الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد الله الفرياضي: رسالة إلى وزير السينما.. مهرجان أكَادير وصمة عارٍ جبينكم

عبد الله الفرياضي: رسالة إلى وزير السينما.. مهرجان أكَادير وصمة عارٍ جبينكم عبد الله الفرياضي
معالي وزير السينما الموقر.. 
السيد محمد المهدي بنسعيد 
تحية طيبة وبعد، 
في وقت صار فيه تَوَسُّل فُتات موائد الدعم العمومي طقسًا يكاد يكون مألوفا لدى أغلب الجمعيات في المغرب (مع ما يصاحب هذا الطقس من تسييد لمنطق الولاءات الضيقة، واحتكام إلى قيم المحسوبية) اطلعنا قبل أيام على بلاغ "جريء" لجمعية "المبادرة الثقافية" المنظمة للمهرجان الدولي للسينما والهجرة بمدينة أكَادير..!
ودونما حاجة إلى سؤالنا عن مكمن الجرأة في هذا البلاغ، نجيبكم معالي الوزير الموقر بأنه يتجلى في قرار الجمعية الاستغناء عن الدعم الذي منحه المركز السينمائي المغربي لتنظيم الدورة العشرين من مهرجانها الدولي برسم الدورة الثانية لسنة 2024. 
صحيح أننا نملك معرفة لا بأس بها ببعض الجمعيات التي تملك منسوبا لا يستهان به من الجرأة، لكنها المرة الأولى التي نصادف فيها جمعية تُصَرِّف جرأتها في رفض مبلغ بقيمة 20 مليون سنتيم من المال العام! لا نستطيع الجزم بأنها سابقة في تاريخ العمل الجمعوي بالمغرب، لكننا لم نسمع يوما أن جمعية رفضت دعما بهذا الغلاف المالي.. ليس قرار الرفض - لذاته وفي حد ذاته - هو أهم ما في الأمر، وإنما التعليل الذي ساقته الجمعية للدفاع عن هذا القرار. فقد اعتبرت الجمعية قيمة ذلك الدعم بمثابة "تقويضٍ لسمعة ومصداقية الجمعية ومهرجانها. ذلك الرصيد الذي بنته الجمعية رفقة شركائها الوطنيين والأجانب بجهد ومثابرة على مدار العشرين سنة الماضية". هكذا صارت سمعة الجمعية أهم من الدعم.. وصارت مصداقيتها أهم من 20 مليون. لو كانت جمعيات المغرب كلها كهذه الجمعية لأُصْلِح حال كثير من أعطابنا. 
 
معالي السيد الوزير، 
لا نخفيكم سرا إن كشفنا لكم اليوم عما ولَّده فينا البلاغ المذكور من شعور فادح بالغبن والحيف. غبنٌ، وحيفٌ يكادان يخنقان أنفاس ما بقي في أرواحنا من أمل! فكم كان أهلنا في "سوس"، كأشقائهم من أهل الهامش، سُذَّجًا للغاية حين صدَّقوا "أهل المركز" يوم زَفُّوا إليهم بشرى نهاية التمييز بين "مغربـ"ــكم" النافع، ومغربــ"ــنا" غير النافع.. 
فمنذ الاستقلال، وزير السينما الموقر، وأهل "المركز" لا يخجلون عن لَيِّ عنق الجغرافيا ليقذفوا بمدينة أكَادير بعيدا نحو "الجنوب"، و"الجنوب" في قواميس "أهل المركز" - كما تعلمون - ليس سوى مرادفًا خادعا للهامش. 
ولأن أهلنا في "سوس" شديدوا الثقة في "المركز"، فقد واصلوا تصديقهم لأهل "المركز" حتى نبههم جلالة الملك بأنهم هم "أهل المركز" الحقيقيون، وأن أكَادير توجد في "الوسط" وليس في "الجنوب". 

 
سيادة وزير السينما الموقر،
إننا نحن "أهل سوس"، وقد اكتشفنا الآن حقيقة "مركزيتنا" في المملكة عبر خطاب ملكي سام، نخبركم أنتم "أهل الشمال" بأننا لن نصدقكم بعد اليوم، ولو صدحتم بشعار "العدالة المجالية".. 
ولأنكم وزير محترم، ولأن من عادة الوزراء المحترمين التحدث بلغة الأرقام، فقد بذلنا بعض الجهد في تفريغ الأرقام التي كشفت عنها لجنة دعم المهرجانات السينمائية، التي قمتم بتعيين الأغلبية المطلقة لأعضاءها من شمالـ"ـكم" دون "مركز"نا"، كي نخبركم لماذا لم نعد نثق فيكم وأنتم تتشدقون بشعار "العدالة المجالية".
تكشف أرقامكم، معالي وزير السينما الموقر، أنكم قد أغدقتم على جهة مراكش بـ 12 مليارا و300 مليون ، وعلى جهة طنجة بـ7 مليارات و950 مليون، وعلى جهة الرباط بمليارين و230 مليون، وعلى جهة الدار البيضاء بـ 87 مليونا، وعلى جهة فاس بـ 36 مليونا. 
وإلى حدود جهة فاس، يؤسفنا أن نخبركم، وزيرنا المحترم، بأن خريطة مغربـ"ــكم" النافع - المورثة رغم أنوفنا عن الاستعمار - تنتهي عند هذا الحد وقد التهمت مهرجاناته 23 مليارا و386 مليون سنتيم، لتبدأ بعدها خريطة مغربـ"ــنا" غير النافع.. ذلك المغرب الذي كشفت أرقام المركز السينمائي أن تعاملكم معه ما يزال عى أساس الصدقة، لا على أساس الاستحقاق. فهكذا تصدق المركز السينمائي (المنعوت مغربيا على سبيل المجاز) على جهة سوس بـ 67 مليون سنتيم، وعلى جهة الشرق بـ 65 مليونا، ثم على جهة بني ملال بـ 43 مليونا، وعلى جهة درعة بـ 43 مليونا، ثم على جهة كَلميم بـ 8 ملايين سنتيم.. 
هكذا إذن، وبدون احتساب جهتي العيون والداخلة الغائبتان عن لائحة الدعم، يكون حاصل الجمع بين الفُتات الذي رميتم به، سيادة الوزير، إلى مهرجانات الجهات الخمس لمغربـ"ــنا" غير النافع في نظركم، هو 226 مليون سنتيم فقط، مقابل 23 مليارا و386 مليون سنتيم لمهرجانات الجهات الخمس لمغربـ"ــكم" النافع. 

 
السيد وزير السينما المحترم، 
دون الحاحة إلى تذكيركم بحجم التمييع الذي أحدثته اللجنة التي أحدثتموها لدعم تنظيم المهرجانات والتظاهرات السينمائية في المشهد السينمائي بالمغرب، لا سيما تعمدها المساواة بين المهرجانات الكبيرة، ذات الوقع الثقافي والسياحي والتنموي الكبير على مدنها، وبين التظاهرات الصغيرة في القرى والأرياف، واعتبارا لمسؤوليتكم على رأس وزارة السينما، يجوز لنا الافتراض أنكم على دراية جيدة بمواد مرسوم الوزير الأول رقم 2.04.969، وبمقتضيات منشور الأمين العام للحكومة رقم 1/2005، وهو ما يؤهل جنابكم لتقدير صرامة المساطر والشروط الموضوعة أمام الجمعيات الراغبة في الاعتراف لها بصفة المنفعة العامة.. 

 
معالي السيد الوزير،
لسنا متأكدين، في هذا السياق، مِمَّا إذا كنتم في حاجة إلى تذكيركم بأن استحقاق شرف حمل صفة المنفعة العامة، لم تقدر على حيازته غير أربع جمعيات طيلة السنة الماضية. لكن الذي صار لدينا في عداد اليقين، هو أن المركز السينمائي، الواقع تحت وصاية وزارتكم، لم يُقِمْ وزنًا لهذه الصفة التي حازتها جمعية "المبادرة الثقافية" المنظمة لمهرجان السينما والهجرة بمدينة أكَادير، وإلا فما معنى سخاء وزارتكم تجاه تظاهرات سينمائية هامشية لجمعيات غير حائزة لهذه الصفة، مقابل رمي الفُتات لمهرجان أكَادير؟ 
 إننا إذ نتوجه إلى سيادتكم بهذا السؤال، فإنما لنسائل من خلالكم مصداقية المعايير التي احتكمت إليها لجنة الدعم، ما دام جَليًّا عدم انسجامها مع معايير المرسوم رقم 325.12.2، والقرار رقم 2492.12، التي أعيد تثبيتها في دفتر التحملات.
 
معالي وزير السينما الموقر، 
نتشرف بأن نخبركم بأنه يحذونا أمل كبير في ألا تعتقدوا أننا نتخامل عليكم، ونحملكم وحدكم وِزر المسؤولية الكاملة عن هذه الفضيحة "السينمائية". فنحن نعلم جيدا أن لنخبنا السياسية المتخاذلة دورا كبيرا في ما حدث. وإذ نرفع إلى علمكم أملنا هذا، فلأننا سجلنا كيف تمكنت مسؤولة كببرة في الرباط من انتزاع دعم لمهرجان جنيني في شلال بعيد تفوق قيمته قيمة الدعم الممنوح للدورة العشرين لمهرجان أكَادير. بل لاحظنا كيف تكلل ترافع رئيس فريق برلماني يساري بترقية قيمة الدعم الممنوح لمهرجانه في عمق الصحراء إلى مستوى مقبول. 
نعم وزير السينما الموقر، فلو لم تكن نخبتنا السياسية السوسية متخاذلة، لما استطاعت لجنتكم حرمان المهرجان الوحيد المهم في مدينتهم من دعم السنة الماضية، لتقرر هذه السنة تخفيض قيمة الدعم الممنوح له بنسبة الثلثين عما كان عليه الحال خلال الدورات السابقة.

 
معالي وزير السينما الموقر، 
الواضح من التفاصيل الصغيرة لكل ما سلف، أن دعم المهرجانات السينمائية في سياقنا المغربي، لا يحتاج إلى تشكيل لجنة يُعهد إليها - صوريا - أمر تقييم المشاريع التي ترفع إليها، والنظر في مدى استجابتها للمعايير المنصوص عليها في المراسيم، والقرارات، ودفاتر التحملات.. وإنما يحتاج فقط إلى جرعة حقيقية من الـ"تامغرابيت". أما إذا بقي حال تلك اللجنة على ما هو عليه، فنصيحتنا، لكم معالي السيد وزير السينما، بأن تستغلوا طلبات العروض المقبلة الخاصة بدعم الإنتاج، لدعم سيناريست أُمِّيٌ يكتب عن سير أشغالها سيناريوها ركيكا، ينتج به منتج بخيل فيلما سورياليا، على أن يعهد بإخراجه إلى مخرج مغمور.