الجمعة 27 سبتمبر 2024
اقتصاد

العلوي ترد على والي بنك المغرب حول "ارتفاع الكاش".. إلى متى سيتم تجاهل مراقبة الحيتان الكبرى؟

العلوي ترد على والي بنك المغرب حول "ارتفاع الكاش".. إلى متى سيتم تجاهل مراقبة الحيتان الكبرى؟ عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب وعائشة العلوي، خبيرة في الاقتصاد
في كل خرجة إعلامية لوالي بنك المغرب، يثير النقاش حول تزايد استعمال النقد أو الكاش بالمغرب ويتم التركيز فقط على القطاع غير المهيكل، دون تسليط الضوء على قطاعات أخرى كالعقارات والتهرب الضريبي وتبييض الأموال.

وأكد والي بنك المغرب خلال الندوة الصحفية التي أعقبت انعقاد الاجتماع الأخير لمجلس البنك، أن البنك المركزي بصدد إتمام دراسة معمقة وشاملة حول هذا الموضوع، ونفى والي بنك المغرب أن يكون للقطاع غير المهيكل دورا أساسيا في ارتفاع معدل استعمال النقد في المغرب، والذي بات "يعتبر من أعلى المعدلات عالميا”.
 
في هذا السياق، سلط الضوء على مشكلة التداول المفرط للنقد في الاقتصاد المغربي، حيث يشكل النقد 28% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة مرتفعة جدًا مقارنة باقتصادات مماثلة. هذا الوضع يعكس حجم الاقتصاد غير الرسمي، الذي يقدر بنحو 30% من الاقتصاد الوطني.

مقارنة مع مصر التي يناهز حجم قطاعها غير المهيكل 30 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، مقتربا من الرقم المسجل في المغرب (28 %)، استطاعت تخفيض اعتمادها على الكاش إلى 12 بالمائة، وفسر والي بنك المغرب هذا الأمر باتخاذ مصر لعدد من القرارات الإدراية التي مكنتها من تطويق هذه الظاهرة.

وفي ذات السياق، استعرض المتحدث ذاته التجربة الكينية في القضاء تقريبا على تداول الكاش بين مواطنيها، رغم وضعيتها المشابهة للمغرب ومصر، حيث بات معدل استعمال “الكاش” في الدولة الإفريقية لا يتجاوز 2 بالمائة.
 
وفي شرحه لأسباب نجاح كينيا في تخفيض الاعتماد على الكاش، عكس المغرب، أوضح المتحدث أن كينيا قامت بثورة تكنولوجيات بمرورها إلى تقديم خدمة “البنوك الرقمية” (Mobile Banking)، مؤسسات مالية تقدم خدماتها عبر الإنترنت دون الحاجة إلى فروع مادية قائمة، حيث يمكن للعملاء إجراء معاملاتهم المالية وإدارة حساباتهم من خلال تطبيقات هواتفهم الذكية أو المواقع الإلكترونية مباشرة.
 
وأوضحت عائشة العلوي، خبيرة اقتصادية في اتصال مع "أنفاس بريس"، أنه رغم أهمية معالجة الاقتصاد غير المهيكل، يجب أن نركز أيضًا على مشكلة التداولات المالية الضخمة في القطاعات الكبرى، مثل العقارات، السياحة، والفنادق، التي تُعد مصدرًا رئيسيًا للتهرب الضريبي وتبييض الأموال.

وأكدت أنه يجب أن تكون هناك رقابة صارمة على هذه التعاملات الكبرى، بدلًا من ممارسة الضغط على أصحاب المشاريع الصغيرة والتجار الذين يعتمدون على النقد في حياتهم اليومية. إن توجيه الأنظار نحو التعاملات الضخمة سيعزز الرقابة المالية الشاملة ويسهم في تعزيز موارد الدولة دون الإضرار بالاقتصاديات الصغيرة التي لا زالت تمثل مصدرا رئيسيا للعديد من الأسر الفقيرة والمتوسطة.
 
إضافة إلى ذلك،  تتابع الخبيرة العلوي، التحول السريع إلى الرقمنة بهدف تعزيز الشفافية والحد من تداول النقد قد يسبب صعوبات للتجار الصغار والمهنيين الذين قد لا يتمكنون من مواكبة التطورات التكنولوجية. على الرغم من أن رقمنة الاقتصاد ضرورية لضبط العلاقات المالية والاقتصادية، إلا أنها تحتاج إلى أن تكون شاملة ومدعومة بإجراءات تحمي الفئات الهشة من تأثيراتها السلبية.
 
من ناحية أخرى، تضيف محاورتنا، يواجه المغرب تحديات كبيرة جراء الجفاف المستمر والسياسات الزراعية التي أرهقت التربة واستنزفت الموارد المائية. هذه الظروف أثرت بشكل كبير على مداخيل الأسر في المناطق القروية والجبلية والواحات والحضرية، مما يهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي ويُنذر بموجات من الهجرة الداخلية. وفي ظل هذا السياق، قد يؤدي التحول السريع نحو الرقمنة إلى تفاقم أوضاع العديد من الأسر، خاصة التجار الصغار والعاملين في القطاعات التقليدية، والفئات التي تعاني من الأمية الرقمية.
 
وحول الحلول المطروحة اليوم، قالت الخبيرة الاقتصادية، رغم ضرورتها، فهي لا تقدم إجابات كافية للمشاكل الآنية للمغرب، حيث تتطلب توجيه الجهود نحو تتبع التعاملات المالية الكبرى في الاقتصاد بدلًا من الضغط على الفئات الصغرى. هذه الفئات تُعد شريان الحياة للعديد من الأسر والشباب الذين لم يجدوا مكانًا في المؤسسات التعليمية أو التكوينية أو في سوق العمل. لذا، من الضروري العمل على موازنة التحولات الاقتصادية والتعاملات المالية بما يخدم الاقتصاد الوطني ككل دون التضحية بالفئات الأضعف.
 
وخلصت محاورتنا بالقول، أنه إذا كان الهدف من التحول الرقمي هو تسهيل الرقابة وتعزيز الشفافية، فمن الأحرى أن نركز على معالجة جذور المشكلة، مثل محاربة الفساد والتهرب الضريبي في القطاعات الكبرى والاستراتيجية، قبل أن نفرض سياسات قد تُثقل كاهل الاقتصاديات الصغرى التي تشكل جزءًا أساسيًا من النسيج الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.