السبت 4 مايو 2024
كتاب الرأي

الطيب بياض: مدونة الأسرة في مرآة الشخصية المغربية

الطيب بياض: مدونة الأسرة في مرآة الشخصية المغربية الطيب بياض

كانت سياقات القرن التاسع عشر إذا محكومة بثنائية الأنا والآخر في أبعادها المختلفة، فاستبطنت الذات الحاجة المُلحة إلى التكيف مع واقع جديد صار المتوقع منه أعقد من الواقع، لذلك بات استحضار الكوني إلى جانب المحلي مسألة مُلزمة ومُوجهة في التوفيق بين الوضعي والشرعي في رسم الاختيارات وسن التشريعات. فكان لابد من الاجتهاد لجعل التراث "يشتبك" مع المواثيق الدولية، في أكثر من محطة لصياغة نُظم وقوانين وبلورة سُنن وتشريعيات، تراعي ما نحته زخم التاريخ والحضارة محليا في هذه الشخصية وما فرضته متغيرات العصر كونيا. ولعل التمرين الحالي في هذا الباب المرتبط بمدونة الأسرة يعتبر أحد التجليات المهمة، في اختبار القدرة على المرونة والتكيف مع السياقات، لتثمين التراكم واستشراف أفق التطور ضمن جدلية المحلي والكوني.

يشكل موضوع المرأة المغربية عمليا قطب الرحى في النقاش /الصراع الدائر حاليا حول مدونة الأسرة، والمحمول على بساط الخلفيتين المحلية والكونية. فالبصمة النسائية داخل تلك الآلاف المؤلفة من طبقات التكوين الحضاري للشخصية المغربية جلي وبيِّن، ولو داخل بيئة موسومة بالمحافظة. فاسم المولى إدريس كثيرا ما يأتي مقترنا باسم كنزة الأَوْربية، وكذلك شأن يوسف بن تاشفين مع زينب النفزاوية. ومن يستطيع أن يشطب من ذاكرتنا الجماعية ارتباط اسم جامع القرويين باسم فاطمة الفهرية؟ وهل يخفى على المؤرخين تأثير خناثة بنت بكار سواء خلال فترة حكم المولى إسماعيل، أو بعدها؟  وماذا عن ارتباط اسم الكاهنة بفعل المقاومة، مثل اقتران السيدة الحرة بعد قرون طويلة بالفعل نفسه ولو في سياق مغاير؟! أما ثريا الشاوي التي رسخت اسمها أول امرأة عربية تقود الطائرة، وأصغر امرأة في العالم تنجح في امتحان الكفاءة لقيادة الطائرات، ألم تكن الوجه الأنثوي لعملة النبوغ المغربي كما خطها عبد الله كنون؟!

لعب تفاعل المحلي بالكوني دوره المؤثر في خروج المرأة المغربية إلى الفضاء العام باعتبارها فاعلة ومشاركة ليس فقط في الدورة الإنتاجية في شكلها العصري، بل في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية لوطنها. وبدأت عملية توسيع مساحة هذه المشاركة باعتبارها طموحا منشودا من جهة، ومجال رهانات وتحديات وصراعات، بين المرجعيتين المتعارضتين: الشرع والتراث في مقابل القوانين الوضعية والمواثيق الدولية من جهة ثانية. وجرى تدشين الألفية الثالثة على وقع هذا التجاذب تحت عنوان "خطة العمل الوطنية لإدماج المرأة في التنمية"، قبل أن تجد الذات في رصيدها الحضاري خيطا هاديا للتوفيق بين الطرحين.

الطيب بياض، الشخصية المغربية، تأصيل وتأويل، منشورات باب الحكمة، تطوان، 2024، ص 69- 70.