شبكة الآليات الوطنية الإفريقية للوقاية من التعذيب هي إطار مؤسساتي إقليمي يجمع بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان التي تحتضن آليات الوقاية من التعذيب في القارة الإفريقية. تهدف هذه الشبكة إلى تعزيز جهود الوقاية من التعذيب، حماية الكرامة الإنسانية، وتنسيق أنشطة الآليات الوطنية على المستوى القاري.
تم الإعلان عن تأسيس الشبكة خلال المؤتمر الدولي حول "ممارسات الآليات الوطنية الإفريقية للوقاية من التعذيب: التحديات والفرص الناشئة"، الذي انعقد في مراكش في يونيو 2023. خلال هذا المؤتمر، تم اعتماد "إعلان مراكش" الذي دعا إلى إنشاء الشبكة لتعزيز التعاون وتبادل الخبرات بين الدول الإفريقية في مجال الوقاية من التعذيب.
وقد تم اختيار الرباط، عاصمة المملكة المغربية، لاحتضان مقر الأمانة الدائمة للشبكة. كما تم إسناد رئاسة الشبكة في ولايتها الأولى (لمدة سنتين) إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب، ونائب الرئيس للجنة حقوق الإنسان في جنوب إفريقيا.
صلاحيات الشبكة
تتمتع شبكة الآليات الوطنية الإفريقية للوقاية من التعذيب بصلاحيات متنوعة تهدف إلى تعزيز الوقاية من التعذيب على مستوى القارة الإفريقية. تشمل هذه الصلاحيات تنسيق الجهود الإقليمية بين الآليات الوطنية لتعزيز التعاون وتبادل الخبرات، ودعم بناء القدرات من خلال تنظيم ورش عمل وبرامج تدريبية لتحسين مهارات العاملين في هذا المجال. كما تعمل الشبكة على تعزيز التعاون الدولي والإقليمي مع الهيئات ذات الصلة، مثل اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب واللجنة الفرعية لمنع التعذيب، لتوفير الدعم اللازم للدول الأعضاء.
بالإضافة إلى ذلك، تسعى الشبكة للدفاع عن حقوق الإنسان عبر تقديم الدعم الفني والتقني لتحسين آليات الوقاية الوطنية، وتعزيز التوعية بآثار التعذيب وسبل الوقاية منه، مع بناء شراكات مع منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية. وتضطلع الشبكة بإعداد الدراسات والبحوث التحليلية حول وضعية الوقاية من التعذيب في إفريقيا، لتقديم توصيات عملية تستند إلى البيانات. كما تقدم الدعم للآليات الوطنية حديثة الإنشاء لمساعدتها على تطوير وتعزيز دورها في الوقاية من التعذيب.
المقارنة مع اللجنة الأوروبية للوقاية من التعذيب (CPT)
عند مقارنة الشبكة بنظام الوقاية من التعذيب في مجلس أوروبا، وخاصة اللجنة الأوروبية للوقاية من التعذيب (CPT) ، نجد أن اللجنة الأوروبية تتمتع بإطار قانوني أقوى وصلاحيات شاملة مثل إجراء زيارات دورية وغير معلنة لجميع أماكن الاحتجاز، فضلاً عن استقلالية مالية وإدارية. في المقابل، تركز الشبكة الإفريقية على التنسيق والدعم دون امتلاك صلاحيات تنفيذية مباشرة.
التحديات التي تواجه الشبكة الإفريقية والآفاق المستقبلية:
تواجه شبكة الآليات الوطنية الإفريقية للوقاية من التعذيب عدة تحديات تعيق تحقيق أهدافها بفعالية. يتمثل أحد أبرز هذه التحديات في التفاوت الكبير بين الآليات الوطنية، حيث أن العديد من الدول الإفريقية لم تقم بعد بإنشاء آليات وطنية مستقلة أو فعالة للوقاية من التعذيب. بالإضافة إلى ذلك، تعاني الشبكة من محدودية التزام القانوني، إذ ليست جميع الدول الإفريقية أطرافًا في البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، كما تواجه الآليات الوطنية تحديات كبيرة في الموارد والبنية التحتية، حيث تعاني العديد منها من نقص الموارد المالية والبشرية، مما يؤثر على قدرتها على تنفيذ مهامها بكفاءة.
على الرغم من أن الشبكة الإفريقية تسير في الاتجاه الصحيح من حيث التنسيق وبناء القدرات، إلا أنها لا ترقى حتى الآن لمستوى نظام الوقاية من التعذيب في مجلس أوروبا (CPT) من حيث القوة القانونية و الصلاحيات التنفيذية والاستقلالية و التغطية الفعلية.
ولآن الشبكة ليست جهة تنفيذية ولا تملك تفويضًا قانونيًا لزيارة أماكن الاحتجاز في الدول الإفريقية. و دورها يظل استشاريًا وداعمًا، حيث تعتمد على الآليات الوطنية في كل دولة للقيام بالزيارات. فإن الآمال تظل معقودة على إرادة الدول الإفريقية ومنظمة الاتحاد الإفريقي في تطوير الشبكة لتصبح جزءًا من إطار قانوني أكثر إلزامية على المستوى الإفريقي، وتحصل على صلاحيات موسعة ودعم الآليات الوطنية للوقاية من التعذيب تفعيلا لمقتضيات البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛
إلا أنه، مع مرور الوقت، وبتحسين التزام الإقليمي والدولي، يمكن أن تقترب الشبكة الإفريقية من هذا المستوى خصوصا وأنها وفي زمن محدود تمكنت من عقد عدة لقاءات وشرعت من خلال عملية التنسيق والدعم الفني وتطوير قدرات الآليات الوطنية للوقاية من التعذيب في الدول الإفريقية لتقوم بدورها في زيارة أماكن الحرمان من الحرية وفقًا لمقتضيات البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب (OPCAT) .، كما تسعى الشبكة إلى تعزيز تبادل الخبرات والممارسات الفضلى بين الآليات الوطنية التي لها الصلاحية للقيام بزيارات وتقديم إرشادات وتوصيات مبنية على دراسات وممارسات دولية لضمان تحسين فعالية الآليات الوطنية.
فرغم التحديات، فإن الشبكة حققت تقدمًا مهمًا في تعزيز التعاون الإقليمي وتطوير قدرات الآليات الوطنية. ومع التزام الدولي والإقليمي المتزايد، يمكن تطوير الشبكة لتصبح أكثر إلزامية وتحصل على صلاحيات موسعة تشمل دعم الآليات الوطنية للقيام بدورها بشكل أكثر فاعلية، وتطوير نظام رصد مستقل يشمل زيارات مباشرة لأماكن الحرمان من الحرية.
تعتمد فعالية الشبكة على إرادة الدول الإفريقية ومنظمة الاتحاد الإفريقي لتطوير إطار قانوني أكثر قوة ودعم مالي وتقني مستدام. هذا التطوير سيُمكّن الشبكة من تحقيق أهدافها بشكل أفضل، خاصة في مجالات الوقاية من التعذيب وتعزيز حقوق الإنسان.
محمد السباعي / دكتور في العلوم القانونية والسياسية