الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

مريم جمال الإدريسي: قاعدة دستورية تجابه المادة 17 من مشروع قانون المسطرة المدنية

مريم جمال الإدريسي: قاعدة دستورية تجابه المادة 17 من مشروع قانون المسطرة المدنية مريم جمال الإدريسي ، محامية بهيئة الدار البيضاء

طرحت المادة 17 من مشروع قانون المسطرة المدنية، الجدل الكبير حول مضمونها ومقتضياتها التي كانت تنص على أنه يمكن للنيابة العامة، سواء كانت طرفا في الدعوى أم لا ، ودون التقيد بآجال الطعن المنصوص عليها في المادة السابقة، أن تطلب التصريح ببطلان الحكم المخالف للنظام العام عن طريق ممارسة طرق الطعن القانونية.

فبعد أن قدم المشروع لمكتب مجلس النواب وعرض ونوقش أمام لجنة العدل والتشريع احتكاما للآليات الدستورية، قررت اللجنة وبالإجماع حذف المادة 17 بعلة تضمنها إعفاء النيابة العامة من الخضوع للآجال القانونية للطعن، في حين أن المادة 16 من ذات المشروع تمنحها هذا الحق وفق معايير تنضبط لصفتها كطرف أصلي أو منضم ولزمن محدد من حيث المدة والمنطلق .

لكن، وبعد الحذف المتفق عليه من كل الفرق معارضة وأغلبية وحكومة، تطل الأخيرة برسالة موجهة لرئيس مجلس النواب، ومن دون احتكام للإجراءات الدستورية المضمنة بالفصلين 78 و 80 ، رسالة تحت عنوان تعديل المادة 17 من مشروع قانون المسطرة المدنية، أي تعديل ما حذف وتقرير ما لم يعرض وما لم يناقش أمام لجنة العدل والتشريع، ولم يقدم أمام مكتب مجلس النواب.

صياغة جديدة ومقتضيات غريبة، ضمنت في نص المادة 17 والتي جاءت بما يلي : " يمكن للنيابة العامة المختصة وإن لم تكن طرفا في الدعوى ودون تقيد بأجال الطعن المنصوص عليها في المادة السابقة، أن تطلب التصريح ببطلان كل مقرر قضائي يكون من شأنه مخالفة النظام العام.

يتم الطعن أمام المحكمة المصدرة للقرار، بناء على كل أمر كتابي يصدره الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض تلقائيا أو بناء على إحالة من الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في حالة ثبوت خطأ جسيم أضر بحقوق أحد الأطراف ضررا فادحا ."

وإذ أن المادة المذكورة، وبصياغتها الجديدة، تضع نفسها في مجابهة حقيقة أمام مقتضيات الفصل 126 من الدستور، والتي جاءت بما يلي : " يجب على الجميع احترام الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء.....

بل إن المادة 17 تضرب في العمق مبدأ استقرار المعاملات الذي يعد عصبا للمادة المدنية، وتفرغ قواعد الطعن من كل مغزى أو معنى إذ تصير المقررات القضائية عرضة للبطلان في كل وقت وحين وخارج زمن المحاكمة وبعد صيرورة المقررات نهائية، فيصبح كل مقرر قضائي عرضة للبطلان متى تبين وبعد فوات الزمن القضائي أنه مخالف للنظام العام، أو به خطأ قضائي محدث للضرر الفادح.


وتسائل مقتضيات المادة 17 من المشروع، القواعد الدستورية الناظمة لاستقلال السلطة القضائية واستقلال قاضي الحكم الذي ألزمه الدستور بإصدار الأحكام على أساس التطبيق العادل للقانون الفصل 110 من الدستور، وكذا المادة 2 من ذات المشروع التي تنص على أن القضاة يمارسون مهامهم باستقلال وتجرد ونزاهة واستقلالية، في إطار السهر على ضمان مساواة الجميع أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين بما فيهم السلطات العمومية، أمام القضاء ، وعلى حماية حقوقهم وأمنهم القضائي. وهي المادة التي تنسجم ومقتضيات الفصل 117 من الدستور.

كما تطرح المادة 17 بما تضمنته من معاني ومباني، سؤالا كان ولا يزال يفرض نفسه على المقصد من النظام العام بين الثابت والمتغير، هذا ويطرح الاستفهام حول مدى إمكانية قبول تصور مقررات قضائية نهائية وبعد أن مرت بكافة مراحل التقاضي وصارت الآلية الضامنة للأمن القضائي والوسيلة لحماية الحقوق وبعد مرور زمن غير محدد يتبين مخالفتها للنظام العام ؟ وكيف سيكون مصير آثار الحكم أو المقرر القضائي المطعون فيه بالبطلان، بعد أن نفذ واستنفذ ما يوجبه من حقوق وما يحدده من مراكز قانونية؟

المصدر : اقتصادكم