من المؤسف جدّا أن الجزائر التي تدّعي أنها استقبلت لاجئين صحراويين فارّين من الحرب. أوّل ما بدأت به الجزائر هي بناء السّجون. وحفر المقابر للأبرياء، قبل بناء مخيمات تدعي أنّها استقبلت فيهم لاجئين فارين من الحرب أو شيء من هذا القبيل.
هناك سجون مثل سجن “الرويضة” و“كويرت بويلا“، والسّجن السيء السمعة المعروف بسجن “الرشيد“ على بعد حوالي 18 كيلو متر. جنوب شرق مخيم السّمارة في منطقة نائية جدّا، وهي منطقة محرمة على المدنيين أن يقتربوا منها.
وبالتالي، فالجزائر ساهمت إلى جانب البوليساريو في إخفاء جريمة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي راح ضحيتها ليس فقط صحراويين بل حتى موريتانيين، فهناك 187 موريتانيا بين مفقود وقتيل ومسجون أطلق سراحه أواسط ثمانينيات القرن الماضي.
ولهذا فالجزائر تتحمل المسؤولية كاملة لكون كل ذلك ارتكب على أرض تقع تحت الولاية القضائية الجزائرية. فالجزائر فوتت أرضا لإقامة تنظيم وقيام دولة على هذه الأرض في خرق سافر للمادة الخامسة عشر من الدستور الجزائري التي تقول بالحرف الواحد: لا يجوز البتة التّنازل أو التخلي عن أيّ جزء من التّراب الجزائري”، بينما الجزائر سمحت لأن يكون ترابها مجالا لتعذيب الناس وتقتيلهم وتقطيعهم، منهم ضحايا مغاربة وموريتانيين وحتى أجانب فيهم أمريكيين وإسبان.
أكيد أن الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبت في جنوب غرب الجزائر يجب أن تثار في أيّ وقت، لأنّها لم تعطى حقّها من النّقاش ومن التّرافع، لا على المستوى الإعلامي، ولا على المستوى القانوني، ولا حتى على مستوى القانون الدولي. فيجب تقديم الجناة إلى محاكم جرائم حرب، لأنه يمكن تصنيف ما قامت به الجزائر، أجهزة الامن الجزائري والبوليساريو، يمكن تصنيفه على أنّه جريمة حرب، فالاعتداء على المدنيين الأبرياء يعتبر جريمة حرب، وحتّى قتل الأبرياء بدم بارد يعتبر جريمة حرب. وبالتّالي فإن الدّلائل والقرائن عندنا موجودة. فالضّحايا موجودون والجلاّدون منهم ما يزالون باقين على قيد الحياة، وحتّى أماكن الجرم، ومنها سجن الرشيد ما يزال موجودا، ويمكن للضحايا أن يدلوا على مكانه بمساعدة منظمات دولية. وأنا شخصيا أعرف أِشخاص مستعدون ليتجهوا صوب هذا السجن بأعين مغمضة ليدلوا على مكانه، وهم يعرفون حجرة حجرة وطوبة طوبة، لأنهم هم من بنوه، لأن السجين هو من كان يبني سجنه، والزنزانة عبارة عن حفرة وقبر، طولها ما بين 150 و 160 سنتيمترا والارتفاع لا يتعدى 45 سنتيمترا، لا يمكنك أن تتمدد فيها ولا أن تقف فيها، ويمنحك إناء لقضاء الحاجة، وأحيانا نفس الإناء هو الذي يقدم لك فيه الطعام، لعنة الله عليهم.
ما يجب القيام به تجاه تورّط الجزائر في انتهاكات حقوقية
القضية لم تمنح حقّها في مجالس حقوق الإنسان. نحن اليوم في الدورة الـ 58 فلم نشاهد ولم نر ضحايا حضروا إلاّ القليل منهم، ممّن يواكبون أشغال هذا المجلس الحقوقي الأممي. ينبغي مساعدة الضّحايا من قبل الهيئات والمنظّمات من أجل الإدلاء بشهاداتهم، وهم موجودون بالعشرات، شهادات مصورة صوتا وصورة أمام المجتمع الدولي عبر تقديم ما تعرّضوا له من انتهاكات جسيمة بتحميل المسؤولية للنّظام الجزائري الذي يقع على عاتقه فتح تحقيق جديد وجدّي في هذا الجرم، وتعويض الضّحايا وجبر الضّرر معنويا وماديا، مثلما قامت به الدولة المغربية في جرأتها بجبر الضّرر لسنوات في إطار هيئة الإنصاف والمصالحة، وتم تعويض ضحايا تازمامارت وأكدز وغيرها.
فالمنظّمات الدولية لا يسمح لها بزيارة مخيمات تندوف، والبوليساريو تمنع زيارة تلك المخيمات الواقعة على التراب الجزائري، والجزائر وقّع معها 11 مقرّرا فقط، بينما المغرب وقع مع 19 مقررا من مقرّري للأمم المتحدة. منهم المقرر للخاص بحقوق الإنسان وبالتالي يجب الضّغط على الجزائر أولا وبعد ذلك على البوليساريو من أجل السّماح لمنظمات دولية بزيارة تلك السّجون. فالمغرب فتح سجونه زمن المصالحة، فلماذا الجزائر والبوليساريو لا تخطو نفس الخطوة وتتصالح مع ماضيها، على الرغم من أنها قامت بمصالحة محتشمة في أكتوبر 2022، عندما اعترفوا لأوّل مرّة بأنهم أخطأوا في حق الضحايا وهذا اعتراف يمكن أن يأخذ منه الضحايا نقطة انطلاق للمطالبة بتحميل مسؤولية لقادة البوليساريو، منهم مثلا إبراهيم غالي الذي يتردد ذكر اسمه غير مرة على لسان عدد من الضحايا، والبشير مصطفى السيد، أحد المسؤولين الأمنيين السابقين ، ومحمد سالم السنوسي الملقب بـ “سالازار“ مدير سجن الرشيد سابقا، والذي ما يزال قيد الحياة، وهو متواجد في تندوف، وغيره من الجلادين أمثال: عبد الرحمن ميتشل، وبويشة لحول وغيرهم من عدة أسماء ما يزالون على قيد الحياة ، وما زالوا في مناصب قيادية من قبيل: البشير مصطفى السّيد في منصب قيادي حاليا، وهو مستشار الرئاسة في البوليساريو، اسمه يتردد ويذكر على لسان الأسرى المغاربة، وحتى الموريتانيين يرددون اسمه.
كسر الصّمت واجب وشهادات الضحايا وجب تدويلها
يجب كسر هذا الصمت، وعقد ندوات جهوية وإقليمية، وكذا دولية يحضر فيها الضحايا ويدلون بشهاداتهم. شهادات مترجمة باللغات الست المعمول بها في الأمم المتحدة، وكشف حقيقة ما جرى من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
فلا ينبغي أن نسكت عما حصل ويحصل، سكوتنا يمكن أن يكون تواطؤا ضدّ الضحايا، فالضّحايا مستعدون لمواجهة الجلادين والكشف عما جرى. ينبغي التّحسيس بما جرى، وهو ما تقوم به مؤسستكم الإعلامية، فهناك العشرات من الضحايا ما يزالون أحياء، والمطالبة بمحاكمة المسؤولين عما حصل، باعتبارهم متورطين في جرائم حرب في جنوب الجزائر، وهي جريمة مكتملة الأركان، الضحايا موجودون، والجناة أحياء، ومكان الجرائم ووسائلها موجودون إلى اليوم.
السّالك رحّال، باحث في قضية الصّحراء