الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

حسن لويزى: الانتخابات الفرنسية وسطحية وسائل الاعلام ببلاد موليير

حسن لويزى: الانتخابات الفرنسية وسطحية وسائل الاعلام ببلاد موليير حسن لويزى

الدرس الإعلامي الفرنسي من بين الدروس الأساسية المستخلصة من نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية السابقة لأوانها هي دور ما يسمى بالإعلام الجديد في بلد موليير، حيث تتبعنا كيف أن منصاتها وفضاءاته المتعددة امتلأت حد التخمة بمضامين أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها تتسم بالنفخ والسطحية في “التبشير " بالاكتساح القادم من اليمين المتطرف الذي يسمي نفسه بالتجمع الوطني Le Rassemblement National ونجمه الشاب Jordan Bardella.

 

الزعيم الجديد (Jordan Bardella)، حضر بقوة في الاعلام الفرنسي بكل مكوناته وفي مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نتائج الدور الأول، التي أعطت التفوق لحزبه، ليزكي نفسه كوزير أول محتمل جدا لفرنسا، ويطلق العنان لأديلوجية اليمين المتطرف التي تربط الهجرة مع كل مصائب فرنسا المتعددة الأوجه.

 

وقد انضم إلى هذه الجوقة المهللة للفوز الكاسح للحزب العنصري قنوات تلفزية فرنسية منها Cnews المملوكة لرجل الأعمال الفرنسي Vincent Bolloré والتي انخرطت بشكل ممنهج في الهجوم على Jean Luc Mélenchonزعيم حركة La France Insoumise اليسارية وتقديمه كخطر على البلاد والمجتمع لا لشيء إلا لكونه يناصر حق الشعب الفلسطيني في الحصول على حقوقه المشروعة. كل هذه الحملات التشهيرية بالمهاجرين والمناصرين للفلسطينيين المحاصرين في غزة في العديد من منابر الإعلام الفرنسي والمواقع كان هدفها هو حث الناخبين على التصويت لصالح اليمين المتطرف ومناصريه من اليمين التقليدي. و هو توجه نددت به بعض الأصوات الإعلامية الفرنسية البارزة كـ Pascal Boniface و Edwy Plenel .

 

حبل الكذب قصير، كما يقال، فالمجتمع الفرنسي في غالبيته قال كلمته وهي " لا " للحزب المجسد للعنصرية والكراهية. وبالتالي فشلت الأدرع الاعلامية لهذا الحزب وإديولوجيته المشينة في الزج بفرنسا في متاهات لا يستطيع أحد التنبؤ بمخاطرها، ومنها السيناريو الاسوأ وهو الحرب الاهلية كما حذر بذلك الرئيس ماكرون.

 

الدرس الفرنسي يؤكد قناعة راسخة بأن الانسان بإمكانه يبقى سيد مصيره بالرغم من قوة وضغط الحملات الإعلامية الموظفة للتكنولوجيا الحديثة والدعاية بأخبارها الكاذبة وتشهيرها بالأشخاص والمواقف الشجاعة. التعبئة الشعبية المضادة التي بلورها بنجاح اليسار بكل مكوناتها، رغم بعض الخلافات الداخلية، أبانت عن حيوية المجتمع الفرنسي المتعدد الأصول وقدرته على مواجهة رموز العنصرية وآلاتهم الاعلامية الجهنمية. كما قالت الاعلامية الفرنسية الراحلة Françoise Giraud “ هكذا تبدأ الفاشية. لا يقول اسمه أبدًا، يزحف، يطفو، عندما يظهر طرف أنفه، يقول الناس: أهذا هو؟ كنت أعتقد؟ ذات يوم سيكون الوقت قد فات لطرده " المنابر الإعلامية الفرنسية بنفخها في قدرة اليمين المتطرف على الوصول إلى السلطة ساهمت في تغلل إديولوجيته في المشهد السياسي الفرنسي لكنها لم تكن تتوقع، لا هي ولا أصحاب معاهد ومراكز قياس الرأي، أن المجتمع لازالت لديه المناعة في التصدي لتيار الحقد والعنصرية.

 

على ائتلاف اليسار وأنصاره تقوية هذه المناعة اليوم أكثر من أي وقت مضى سواء تحملوا المسؤولية في الحكومة الفرنسية المقبلة أو بقوا في المعارضة.