس إرادة في استعادة روح الريادة الوطنية التي وسمت الحزب عبر تاريخه، ويؤشر على وعي متجدد بأن الدفاع عن الصحراء لا ينفصل عن تعميق الديمقراطية ولا عن ضمان العدالة الاجتماعية.
إذا نجح الحزب في تجسيد هذه الرؤية على أرض الواقع، فسيكون قد أسهم في رسم معالم مرحلة سياسية جديدة، حيث تتقاطع قضايا السيادة مع رهانات التنمية والديمقراطية في مشروع وطني جامع.
