الثلاثاء 21 مايو 2024
كتاب الرأي

عبد الرفيع حمضي: القوة.. عندما تصير ناعمة 

 
 
عبد الرفيع حمضي: القوة..  عندما تصير ناعمة  عبد الرفيع حمضي
هناك عدة طرق لجعل الآخرين يريدون ما تريد، حيث يمكنك إكراههم بالتهديدات،contraindre par menaces  ويمكنك تحفيزهم بالدافع، motivation كما  يمكنك جذبهم واستضافتهم لجعلهم يريدوا ما تريد، وهذه هي القوة الناعمة. Soft power والتي يصفها 
‏Joseph S. Nye. في كتابه  "مستقبل القوة" "the future of power " بأنها  أكثر من مجرد تأثير، لأن التأثير يمكن أن يعتمد على القوة الصلبة للتهديدات أوالمدفوعات،وأيضا القوة الناعمة فهي  أكثر من مجرد الإقناع أو القدرة على تحريك الناس بالحجة، بل فهي  القدرة على الجاذبية التي تقود غالبًا إلى الرضا.
فهذا المفهوم المعاصر لنوع جديد من القوة لم يبلوره أكاديمي منغمس في كتبه وأبحاثه ينتظر من سيلتفت إليها لتجريبها على أرض الواقع .وإنما من صاغها هو جوزيف  صموئيل ناي،  أستاذ  العلوم السياسية وعميد مدرسة جون كينيدي  في جامعات هارفارد الذي  تولى عدة مناصب رسمية سامية  منها مساعد وزير الدفاع للشؤون الأمنية الدولية في حكومة  بيل كلينتون ورئيس  مجلس الاستخبارات الوطني فالرجل إذن كانت بيده القوة الصلبة العسكرية منها والاقتصادية والقوة الأمنية والاستخباراتية لكنه نَظَّرَ لقوة من نوع آخر  (ناعمة)حتى أصبحت اتجاها جديدا في السياسة الدولية . خاصة  إذا علمنا أنه في العلاقات الدولية  كانت الدول ذات سيادة هي الفاعل الأساسي والوحيد  منذ صلح استفالياtraités de westphalie  سنة 1648 الذي أنهى حرب الثلاثين سنة التي مزقت الإمبراطورية الرومانية المقدسة للأمة الجرمانية وكذلك حرب الثمانون سنة التي أنهكت إسبانيا ومملكة الأراضي المنخفضة المتحدة .
إلا أنه في القرن العشرين دخل فاعلون جدد في العلاقات الدولية أهمهم المنظمات الدولية والشركات المتعددة الجنسيات والمنظمات الدولية غير حكومية (المجتمع المدني )وهذا موضوع آخر. 

 
في هذا السياق أصبحت القوة الناعمة soft power  مادة  أساسية للتدريس في كبرى الجامعات والمعاهد العالمية . ومجالا للتنافس والإبداع بين الدول، مما دفع مؤسسة استشارية بريطانية Brand finance إلى  تصنيف كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة (193 ) وذلك وفق  ثماني مؤشرات فرعية مكونة للقوة الناعمة وهي :الأعمال والتجارة، والحكامة، والعلاقات الدولية، والثقافة والتقاليد، والإعلام والاتصال، والتعليم والعلوم، والسكان والقيم، ثم المستقبل المستدام . 
 
هذه المؤسسة هي نفسها التي صنفت المغرب هذه السنة في المرتبة 50 بعدما كان في المرتبة 55 وهكذا تكون بلادنا هي الأولى على المستوى المغاربي والثالثة إفريقيا بعد كل من مصر وجنوب إفريقيا وبالتالي من حق بلادنا (حكومة ومجتمعا) أن تعتز بهذا التصنيف الجديد لأنه يعزز الأمل عند المواطن وبان المستقبل ممكن أن يكون أحسن إِنْ على مستوى تحسن جودة معيشه اليومي،آو على مستوى رقي تموقع المغرب داخل المنظومة الدولية .
 
ليبقى السؤال هل نطمئن لهذا التصنيف ولهذه الرتبة آم نحللها ونخضعها لقراءة نقدية لأنها مرتبة لا تشرف بلدنا والمغرب (يستاهل احسن) . 
مع العلم أن  العناصر الفرعية الثمانية المكونة  لمؤشر القوة الناعمة المعتمدة لا تحتاج إلى دخل قومي مرتفع .لأنها مؤشرات تقيم الكيف،وليس الكم . 
أي كيف هو مناخ الأعمال بالبلد ؟كيف يُدَبَرُ الشأن العام ؟كيف هي جودة حكامته ؟كيف يعيش المجتمع اختلافه داخل وحدته ؟كيف ينظم العلاقة بين الجنسين ؟ كيف يستوعب كل فئاته ؟كيف يعبر عن نفسه؟ وكيف نتقبل هذا التعبير في تعدد أشكاله ? كيف نهتم بثقافتنا وتراثنا ؟ كيف نضمن مشاركة الناس في قضايا الناس ؟….
الجواب على كل هذه الأسئلة وغيرها هو الذي سيجعل هذا البلد أو ذاك أكثر جاذبية أو لا.مما سيحدد حجم تأثيره في محيطه الإقليمي والدولي .

 
ومما لا شك فيه، أن المغرب له من الإمكانيات والقيم في تراثه وتاريخه، والتي دققها  الأستاذ عبد الله بوصوف في كتابه  حول تَمَغْرَبيت،  ما يجعل تعبئتها وتحيينها ومأساتها رافعة لمكانة بلادنا  داخل المجتمع الدولي .
وفي هذا السياق أعتقد أن المجهود العام الذي يمكن أن نقوم به كدولة ومجتمع في أربع قضايا من شأنه المساهمة بقسط وافر في انتقال بلادنا من المرتبة 50 إلى مرتبة أحسن بكثير، مع ضمان ديمومتها: 

 
أولاها، قضايا النساء المغربيات حيث أصبح من الحكمة تسريع وتيرة الإنجاز في هذا المجال خاصة على مستوى مؤشر المساواة بين الجنسين فرغم المجهود العام الذي لا يمكن إنكاره ،إلا أن بطء الوثيرة يجعل بلدنا في المرتبة 110 عالميا .فيكفي الإشارة أن نسبة النساء النشيطات في سوق الشغل،بعدما كان   يصل ل 26% سابقا فمع الأسف الأرقام الحالية تتأجج بين 19 و 23 % لا غير، من السكان النشيطين .
 
أما على مستوى الأحوال الشخصية فان مناسبة مراجعة المدونة هي فرصة أخرى لرفع مظاهر الحيف  لتؤكد بلادنا أننا مجتمع ينتمي إلى المستقبل. وأن كل محاولة للرجوع إلى الخلف فهي مجرد عرقلة مرحلية محكوم عليها بالزوال .
 
ثانيهما، آن المغرب  الذي له أكثر من ستة ملايين مواطنة ومواطن لا يسكنون المغرب لكن المغرب يسكنهم وأكدوا ذللك منذ الستينات من القرن الماضى. 
فمع الأسف  لازلنا لحد الآن في البريكول وليست هناك أية سياسة عمومية  اتجاه مغاربة العالم من شأنها أن تحول هذا الخزان من الكفاءات والخبرات وحب الوطن إلى منارات إشعاعية مؤثرة في العالم بقيمها وثقافتها .

 
ثالثها،  أن ديمومة الاستقرار في أي بلد في العالم هي رهينة بكيفية تدبير المجتمع لخلافاته وصراعاته  أحيانا مع وجود الآليات ،المؤسساتية والمجتمعية التي من شأنها ،امتصاص التوتر والقلق، ولم لا الاصطدام بين الدولة والمجتمع ؟. وفي بلادنا ما تعرفه وضعية النقابات والأحزاب في تقديري يساهم بقسط وافر في تعتر المسلسل الديمقراطي برمته.وبالتالي استمرار هذا الحال من المحال طبعا . كما أن المجتمع المدني المغربي يحتاج إلى هامش أكبر فهو يزخر بالطاقات الإبداعية ويمكنه كقطاع ثالث تسريع مسلسل التنمية  في أبعادها المتعددة مع مأسسة التضامن  وضمان المشاركة الواسعة للناس في الحياة العامة .
 
رابعها ،أن المجتمع الذي يطمع التأثير في محيطه الدولي وفي الآخر بدون قوة صلبة. لابد وأن يكون مجتمعا يعتز هو، بهويته وثقافته وانتمائه وهذا لا يمكن  بلوغه إلا بالحسم في الازدواجية اللغوية التي لم نستطع  الحسم ثقافيا  لحد الآن فيها ،كما فعل المصريون منذ زمان، مع الإشارة أن  هذا الأمر ليست له أية علاقة مع تعلم وإتقان اللغات الأجنبية وخاصة الأكثر انتشارا في العالم . وبذلك ستصبح اللغة العربية والأمازيغية  لا لغتا الهوامش مجاليا  ولا لغتا (الناس لي تحت)فقط.