Thursday 1 May 2025
كتاب الرأي

محمد بنصديق: فاتح ماي بالمغربي.. احتفال بلا قضية ونضال بلا أنياب 

محمد بنصديق: فاتح ماي بالمغربي.. احتفال بلا قضية ونضال بلا أنياب  محمد بنصديق
في الأول من ماي من كل عام، يستيقظ المغرب على إيقاع طبول النضال الموسمي. الشوارع تتزين باليافطات، الحافلات تنقل الجموع إلى ساحات الخطابة، والنقابات تخرج من أدراجها شعارات الثمانينيات المغبرة. إنه فاتح ماي، اليوم الذي يفترض أن يحتفل فيه العمال بحقوقهم، لكن في المغرب، يبدو أن الجميع يحتفل، إلا العمال أنفسهم.

 مهرجان السيلفي الوزاري
وزراء في الحكومة، ببدلتهم الأنيقة، يتقدمون مظاهرة فاتح ماي، يلوحون بأيديهم كنجوم سينمائيين، ويبتسمون للكاميرات بينما يحيط بهم عمال لا يعرفون إن كانوا في مظاهرة أم في تصوير إعلان للحكومة. اللافتات ترفع شعارات مثل "العدالة الاجتماعية" و "كفى ظلما على الشغيلة"، لكن الوزراء لا يبدون مضطربين. لماذا؟ لأنهم يعرف أن هذه المظاهرة لن تكلفهم اجتماعا طارئا أو حتى كوب قهوة إضافي. إنها مظاهرة "مرخصة"، محروسة، ومصممة بعناية لتبدو ثورية في الصور وغير مؤذية في الواقع.
في المغرب، فاتح ماي ليس يوم نضال، بل مهرجان دعائي. الحكومة تحتفل به كدليل على "ديمقراطيتها"، حيث تسمح للعمال بالهتاف (طبعا ضمن حدود اللياقة). وبعد انتهاء المظاهرة، ترسل الصور إلى المنظمات الدولية مع تعليق: "انظروا، شعبنا يغني مطالبه بحرية" بينما المطالب نفسها -الأجور العادلة، الحماية الاجتماعية، ظروف العمل غير اللائقة- تبقى في درج "الانتظار" منذ أيام التقويم الهيكلي.

 
 النقابات حافلات وقبعات حمراء 
أما نقاباتنا العريقة، فهي نجمة هذا العرض الموسمي. كل سنة، تتحول إلى وكالات سياحية، تنظم رحلات إلى ساحات الاحتفال. الحافلات تستأجر، القبعات الحمراء توزع، والمكبرات تصدح بشعارات لم تتغير منذ أن كان الهاتف الثابت آخر صيحة في التكنولوجيا.

 
 النقابات لا تتنافس على من يقدم رؤية أفضل للعمال، بل على من يجلب أكبر عدد من الحشود ليثبت أنه "الأقوى".
و في نهاية اليوم، يصدر بيان "ناري" يشيد بـ"الانضباط النضالي" ويتوعد الحكومة بـ"تصعيد لاحق"... لن يأتي أبدا.
المشكلة أن هذه النقابات، الممزقة بين ولاءات سياسية وصراعات داخلية، لم تعد تمثل العمال بقدر ما تمثل نفسها. العامل الحقيقي -عامل البناء و الفلاح الذان يعملان 12 ساعة بلا تأمين وبلا تغطية صحية ، أو بائع الخضار الذي يكافح لدفع الكراء- لا يجد نفسه في هذه المظاهرات. بالنسبة له، فاتح ماي ليس يوم نضال، بل يوم عطلة يستغله لإصلاح دراجته أو النوم لساعات إضافية.

 
عطلة للاحتفال بالعمل بالتوقف عنه 
وكأن المفارقة لم تكتمل، فإن فاتح ماي في المغرب هو يوم عطلة رسمية. نعم، نحتفل بالعمل عبر التوقف عنه، إنه كمن يحتفل بالصحة بأكل كعكة كاملة الدسم و مليئة بالسكريات و المواد الحافظة، أو بالحرية بالجلوس في غرفة مغلقة. العامل الذي يكدح طوال العام لا يحتاج إلى يوم ليهتف فيه، بل إلى قوانين تحميه، أجور تكفيه، ونقابات تفهم همومه وتقف الى جانبه وليس الى حانب الحكومة! لكن بدلا من ذلك، يحصل على قبعة حمراء وبضع ساعات من الشعارات الصاخبة.

 
 لماذا نخلد فاتح ماي إذن؟
تخليد فاتح ماي في المغرب أصبح طقسا فارغا، مسرحية بإخراج حكومي وتمثيل نقابي رديء. لا أحد يتوقع من هذه المظاهرات أن تهز كرسي وزير أو تغير بندا في قانون العمل. إنها مجرد مناسبة للجميع -الحكومة، النقابات، وحتى بعض العمال- ليظهروا أنهم "يفعلون شيئا"، بينما الوضع يبقى على حاله: الأجور متدنية، البطالة ترتفع، والعمال غير النظاميين يعيشون في الظل والهامش.

 
الحل؟ ربما يكمن في أن تعلن النقابات، بجرأة غير معهودة، أنها لن تخلد فاتح ماي هذا العام. ليس لأنها لا تؤمن بحقوق العمال، بل لأنها ترفض المشاركة في مسرحية لا تخدم إلا من يضحكون خلف الكواليس. فلتتحول الجهود من استئجار الحافلات والمكبرات و إضرابات حقيقية، إلى حملات ضغط مستمرة، أو حتى إعادة بناء نقابات تمثل العمال لا الأحزاب و الحكومات.
 
إلى ذلك الحين، سيبقى فاتح ماي في المغرب كما هو: يوم يحتفل فيه الجميع بلا شيء، ويغني العمال أناشيد النضال بينما القوانين تمرر في صمت خلف الستار كما قانون الاضراب.
 وكل فاتح ماي وأنتم في نفس المكان لمشاهدة نفس المسرحية.
 
محمد بنصديق،  نقابي فاعل حقوقي.