في هذا الحوار مع اعمار الشيخ، المستشار السابق في مجلس جهة الداخلة يكشف ما أسماه بمن كانوا يسابقون الزمن لسد أبواب حزب الأصالة والمعاصرة في وجهه، منتقدا في الوقت ذاته، تدبير الخطاط ينجا لرئاسة الجهة، وكيف أنه كان فاشلا في التدبير طيلة التسع سنوات الأخيرة..
قبيل المؤتمر الرابع لحزب الأصالة والمعاصرة تم انتدابك كاتبا جهويا للحزب على صعيد جهة الداخلة، ما هو سياق هذا التعيين؟ وما هو وضعك الحزبي الآن؟
صحيح لقد التحقت بحزب الأصالة والمعاصرة وتحملت مهمة المنسق الجهوي بالداخلة، كان ذلك يوم 10 يناير 2024، أي قبل شهر من انعقاد المؤتمر الوطني الرابع للحزب ببوزنيقة.
وحول سياق هذا الالتحاق، وإن كان مفاجئا لجزء كبير من الرأي العام بالجهة، وكثرت التأويلات حوله، يجد تبريره فيما وصل إليه مشروع الجهوية بالداخلة من عبث وهدر بين للمال العام واستهتار بالمسؤولية.
كنت أرى من واجبي الوطني، والأخلاقي والتزامي المعنوي مع ساكنة جهتي ومدينتي سواء في حزب الأصالة والمعاصرة، أو بغيره من الأحزاب الوطنية، أن أساهم في محاولة تحريك المشهد السياسي بالجهة، وإخراجه من النفق المظلم، إصلاح ما يمكن إصلاحه، خاصة أن الحزب مشارك في الأغلبية بالجهة وبلدية الداخلة.
لقد تحولت الجهوية بالداخلة من رافعة ومحرك للتنمية إلى مجلس يشرع لهدر المال العام، يصادق بلا مناقشة على ميزانيات تفوق 50 مليار سنتيم في ساعة، بل يصادق حتى على مقررات مريبة لا يحترم فيها القانون 14-111 من تنظيم الجهات، النموذج من المصادقة على تحيين عقد كراء المنتزه الجهوي مع دائرة الاملاك المخزنية دون احترام المادة 31 من القانون المنظم للجهات. لقد أصبحت الداخلة تغرد خارج منظومة الحكامة الوطنية..
ألم يكن موقفك من تسيير جهة الداخلة خرقا لميثاق الأغلبية في تشكيل المجالس الجهوية والبلدية؟
لقد اعتبرت التحاقي بحزب "البام"، فرصة لاختراق هذه الأغلبية المسيرة للمجلس الجهوي من الداخل، بخطاب سيضعها أمام مسؤولياتها، حيث طالبت بميثاق جديد للأغلبية، تسبقه قرارات مؤلمة، أو ما يشبه عملية جراحية، لوضع المسار التنموي للجهة على السكة الصحيحة، وذلك بتطبيق مبادئ الحكامة الجيدة وما تتطلبه من حماية للمال العام وتوظيفه التوظيف الأحسن والأمثل.
كنت متأكدا أن الطريق لن يكون مفروشا أمامي بالورود، فكان علي أن استغل هذا التكليف أطول حيز من الوقت الممكن، لكن يبدو أن خطابي، أزعج بعض الفرقاء السياسيين محليا، وجعلهم يسابقون الزمن لسد أبواب الحزب في وجهي، كان لي ما أردت، ولو لأسابيع، إذ وجدت منصة حزبية لإسماع صوت الساكنة، وطرح قضايا التنمية الحقيقية التي فشلت الجهة في تحقيقها، وكان لهم ما أرادوا وأقول لهم شكرا جزيلا والخير دائما فيما اختاره الله.
عرف مجلس الجهة مؤخرا، توترا كبيرا وجهت فيه انتقادات كثيرة للرئيس الخطاط ينجا، وعلى أي أساس تستند في موقفك المعارض من خارج المجلس؟
صدقني، حتى قبل هذا التجاذب بين الرئيس والمعارضة، كنت متأكدا أن رئيس الجهة سيفشل في مقاربته التدبيرية، وستؤدي إلى لا شيء، وهذا ما نلمسه اليوم.
أقولها صراحة، لايملك الرئيس الخطاط ينجا، المستوى المعرفي لاستيعاب مفهوم الجهوية كورش ملكي استراتيجي أطلقه الملك محمد السادس، من أجل مغرب مزدهر متوازن الجهات، لم يستوعب مكانة الجهة الدستورية وأدوارها التنموية.
إنه لا يفقه شيئا في القانون 14 - 111 المنظم للجهات، ولا المراسيم التطبيقية لهذا القانون، وقد ظهر ذلك من خلال دورات المجلس ومختلف أعمال المجلس، ومن الأمثلة على ذلك:
1- عدم وضع برنامج التنمية الجهوية في الآجال المحدد وفقا للمادة 83 من القانون 14 - 111، ولخطورة عدم وضع البرنامج المذكور، المجلس الجهوي يبرمج ويعد الميزانيات دون الآلية القانونية الموجهة لجميع النفقات والبرامج والمشاريع لتحقيق أهداف التنمية الجهوية المستدامة. والعمل بدون البرنامج المذكور يعني العشوائية، التخبط والارتجال، ونتيجة ذلك وحصيلته، المزيد من تبديد المال العام وغياب الحكامة الجيدة والاستعمال الأحسن و الأمثل للمال العام.
2- حالات من عدم امتثال رئيس المجلس البينة للقانون 14 - 111 والتي قد تكون من موجبات العزل أو حل المجلس:
ا - عدم تطبيق المادة 49 المتعلقة ببرمجة حصص خلال الدورات للأسئلة الواردة على المجلس للرد على أسئلة المستشارين.
ب - الامتناع وعدم الامتثال للمواد 227 - 246 من القانون 14 -111 والتي تلزمان رئيس المجلس، وفي إطار الحكامة الجيدة، تبليغ المجلس نتائج المجلس الجهوي للحسابات ومهام التفتيش.
ت - برمجة نقط في جدول الأعمال دون دراستها من طرف اللجنة المختصة، كما تنص المادة 31 من القانون 14 -111، مثال حالة تحيين المنتزه الجهوي في عملية مشبوهة، هدفها تنازل المجلس الجهوي عن الجزء الغربي والجنوبي من المنتزه لاقامة بنايات Les Choowroom " الشوروم ” في سابقة خطيرة لتكالب المنتخب وأصحاب المال على المدينة، لا زال الرأي العام يتابع أطوارها باستنكار واستغراب.
نحن اليوم أمام مقاربة خاطئة ومكلفة، وتتمثل في:
- قرصنة الخطاط لجميع برامج المجلس الجهوي وخاصةً الاجتماعية لصالحه، واستغلالها لدعايته الشخصية، وتلميع صورته محليا ووطنيا، كفاعل يمتلك رؤية تنموية نزيهة و ذات مصداقية، مع إطلاق حملات دعائية لشيطنة غيره من الفاعلين السياسيين انتهت بحصوله على نتائج إعجازية في استحقاقات2021.
لكن مع اكتشاف خدعة الساكنة بالدعم الاجتماعي الذي انقطع شهر سبتمبر مباشرة بعد الانتخابات عن ثلثين من المستفيدين وظهور طبقة ريع واستغلال النفوذ المفرط، والاخطر هو تبديد الأموال دون حصيلة تذكر، جعلت الشعبية الجارفة للخطاط تتهاوى في أسابيع.
- عقدة الأنا دفعت الخطاط وفي حيرة من الجميع، إلى فرض حصار جائر للسنة التاسعة على التوالي على المجلس البلدي للداخلة، وعدم التجاوب نهائيا مع دعواته للتعاون في مجال البنية التحتية للمدينة، إلا إذا كان هو الآمر بالصرف! بالمقابل لجأ الرئيس ينجا إلى ترحيل المشاريع والإمكانيات إلى خارج الداخلة. هذه النظرة الضيقة الأنانية، جعلت الخطاط المسؤول الأول والأوحد عن تخلف الداخلة وتعطيل ركبها التنموي.
- إعداد الميزانيات بمنطق يخالف مبادىء الحكامة الجيدة والقواعد والأسس العلمية لوضع الميزانيات والمذكرات التوجيهية لوزارة الداخلية، في هذا الشان لا يتم احترامها، والنموذج من ميزانية سنة 2024 حيث تمثل ميزانية التسيير 48.68 في المائة و 51.32 في المائة فقط لميزانية التجهيز! دون نقاش ولا اعتراض من مكونات مجلس الصمت والمصادقة في تناقض تام مع ترشيد نفقات التسيير مع الإشارة أن 54 مليار سنتيم لا تتطلب دراستها من المجلس ساعتين بالكثير..
- يقدم رئيس المجلس الجهوي على تحويل اعتمادات في ميزانية التجهيز "أزيد من 4 ملايير سنتيم من تنمية إقليم أوسرد، 2 مليار و800 مليون سنتيم من منتزه بحري مائي، مجموع تحويلات ميزانيات التجهيز هو 7 مليار و 800 مليون سنتيم تحول إلى طريق صحراوي ثانوي غير مصنف وتلغي كل هذه البرامج السالفة الذكر!
في ظل ما تصفه من اختلالات في تدبير الخطاط للجهة، هل نحن أمام بلوكاج؟
لقد أظهرت الدورة الأخيرة من مجلس جهة الداخلة، ما قلته سابقا من ضعف الرئاسة فحين حاول الدفاع عن نفسه دفع بمغالطة الرأي العام بالقول، أن مجموع ما ضخت الدولة في ميزانيات الجهة لا يتجاوز 463 مليار سنتيم !! والحقيقة أن مجموع ما ضخت الدولة من أموال يتجاوز 700 مليار سنتيم فقد تناسى قروض صندوق التجهيز الجماعي المقدرة ب 150 مليار سنتيم و 54 مليار سنتيم ميزانية سنة 2024، ثم المبالغ التي ترصدها القطاعات الوزارية في إطار الاتفاقيات كوزارة التجهيز والماء ووزارة السكنى وإعداد التراب الوطني ووزارة التضامن، الشباب والثقافة..
الرجل من زمن آخر، فحتى بعد 9 سنوات من رئاسة الجهة لايعرف كم ضخت الدولة من أموال بالجهة!!
فنحن أمام شخص كنا ننتظر أن يتحدث عن تعبئته للموارد المالية عبر شراكات مع القطاع الخاص أو أن يعطينا على الأقل مبلغ ما ضخته الدولة من أموال بالجهة وسيفوق حتما 700 مليار !! بعد هذا هل نواصل الكلام؟!
عموما يقال، لا يمكن للباطل أن يستمر! كانت توقعاتي للوضع، إما إن الأغلبية متواطئة وجاءت لخدمة مصالحها الشخصية، أو أن أقلية مستفيدة حولت مسار الجهة وحرفته، تستغل جهل أغلبية الأعضاء لماهية الجهة أصلا وأهدافها والقوانين المنظمة لها.
فشل الجهة في تحقيق التنمية المستدامة أصبح باديا للجميع، فلا مشاريع ولا حصيلة، بل تحولت الجهة بالداخلة في حد ذاتها إلى إشكالية وجب حلها.
بدأت الأصوات تتردد بين الساكنة، وكان ما ينقصها مكبر صوت من داخل دورات المجلس الجهوي، وهي مهمة تكلف بها الحاج محمد الأمين حرمة الله عضو المكتب التنفيذي لحزب التجمع الوطني للأحرار.
إذن ننتظر لنرى، هل سيرضخون لصوت المنطق والواجب ام أن الترضيات ومنطق الجهة لي، ولكم مجالسكم سيستمر، وربما تتدخل سلطة الوصاية لوقف هذا العبث بما يتطلبه الأمر من حزم مع أن لا أحد فوق القانون.
كيف تتصور مستقبل الجهة في ظل التحديات الكبرى المطروحة والمشاريع الاستراتيجية..؟
رغم هذا التشخيص المؤلم، أنا متفائل طبعا وأنا أشاهد مكانة الداخلة تتعزز وتتقوى كجهة محورية في الرؤية الملكية للملك محمد السادس، لكون الداخلة بوابة المغرب على عمقه الإفريقي، تستفيد من إشعاع المملكة المغربية الحضاري، الاقتصادي، الثقافي، الدبلوماسي.. إشعاع انعكس ايجابيا على عموم تراب المملكة وجهة الداخلة خاصة، و خير دليل الاتفاقيات الموقعة خلال الزيارة الملكية لدولة الإمارات العربية الشقيقة، بالإضافة إلى مبادرة الملك محمد السادس الرائدة عالميا - المغرب الأطلسي - ستعزز مكانة الداخلة بل ستجعلها قطبا اقتصاديا نموذجيًا يحتذى به قاريا وعالميا.
بعد كل هذا التحليل والتشخيص للشأن الجهوي بالداخلة، يطرح السؤال، ما موقع الشيخ اعمار في الساحة السياسية، وهل هناك مشاريع مستقبلية؟
سياسيا أنا الآن في راحة، أتابع التدافع السياسي بالجهة، وهو تدافع إيجابي جدا بعد سنوات ركود. أما فيما يخص مشاريعي الشخصية، فأرى أن الداخلة ونهضتها التنموية الرائدة ومكانتها المستقبلية الرائدة التي ذكرت مشاريعها سلفا، تحتاج إلى المزيد من المؤسسات الإعلامية المصاحبة لجوهرة الجنوب المغربي. في هذا الإطار، أشتغل حاليا على موقع إلكتروني خاص بنشر الدراسات والتحليل، اخترت له من الأسماء، الداخلة عالية، بشراكة مع مؤسسات إعلامية وطنية رائدة، سأطلقه إن شاء الله، شهر يونيو أو يوليوز 2024، وسيكون مفتوحًا في وحه جميع نخب الجهة أولا، وخبراء وطنيين وأجانب مهتمين بالحكامة الترابية والتنمية المجالية، ومشروعي الثاني معهد أو مركز للدراسات والتكوين في عدد من التخصصات.
وفي انتظار تنزيل هذه المشاريع فالنقاش العمومي الجهوي مطروح على منصات التواصل الاجتماعي مع مجموعة أصدقاء، برامج مباشرة على صفحة فيسبوك، سميناه "حوارات رمضانية" سينطلق في الأسبوع الأول من شهر رمضان الجاري.