السبت 28 سبتمبر 2024
كتاب الرأي

خالد أخازي: حكيم زياش وحملة الترياش...

خالد أخازي: حكيم زياش وحملة الترياش... خالد أخازي
نعم...حكيم زياش يجيد التمريرات الكروية الحاسمة...
يجيد حتى ضربات الجزاء...
وحتما... سيضيع ضربة جزاء يوما ما...
لكنه لن يضيع الوطن...
عشقا في فناجين عرافات الغجر ونبيذ أقبية الغفر..
وسيظل زياش الساحر، مدلل المغاربة... الذي لن يبع روحه كي يحصل على رضا الشيطان فيغنم وينعم...
ويسكر...ويهتر...
ويرقص في ملاهي العهر.. .
ويختبئ من أجل نزوات من عرق ملح...
زياش يجيد التسديد نحو معترم الكرة...
قلما يفشل في التسديد نحو الشباك بيسراه الساحرة...
لكن... ما إن أراد التسديد  خارج ميادين الكرة... حتى خانه التعبير، والتبست عليه تفاصيل القضية...
هل نعدم الساحر... أم نسكت مداح قتلة الأطفال....؟
سدد مع الأسف تعابير في منافسة  لا يعرف جيدا من الحكم فيها، ومن الخصم...
سدد حيث الجماهير مغيبة، والمعلق... يعلق عن هجرة الطيور بدل تمدد القبور..
   قد تبدو تسديدته اللغوية  ذات حمولة سياسية..
لا... إنها.. مجرد تعبير يتناغم ومزاج حاد يعميه الغضب عن التفاصيل...
الدفق الوجداني الساخن الغاضب من مجزرة غزة وجنوب لبنان...
قد يفتح شهية القول غير المتزن..
سدد زياش كرة لغوية، ولم يؤطر رميته  جيدا...
لأنه زياش الذي نعرفه...
عسري... في كل شيء..
لأنه ككثير من الرياضيين...
حين يغلبهم الانفعال مما يقع من مآسي في العالم قد تختلط عليهم التعابير، ولا يعرفون الخصم الحقيقي.... ولا مجمل المشهد السياسي...
نعم... أيها  الساحر...
رميت كرة ساخنة...
ففجرت الأحقاد...
وأخرجت كتيبة الإعدام المعنوي...
البنادق جاهزة...
طلقات في القلب...
ومسح لكل التاريخ الرياضي.. 
طلقات باسم الولاء مرة أخرى...
خرج الرياشة من جديد بلغة غريبة... وفرجة مفضوحة...
ليعدموك علنا...
لأنه يزعمون أنهم أكثر وطنية منك...
ومصلحة الوطن في أن تجنح إليهم أو تصمت...
أن تكون صدى لشبقهم السياسي أو تعتزل..
نسوا أن  الساحر الذي نشأ في ظروف صعبة وقاسية،  وعاش طفولة مؤلمة... لم يولد  وفي فمه ملعقة من ذهب، ولا شقة تطل على البحر، ولا طائرات تجوب العالم...
كان مجرد يتيم... يلهو في زقاق مفتوح على الجريمة   
 نسوا  أنه بقدرة قادر أنتشلته يد الرحمة من عالم الإجرام  والإدمان على المخدرات... نحو عالم النجومية...د
نسوا اليتيم الذي كاد أن يلج عالم الضياع بعد رحيل والده...
يا زياش...
أيها الساحر البهي...
سدد هذه المرة...وأخطأ المرمى...
فالمواقف لا يعبر عنها دون تعقل ولا رزانة...
وأنت نجم... والنجوم قدوات قد تصير مواقفهم رصاصات في بنادق الخصوم...
لكن.... لنا وقفة معك...
ومع من قرروا أن يمحوك من سجل الوطنية... لفلتة لسان... لا غير..
نسوا أنك أتيت من أوساط هشة... قاسية... وكنت تتابع  يوميا امرأة هي أمك وهي تكافح من أجل أسرة تكاد تتفكك...
نسوا أنك لعبت في منتخب هولندا تحت 19 عاما، وتحت 20 عاما، وتحت 21 عاما، و للمنتخب الهولندي الأول عام 2015 في مباراة ودية ضد الولايات المتحدة الأميركية.
وفي السنة نفسها قررت  اختيار تمثيل المغرب دوليا...
كنت المطلوب بأي ثمن...
الكل يطلب سحرك...
فصغطوا حتى أنهكوك... حاصروك... بالشتيمة والعنصرية...
وفي النهاية قلت "أريد المغرب"...
قلت "دمي ليس برتقاليا كي ألعب لهولندا، دمي أحمر مثل علم المغرب"...
هل ننسى هذا التصريح...؟
هل الوطنيون جدا يريدون رأسه ليقدم  قربانا لآلهة القهر والإبادة والقتل والدمار...؟
هل نسوا  أن الساحر الذي دمه أحمر بلون دم المغرب، عانى الويلات من هذا الاختيار...؟
 واجه رياح  العنصرية والرشق  في الملاعب...
نعته على الملأ "ماركو فان باستن" .. بالساذج...
 ووصفه المدرب الهولندي  بـ"الغبي"...  لأنه اختار المغرب بدل هولاندا...
هل نسي من يزايدون على المغاربة بولاء مزيف... لا بوصلة  له غير الغنيمة أن الساحر "سلخته" الصحافة الهولندية  ولم يرحمه المسؤولون الهولنديون...
فهل... أنت وطني أكثر منه...؟
  رد كل الإغراءات والصغوطات بأجمل التصريحات...
لاتذكر ما قال:
" لا يوجد شيء يجعلني أغير رأيي باللعب للمنتخب المغربي، لن أغير المغرب بهولندا.. لم أختر المنتخب المغربي لتأخر هولندا في استدعائي، بل اخترته لأن قلبي أملى عليّ ذلك".
قلب الساحر هذا... لا قلب فرسان الطواحين الهوائية...
قلب من يسكنه الوطن... لا المؤلفة قلوبهم بالنعم  والترف... 
قلب... زياش... لا قلب  الرياش...
والرياش هو كائن شبه مثقف... يقوم بخدمة الترياش موهما أن الديك صاح باسم الأوباش...
 اختار زياش المغرب حيث دفن أبوه وحيث تعيش أسرته، كما قال..
أنسيتم قوله الجميل...
" الآن أحس أنني داخل بيتي والدم يسري في عروقي بألوان الوطن". 
نعم... الكروي الساحر يجيد حب الوطن بلا زواق.. ولا ترياش... لأنه زياش 
يحبه كما هو... والوطن يحبه... ويتفهم أن أبناءه قد يخطئون في حقه غير متعمدين، لهذا يغفر لهم، لأن عقوق الوطن قد يكون يأتي في قناع البر...
قد فشل زياش حتما في تسديته اللغوية...
قد خانه التعبير... واللغة... وحتى الفهم...
فالمغرب... مع فلسطين...
المغرب لا يدعم الإبادة الجماعية...
حتى في خطابه الرسمي كان قاسيا على إسرائيل...
وحملها مسؤولية ما وقع يوم السابع من أكتوبر...
وأدان بشدة وغضب قتل الأبرياء...
لا يهم هل قصد زياش الحكومة ولا الدولة...
فحتى الحكومة لا تدعم الإبادة...
هذا كلام  لا يستقيم ومواقف المغرب...
لهذا   أخطأ التسديد هذه المرة لأنه لعب في ملعب المكائد...
حيث إن تجتنب الألغام... أحرقتك حيا في حقول الأوهام...
الدفق الوجداني ومزاج زياش الحاد كلفاه  كثيرا...
للرياضي النجم أن يعبر عن موقف إنساني...
لكنه في حاجة إلى بوصلة وتأطير عن قرب...
أخطأ زياش التسديد نحو مربع الإدانة، لكنه... فطن في لحظة صحو ذهني لخذلان اللغة...
وسحب التدوينة...
انتهت القضية...
لكنهم يريدون رأس الرجل...
ثمنا لغرف خفية...
فلا تزايدوا على زياش...
فدمه أحمر...
وكم أشعل شموع الفرحة في قلوب المغاربة...
فلا تشعلوا شموع الشمعدان، لتغطوا على شمعة زياش... 
فهو ساحر بالقدم... وليس طبال العدم...
فهو صانع للفرحة، وليس خادم  القفة...
صوبوا فقط تسديدته نحو مرمى القضية...
فقد أحب الوطن واختاره  بلا هدية ولا غنيمة ولا جاه إلا جاه الله ورضا ميمتو
فحتى الكبار يخطئون.. 
لكنهم... يظلون كبارا....
وزياش... ماشي رياش...
لهذا ...سيظل مدلل الشعب...
لا مدلل الأجزمة الغليظة في فجر الأزمنة القاسية...
سيظل مدلل الشعب... فهو مشاغب  لكنه... على الأقل يعرق...
في القمة حكماء... يعلمون أن الساحر... مزاجي... يخطئ التسديد اللغوي...
تخونه اللغة... 
فهو صموت غضوب...
لهذا... الوطن أكبر بكثير من ضربة جزاء...
أكبر بكثير من ظل الشمعدان...
كنا نحن أولا...
نحن الأقدم...
نُتبع ولا نَتبع...
وهناك على منعطفات جراح الوطن...
قطاع طرق والسيافون بسيوف الكلمة والصورة 
يبيعون الوهم...
يقررون من يجوز قتله معنويا...
فقد باعوا أرواحهم للشيطان...
وغزة  في القلب...
وزياش... مدلل الشعب... مشاغب... 
أخطأ التعبير...
لكنه وطني أكثر من صناع الضغينة... وكتيبة الاغتيال المعنوي..
 
خالد أخازي/روائي وإعلامي مستقل