في عمق الجنوب الشرقي للمغرب، حيث تتلاقى الشمس الحارقة مع كثبان الذهب المتراقصة، تنهض الريصاني كأنها أسطورة خرجت من عباءة التاريخ، شاهدة على مجد لا يندثر، وحكايات محفورة في ذاكرة الزمن. هنا، بين أروقة الماضي، نشأت سجلماسة، درة الصحراء وقلب التجارة النابض، حيث كانت القوافل تعبر، والعلوم تتجذر، والأسواق تفيض بالخيرات القادمة من قلب إفريقيا. لكن، أليس من العار أن يُطوى هذا المجد تحت غبار النسيان؟ أن تتحول هذه الأرض، التي أنجبت السلاطين وأضاءت دروب العلماء، إلى أطلال تستصرخ الضمير؟
كيف لمدينة حملت بين جدرانها سرّ نشأة الدولة العلوية، وشهدت سطوع نجم المولى إسماعيل، أن تُترك تتلاشى وكأنها لم تكن يوماً نبض المغرب التجاري والثقافي؟ قصر تابوعصامت، قصر تانجيوت، قصر المأمون، وزاوية تابوبكرت، كلها شواهد باهتة تقف على حافة النسيان، تئن تحت وطأة الإهمال. هل يُعقل أن تصبح هذه القصور، التي كانت مراكز ازدهار وصناعة وضرب العملة، مجرد بقايا صامتة تتآكل تحت زحف الرمال؟
كما تتشبث القدس بتاريخها، تتشبث الريصاني بمجدها، تنادي من تحت الركام، من بين أروقة الزوايا العتيقة، من قلب الأسواق التي كانت يوماً ملتقى القوافل والتجار. هل نسمح لسجلماسة أن تُمحى من ذاكرة الوطن؟ أن نترك إرث الشرفاء العلويين يُسلب كما تُسلب أرواح المدن العظيمة حين يهملها أهلها؟
إنقاذ الريصاني ليس ترفاً، بل واجب وطني، هو انتصار للهوية قبل أن يكون استثماراً في السياحة والثقافة. كيف لمدينة تمتلك أحد أعرق الأسواق في المغرب، سوق الريصاني، أن تُترك للاندثار؟ كيف نرضى أن تصبح هذه الكنوز مجرد حكايات تُروى دون أثر يُرى؟
نريد لهذه المدينة أن تستعيد روحها دون أن تفقد جوهرها، أن تنهض دون أن تفقد أصالتها. أن تتحول قصورها إلى مراكز ثقافية، وأسواقها إلى نبض اقتصادي يعيد الحياة إلى أهلها. نطالب بترميم هذه المآثر، بإدراجها ضمن قائمة التراث العالمي، بإعادة الاعتبار إلى أرض حملت أمجاد المغرب على أكتافها.
إنها صرخة من قلب التاريخ، من قلب الرمال التي لا تموت… فهل من مجيب؟