الأربعاء 2 إبريل 2025
سياسة

محمد دخاي يفكك تداولية البلاغات الملكية ودلالاتها التواصلية والخطابية

محمد دخاي يفكك تداولية البلاغات الملكية ودلالاتها التواصلية والخطابية محمد دخاي
قال محمد دخاي عن مختبر العلوم الإنسانية التطبيقية، المدرسة العليا للأساتذة، بفاس، أن بلاغات الديوان الملكي تسعى إلى تقليص المسافة بين الملك والشعب، من خلال مراعاة السياقات الزمانية والمكانية واللغوية، مثل بلاغات الأعياد والمناسبات الدينية. جاء ذلك ضمن تصريح خص به دخاي، جريدة "أنفاس بريس"، فيما يلي التصريح الكامل: 

شكّلت البلاغات الملكية الصادرة عن المؤسسة الملكية، ارتباطاً بأدوارها الدينية والتحكيمية والاستراتيجية، أنموذجاً لتحديد أبعادها التواصلية والخطابية، انطلاقا من المحتوى القضوي الذي تحمله، وذلك للقطع مع أي التباس دلالي أو إعلامي، بحكم وظيفتها التوجيهية من جهة، ومن جهة أخرى بحكم وظيفتها التلقينية والإخبارية؛ لبيان أهمية الاستلزام التخاطبي الذي يحكم تلك البلاغات. 

 فالبلاغ هنا ليس خطاباً احتماليّاً، لأنه يجعل من سياق الموقف المرتبط بالحقيقة مرجعاً في مراعاة مبدأ التعاون، ومبدأ التأدب، ومبدأ التصديق، ومبدأ التعاقد ما بين المرسل (المؤسسة الملكية) والمتلقي (المواطن)، بغية تحقيق ما يسميه طه عبد الرحمن "الغاية التي من أجلها دخلا في الكلام". 

بلاغات يصبح فيها هدف الإيتوس الخطابي (ethos)، هو إخبار المواطن المغربي بوضعية صحة أمير المؤمنين (أب المغاربة في الوعي الجمعي)، حتى يطمئن عليه الجميع، وحتى لا تبقى الآراء والمعطيات مجردة أو مفترضة عند المتلقي، يسهل التلاعب بها في إطار (الفايك نيوز) عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو من طرف الإعلام المضلل. 
 
بلاغات تسعى إلى تقريب المسافة ما بين الملك وشعبه، مراعاة للسياق، كما نجد في بلاغ وزارة القصور، سواء ذلك الخاص بعيد الأضحى أو البلاغ الأخير الخاص بإحياء أمير المؤمنين ليلة القدر المباركة بالقصر الملكي العامر بالرباط؛ وذلك حتى تضع المتلقي الضمني (المواطن المغربي)، والمتلقي المفترض (في أي بلد من دول العالم)، أمام حقيقة الإكراهات والصعوبات المرتبطة ببعض الحركات والوضعيات المترتبة عن العملية الجراحية التي أُجريت لجلالة الملك محمد السادس على مستوى الكتف الأيسر التي جعلته يؤدي صلاة العشاء والتراويح جلوسا. 
 
إن لكل خطاب نَسَقَه اللساني، وأساليبه، وعناصره الخطابية الخاصة؛ بحيث تتباين هذه الأساليب في الخطابات اللغوية، وهو ما يحدد بالدرجة الأولى رغبة هذه البلاغات، كسردية تعتمد الوقائع من أجل التأسيس للحقيقة، وفي الوصول إلى بناء كفاية تواصلية وخطابية ذات قصدية، ومن خلال عناصر تتضافر مع بعضها لتحقيق الخطاب التواصلي المبني على الثقة  هنا ما ببين الملك وشعبه، واحترامه له، وترسيخ مبدأ البيعة، لأنها بمثابة عقد بين الشعب وأمير المؤمنين، لتأكيد الوحدة والانسجام والتناسق بين الملك والشعب المغربي بمختلف طوائفه وفئاته. 

فالملك له مشروعية متعددة، وهي التي يحددها الباحث محمد البردوزي في عشرة أنواع: المشروعية التاريخية، المشروعية الروحية، المشروعية الشريفة، المشروعية السوسيولوجية، المشروعية التعاقدية، المشروعية الوطنية، المشروعية الدستورية، المشروعية التنموية، المشروعية الكاريزماتية. 

فخطاب البلاغ له شكل نسقي وسياقي؛ يشمل مجموع الرسائل والسنن التي يبثها المرسل إلى المرسل إليه، على أساس أن تكون ملائمة للسياق الذي نُسجت فيه ومن أجله. فأي خطاب لا يمكن إدراكه بوصفه حدثاً تواصلياً دون إدراك الظروف الزمكانية في السياق التواصلي الذي ترد فيه، مثلاً هنا: (ليلة القدر / الزمن – القصر الملكي / المكان)، وكذلك البنيات الدلالية، حيث يعزز البلاغ ذلك بإشارات موازية وتناصية وحجاجية عبر نص قرآني: " (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم" (الآية 191، سورة آل عمران. 

ان أي قراءة لهذه البلاغات تستدعي عدم التمييز في بلاغات المؤسسة الملكية بين مقصدين، لأن في كل فعل كلامي، مقصد يكون إخبارياً، ومقصد آخر يكون تواصلياً؛ فالفعل الكلامي هو فعل إنجازي، سواء كان منطوقاً أو مكتوباً. وهو ما يجعل الخطاب فيها يحيل على مجموعة من التعابير الخاصة التي تتحدد بوظائفها الاجتماعية ومشروعها الفكري، المبني على رمزية وقيمة إمارة المؤمنين في النسق الديني المغربي، وذلك بغية تحقيق ما يسميه محمد مفتاح "الوظيفة التفاعلية"، لأنها بلاغات تقوم أيضا على إيتوس حجاجي يراهن على المتلقي أولاً وأخيراً لإنجاز التفاعل الإيجابي مع المحتوى القضوي للبلاغ. 
 
لقد نجحت البلاغات الملكية في توليد رؤية جديدة، رؤية تفاعلية، ارتباطاً بسياقات ووقائع معينة، وبقرائن دالة وحقيقية، لأنها لا تُبرر ولا تُوضح؛ وهنا تكمن قوتها التخاطبية والبلاغية. فهي آلية من آليات مواكبة التحولات التواصلية، ارتباطاً بحركية المجتمع، لتصبح جزءاً من مظاهر الوعي بأهمية التواصل من جهة، ومن جهة أخرى فهي تحمل رؤية تملك سيرورتها انطلاقاً من قدرتها على القول (Pouvoir-dire).. 
 
فالبـلاغات الملكية نصوص تؤسس لحضورها في وعي المتلقي لأهمية التواصل السياسي في زمننا الحاضر. فهي خطاب إقناعي في منطلقاته الفكرية واللغوية والبلاغية، بحكم أنها سلطة. ومنذ القدم، ارتبط الخطاب بالسياسة، كما ارتبطت السلطة بالخطاب، لأن من غاياتها جعل المتلقي يقبل بصدقية خطابها القضوي، لأنها لا تخضع للتأويل بحكم مباشريتها. وذلك من خلال الإمكانات اللسانية لما تتضمنه من قدرات تداولية، وتواصلية، وبلاغية، بغية الإخبار، وبنية أساسية في الرقي السياسي والموجهة حسب سياقاتها. فالبلاغ بنية حجاجية تتوسل بطرق استدلالية ومعطيات مبرهنة، للتأثير في المتلقي، إما بإخباره بحقيقة ما، أو بحمله على تغيير معتقداته وسلوكياته تجاه قضية وطنية كيف ما كانت. 
نخلص الى ان البلاغات الملكية بوصفها أداة تواصلية استراتيجية تنبع من أدوار المؤسسة الملكية في المغرب، سواء الدينية أو التحكيمية أو الرمزية. فهي لا تكتفي بالإخبار، بل تؤسس لنموذج تواصلي متكامل يحترم مبادئ التخاطب، كالصدق والتأدب والتعاون، بهدف تحقيق الثقة بين الملك والمواطن. 

 
ان للبلاغات الملكية وظيفة إخبارية وتواصلية مزدوجة، تجعل من كل بلاغ فعلاً إنجازيًا ذا بعد حجاجي وتفاعلي، يعتمد على الإيتوس الخطابي لبناء صورة إيجابية للملك كأب للأمة. كما تسعى هذه البلاغات إلى تقليص المسافة بين الملك والشعب، من خلال مراعاة السياقات الزمكانية واللغوية، مثل بلاغات الأعياد والمناسبات الدينية. كما أن هذه البلاغات تبنى على أسس بلاغية ولسانية متينة، تتجاوز الإخبار إلى التأثير والإقناع، مستندة إلى رمزية إمارة المؤمنين وقيمتها عند المغاربة، ومستثمرة أدوات الاستدلال والحجاج، في سبيل ترسيخ قيم الوحدة، والبيعة، والانتماء الوطني.