بلغ السيل الزبى، ولم يعد متسع من الوقت لمشاهدة ما لا يشاهد. تزاحم حد التخمة في تقديم ما لا يقدم من مسلسلات مصنوعة بكثير من العجل، والقليل القليل من المسؤولية، تجاه الجمهور، وقبل ذلك تجاه رسالة الفن المقدسة.
سيتكومات تمعن في تكريس البلاهة، ومسلسلات تستثمر مواضيع اجتماعية فجة حيث سيادة الجريمة وشخصيات سلبية تنتقل من عالم النفاق والكذب والسرقة إلى دنيا البهرجة الفارغة، وحوارات مكتوبة كيفما اتفق دون احترام لخصوصيات المناطق المصورة بها أو الوعي بغناها الثقافي وتمايزاتها اللغوية.
مع احترامي الكامل لهاجس الاشتغال من أجل لقمة العيش لدى الفنان، لكن أي هاجس لابد وأن يأتي مؤسسا فعليا على خلفيات تحترم الحدود الدنيا من الاشتغال الإبداعي الذي يجب أن يكون قائما على عدم قبول ما لا يمكن أن يقبل. والنضال الصادق من أجل السير نحو فضاءات المعرفة والنور.
عشرة أيام من المشاهدات كانت كافية لكي تجعلني اتقلب وأحس بالسخط، واقرر قلب الصفحة في اتجاه معرفي إيجابي يتمثل في قراءة الكتب الفكرية والمؤلفات الروائية أو مشاهدة أفلام مختارة بعناية، ربحا للوقت، وقبل ذلك حفاظا على سلامتي النفسية، وحماية لأعصابي من الإنهيار...
التلفزيون في بلدنا، ليس أداة للتثقيف وتكريس الوعي ونشر بذور المحبة والاخاء، بل مجرد واجهة موجهة ومسطحة، لتمرير الكثير من خطابات البيع والشراء، ومحاولات تسجيل النسبة الأعلى من المشاهدات والمتابعات، وحصد الأرباح المادية، من خلال التدافع والتنافس مع التلفزيونات الأخرى المنافسة، وقبل ذلك، محاولة ارضاء المستشهرين وأرباب المال والأعمال وتجذير وعي تقليدي فج يخدم مصالح معينة..
لا أعرف ماذا يخبئ القدر لبلد انطلق انطلاقة حقيقية في مجالات عديدة، بلد حقق أشياء جد مبهرة، الى حد أنه أصبح اليوم محط اهتمام عالمي، لكن وللأسف، بلد لا زال المجال الثقافي والاعلامي فيه يحتاج لرجة كبرى، وترجمة حقيقية للإرادة المولوية السامية التي، كانت ولا زالت وستظل، تعتبر الثقافة والفنون مكون أساس للهوية المغربية، وضرورة لابد منها لتكريس مكانة المغرب، وبناء غد زاهر أكثر اشعاعا لمملكتنا الشريفة.