خلفت مادة "أنفاس بريس": "تطوان.. الانقلاب على نتائج تأهيل الأئمة يسائل المندوب الإقليمي ورئيس المجلس العلمي؟!"(الخميس 25 إبريل 2024)، تفاعلات في مستويات عديدة، يجمل بنا أن نستعرضها ببعض التأطير، تنويرا للرأي العام، ولمن يهمه أمر إصلاح الحقل الديني على أرضية التحملات الحقيقية لمرجعية إمارة المؤمنين في المغرب؛ الدولة - الأمة:
أولا: لقد نشرت "صفحة القيمين الدينيين" على الفايسبوك ،رابط المادة. والملاحظ في تفاعلاتها المثيرة، هو موقف الإمام الناجح ياسين أبو علي، منها بقوله:"إشاعة كاذبة، أنا هو الفقيه الذي تعين بالمسجد، وكل هذه الأكاذيب لا أساس لها من الصحة. أستنكر كل ما كتب وأكذبه وأتبرأ الى الله منه. حسبي الله ونعم الوكيل". ولما طرح أحدهم عليه هذ السؤال :"ياسين أبو علي ممكن توضيح سي الفقيه"،كان جوابه: "شمن توضيح أكثر من هذا ! صافي انا هو الفقيه المؤهل للمسجد، والإجراءات تمت بنجاح، والصحافة المرتزقة جبرت فيا الخدمة هذا مكان".
وهكذا وصف "أبو علي" الإمام الناجح "أنفاس بريس"، والتي انتصرت لحقه،ب"الصحافة المرتزقة". وهذا من ثمرة مختلف الضغوط عليه. لكن حالة الضعف البشري ليست مسوغا لسب من أحسن إليه غيبا، وكان مبدئيا في المرافعة عن استحقاقه.
لقد تقاطرت على هذا الإمام الناجح في التأهيل الضغوط من كل جانب، حتى يصدر بيانا يتبرأ من المادة، وعمد إلى حذف بعض تدويناته في الواتساب. كما حذف تدوينة "اللهم إليك أشكو ضعفي..."، من الفايسبوك. وقد كانت الجهة المسيطر ة على المسجد قد أغرته بأجر عشرة أشهر، حتى يدبر حاله، وينسحب من المشهد.
ثانيا: كما عمد الفاعل الحقوقي الأستاذ الحبيب حاجي، رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان"، إلى نشر رابط مادة "أنفاس بريس"، بالتصدير/الاستهلال التالي: "نتضامن مع الإمام المؤهل. ونطالب وزير الأوقاف والمجلس العلمي الأعلى بمساءلة رئيس المجلس العلمي بتطوان ومنذوب الأوقاف بتطوان لدعمهما لإمام داعشي يحتل المسجد موضوع المقال أدناه و يناهضان الإمام المؤهل والناجح في المباراة.."
فإشارة هذا الاستهلال إلى واقع احتلال المسجد، وهو يندرج ضمن المجال المحفوظ لإمارة المؤمنين، وما يستبطنه هذا الاحتلال، من مناهضة إرادة الدولة في تنظيم الحقل الديني، وما يجسده من عدم الالتزام بالأدبيات المذهبية، إنما يعبر في نهاية المطاف، عن إرادة استنبات بنيات دولة الخلافة لداعش، من داخل السيادة المذهبية للدولة المغربية. وهذه عينة مخبرية ملموسة ودالة في باب الخلايا النائمة في البناء العشوائي في الحقل الديني، ينبغي تفكيكها بكل ما يلزم من جدية.
فإشارة هذا الاستهلال إلى واقع احتلال المسجد، وهو يندرج ضمن المجال المحفوظ لإمارة المؤمنين، وما يستبطنه هذا الاحتلال، من مناهضة إرادة الدولة في تنظيم الحقل الديني، وما يجسده من عدم الالتزام بالأدبيات المذهبية، إنما يعبر في نهاية المطاف، عن إرادة استنبات بنيات دولة الخلافة لداعش، من داخل السيادة المذهبية للدولة المغربية. وهذه عينة مخبرية ملموسة ودالة في باب الخلايا النائمة في البناء العشوائي في الحقل الديني، ينبغي تفكيكها بكل ما يلزم من جدية.
وللإشارة، فقد سبق أن فرضت هذه المجموعة بقوتها،على إمام سابق ناجح في التأهيل التنازل، لتكريس سيطرتها. وهذا يحيل على إمكانات هذه الجماعة المادية. فهي تؤدي كراء سكن إمامها "المؤقت"، ومكافآته. ولها بنيات تأطيرية خارج الإقليم. بمعنى أن لها مصادر تمويل غير شفافة يستدعي الأمر الكشف عنها.
ثالثا: إن الجهة المسيطرة على المسجد، وهي غير منتظمة في إطار القانون، قد انتابتها أولا، حالة من الهستيريا تجاه "أنفاس بريس"، لتعبر لمن حولها بعد ذلك عن اطمئنانها على سيطرتها ،بأن السلطة المحلية رفعت بشأن هذا النزاع، تقريرا في صالح هذه الجهة، وأن إمامها ليس هناك من سيزحزحه عن مكانه، مهما كان. وأنها في مسلسل زحف مكتسباتها الترابية والمذهبية، مقبلة الآن على قياس نبض القضاء في مواجهة ،"أنفاس بريس".
ولا شك أن أماني هؤلاء القوم، تعبر عن جرأة إنقلاب الموازين، إذ أصبح من يحتل جزءا من التراب بوهم دولة الخلافة البغدادية، ضدا على إرادة الدولة في التنظيم والسيادة، هو صاحب الحق. في حين أصبح في المقابل من يدافع عن الأمن الروحي للمغاربة، في ظل تحملات مرجعية إمارة أمير المؤمنين،في مرمى المطالبة بإدانته.
وحتى تتضح معادلة الصورة أكثر، في معادلة علمي القشر واللباب، فهذا المسجد، وهو عبارة عن "گراج"، في أرض الطريس خلف شارع الجيش الملكي بتطوان، كان في مبتدأ الأمر، تحت سيطرة جماعة العدل والإحسان..أغلقته السلطة لفترة،ثم سمحت بفتحه،لتعجل هزة تنظيمية للجماعة بتطوان، وأمور أخرى، بسيطرة الوهابية عليه. وهي سيطرة لا تقتصر على ممارسة القناعات الوهابية في ظل ما هو متاح قانونيا، بل أصبحت تتحدى الآن إرادة الدولة في تنظيم الحقل الديني، وتتوعد كل من يخضع هذه السيطرة لكاشفات الأضواء،بأوخم العواقب. وهذا منعطف في مواجهة مؤسسات الدولة وتعبيرات المجتمع، سنرى على أي مرفأ سيرسو.
رابعا: أما بالنسبة لوظائف هذه المسجد /الكاراج، فقد شهد في وجوده، ثلاث قبلات لحد الآن.في كل مرة كان يصلي فيها الناس لوجهة. والجماعة التي تسيطر عليه، قد جعلته بؤرة لإنتاج أدبيات غير منتظمة في النسق المؤسساتي والمذهبي للبلاد ، من خلال إمامها المفروض بالقوة، وأسمائها المحررة، المتداولة على الوعظ والإرشاد. بل إن حملة الإنزال مؤخرا لدرس الأستاذ سعيد الكملي بمرتيل، احتضن هذا الگراج جانبا منها. فضلا عن احتضانه لتدرير الأطفال من طرف إمامها وزوجته المنقبة، بدون موجبات لذلك. مما يبين أن هذا الفضاء، يمثل "إمارة" مستقلة /متمردة ومحمية، في شبر مربع من التراب، لا تطالها سلطة وزارة الأوقاف، على إيقاع حلم/وهم دولة "الخلافة" البغدادية.
وفي قراءة مآلات هذا التدافع، فإن تحركات رئيس المجلس العلمي لصالح طرح المجموعة المسيطرة، تشي من الآن بفرضية إضفاء الشرعية على هذه "الإمارة" بوضع لجنة على المقاس لتأهيل إمامها الراسب مرتين. لكن يبقى من الوارد كذلك أن سياسة وزارة الأوقاف من منظور تراكم رؤيتها القانونية لقاعات الصلاة وتأهيلها، قد ترجح حلا آخر. فنحن الآن أمام تدافع إرادات وإدارات، واصطفافات وتواطؤات تتجاوز حدود البلاد، ومخاض لم يظهر حبله السري للعيان بعد.
إنه مشهد بقدر ما يغري بمتعة متابعة فصوله المرشحة لمزيد الإثارة، فإنه يحتم على حكماء السلطة ووزارة الأوقاف، وضع حد لنزوعات الهروب إلى الأمام، التي ما زال يفرزها واقع البناء العشوائي للحقل الديني. حيث يظهر أن العهد الجديد، ما زالت تتسلل إليه تأثيرات مقاربات أدت في الماضي، إلى مأساة الشهيد عمر بنجلون، رغم إشراقات إعادة هيكلة الحقل الديني ببعده الناظم، في العهد الجديد.(وطبعا مع مسافة الأخذ في الاعتبار لنقائص التنزيل). فمنطق النزاهة الفكرية، إذا كان يقتضي الاحتفاء بما هو جميل في مكتسبات منجزنا الوطني، فإنه بالقدر نفسه يستوجب العمل على تحصينه من تحريف الضالين، وتأويل المبطلين، وتجديف المتنطعين ومكرهم أيضا. "قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ"!