الجمعة 17 مايو 2024
كتاب الرأي

الصادق العثماني: إذا كان الحضورالقوي للقرآن الكريم في رمضان.. فأين هي ثمار تعاليمه وقيمه؟؟

 
 
الصادق العثماني: إذا كان الحضورالقوي للقرآن الكريم في رمضان.. فأين هي ثمار تعاليمه وقيمه؟؟ الصادق العثماني
مدرسة رمضان هي مدرسة القرآن الكريم بامتياز؛ ففيها نزل على قلب نبينا العدنان عليه الصلاة والسلام وهو يتعبد في غار حراء، قال تعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان" وفيها كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص رمضان بالإكثار من تلاوة القرآن وتدارسه مع جبريل عليه السلام، ففي الصحيحين عن إبن عباس رضي الله عنهما قال: "كان النبي صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن.." 
لهذا  شهر رمضان هو شهر القرآن؛ بل أصبح في عالمنا الإسلامي والعربي موسما وعيدا لقراءته وتلاوته وتجويده وحفظه، وهذا في حد ذاته أمر جميل ومهم؛ لكن هناك مفارقات عجيبة وتناقضات غريبة تقلق كل باحث في الفكر الإسلامي وتحرجه، وهي: إذا كان هذا الحضور القوي والوازن للقرآن الكريم في هذا الشهر العظيم، فأين هي ثمار تعاليمه وقيمه، كمحبة الوالدين والعدل والرحمة والمحبة والشورى والمساواة والحرية والكرامة ومساعدة الفقراء والضعفاء من مخلوقات الله تعالى..؟ فبجولة بسيطة في أغلب دول العالم الإسلامي ،فلن تجد لهذه القيم القرآنية أي أثر يذكر! وهذا الإنحراف عن قيم القرآن ونهجه وتعاليمه وقيمه قد حصل مبكرا؛ وبدايته كانت في فترة خلافة عثمان رضي الله عنه، -حسب رأيي الشخصي، وخصوصا بعد مقتله رضي الله عنه، ومن ثم انطلقت شرارة الفتنة رويدا رويدا بين المسلمين وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تكن معركة صفين بين الإمام علي رضي الله عنه، ومعاوية رضي الله عنه، إلا إحدى نتائجها السلبية التي انقسم المسلمون من خلالها إلى فرقتين كبيرتين؛ ومات فيها خلق كثير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكن الأخطر في هذا كله هو استعمال هذا القرآن العظيم كأيديولوجية وكخدعة للوصول إلى سدة الحكم؛ فإحدى الفرق في معركة صفين..
حسب بعض المراجع التاريخية حين شعرت بقرب هزيمتها التجأت إلى فكرة الإحتكام للقرآن الكريم لتخلص نفسها من الهزيمة، الإمام علي رضي الله عنه وهو العالم بأسرار القرآن الكريم انتبه للخطة والحيلة وقال قولته الشهيرة: " القرآن لا ينطق بلسان وإنما لا بد له من ترجمان" هنا كانت الطامة الكبرى والتي لم تظل محصورة في اغتيال الشورى وتحويل الحكم الإسلامي من حكم شوري ديمقراطي بلغة العصر، إلى حكم جبري؛ بل الأمر تعدى إلى أخطر من هذا كله وهو اغتيال عقل المسلم وروح القرآن من جهة،  وتحويل علاقة المسلم بالنص القرآني وربطه بالسيف والمصالح الشخصية والقبلية من جهة أخرى، هذا الإنحراف عن سبيل القرآن الكريم ومقاصده النبيلة وقيمه العظمى أسس لنمطية خطيرة في مجتمعاتنا المسلمة تجلت في تقديس هيكل القرآن الكريم، وقتل جوهره وروحه ومعانيه وتوجيهاته وفعاليته في ضمائرنا وفي حياتنا الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية والدينية؛ ولهذا نرى ازدواجية وتناقضات عجيبة وخطيرة في واقع المسلمين اليوم، تجدنا في المساجد نقرأ القرآن كملائكة الرحمن، وفي أسواقنا وشوارعها ومدارسنا وتجارتنا ومؤسساتنا وجامعاتنا نقوم ببعض الأفعال بعيدة كل البعد عن تعاليم القرآن وهديه؛ بل نقوم بأفعال حرمها هذا القرآن الذي نتلوه آناء الليل وأطراف النهار، وبدون أن نشعر بأي حرج أو خجل !!.
 
مع العلم ان أهمية القرآن الكريم لا تكمن في ترتيله وتجويده وحفظه مع إجراء مسابقات دولية فيه، أو افتتاح القنوات الفضائية وبعض المحاضرات الإسلامية بآياته وسوره فقط؛ بل الأهمية الكبرى للقرآن تكمن فيما اشتمل عليه من هداية وتزكية وأخلاق كريمة، وتشريعات عادلة وقيم إنسانية كونية، وما اشتمل عليه كذلك من تعاليم وتوجيهات حكيمة لبناء الأسرة والمجتمع الفاضل، وتنظيم الدولة القوية الآمنة، يسودها العدل والشورى والديمقراطية والرحمة والمساواة والكرامة وحرية الرأي والعقيدة . 
الصادق العثماني - البرازيل