السبت 27 يوليو 2024
سياسة

جمال العسري : حادثة تاريخية جمعتني بالمجاهد بنسعيد .. ثبتت مساري السياسي ..

جمال العسري : حادثة تاريخية جمعتني بالمجاهد بنسعيد .. ثبتت مساري السياسي .. جمال العسري والمرحوم محمد بنسعيد آيت ايدر(يسارا)
حدث لي مع المرحوم بنسعيد .. أول لقاء .. أول اختبار .. و أول حكم ..
مناضل ليس ككل المناضلين .. هذا هو الرجل القدوة ..
هكذا وقعت في حب و تقدير و احترام المناضل بنسعيد .. الشهم الشامخ ..
عرفت سي بنسعيد عن قرب .. و عشت معه لحظات لا يمكن أن تمحى من الذاكرة .. و شكل اتصالي به الأول   لحظة فارقة في مساري السياسي .. و سأظل أتذكر تلك المحطة و وقائعها ما حييت .. و كيف أنساها و قد كانت البداية بداية لقصة لم تنته بعد ..
البداية كانت إبان اقتراع 13 يونيو 1997 .. لم يكن قد مضى على التحاقي بمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي سوى سنة و تأسيسي لفرع لها بمدينة الداخلة و تحملي مسؤولية الكاتب المحلي .. و هكذا كان علي أن أسهر على الإنتخابات الجماعية المحلية بالإقليم - إقليم وادي الذهب - و كان علينا تغطية جل دوائر بلدية الداخلة و بلدية الگويرة و الجماعات القروية التسعة التابعة للإقليم .. و بالفعل انكببت رفقة الرفاق في المكتب المحلي الفتي لإنجاح هذه المحطة خاصة و أنه لم يكن قد مضى على تأسيس الفرع أكثر من سنة .. و استطعنا تغطية كل دوائر بلدية الداخلة و كذلك بلدية الگويرة .. و بعض دوائر الجماعات القروية .. كنت مفوضا من قبل الكتابة الوطنية للمنظمة بمنح و توقيع التزكيات .. و هكذا غطينا كل الدوائر و هذا ما شكل صدمة للمخزن .. و صدمته الكبرى أننا رشحنا مناضلين إما ينتمون لشمال الوطن أو مناضلين ينتمون لمخيمات الوحدة - و هذه قصة و حكاية أخرى - خاصة و أن باقي الأحزاب كل الأحزاب لم تكن تقدم تزكيتها إلا لسكان المنطقة و المنتمين للمنطقة .. هذا المستجد الخطير شكل صدمة للسلطات و كذا لأعيان الإقليم .. الذين عقدوا اجتماع ليلة انطلاق الحملة الإنتخابية و اتفقوا على سحب ترشيحاتهم و عدم المشاركة في الإنتخابات .. و غادروا مدينة الداخلة صبيحة انطلاق الحملة و كانوا بالمئات .. كانت ضربة سياسية للمغرب .. كانت لحظة فارقة في الحياة السياسية بالوطن .. انطلاق الحملة الإنتخابية بكل التراب الوطني .. باستثناء إقليم وادي الذهب وقع ارتباك شديد ... و لخبطة كبيرة و كثرت الإتصالات و الصغوطات في الرباط و في الداخلة .. الإتصالات كانت بين وزير الداخلية آنذاك إدريس البصري و الأمين العام سي بنسعيد .. الذي كان بإمكانه سحب تفويض توقيع التزكيات مني - و هذا ما كان يطلب منه - أو الضغط علي من طرفه حتى أسحب التزكيات و أنقذ الموقف .. 
 
ومن هنا كانت انطلاقة أولى الإتصالات بيني و بين سي بنسعيد .. وضعني في صورة ما يجري بالرباط و كواليس وزارة الداخلية و الإتصالات به ... طلب مني شرح ما يقع بالداخلة بكل دقة و بكامل الصراحة .. وضعته في الصورة .. و أخبرته أن المشكلة الكبرى في رفض ترشيح سكان مخيمات الوحدة و هم المفروض أن يشاركوا في الإستفتاء باعتبار أصولهم الصحراوية و أن وزارة الداخلية برفضها ترشيحهم تقع في فخ جبهة البوليساريو بوعي أو دون وعي و هي التي تطعن في حقهم في المشاركة في استفتاء تقرير المصير .. بعد ذلك قال لي بالحرف " لنا ثقة فيك و في الكتابة الوطنية سنزكي كل ما تقدم عليه " و هكذا تشبثتنا في المكتب المحلي بحقنا في الترشيح .. و مع هذا التشبث و اختفاء المئات المرشحين الآخرين ..
 
وزاد الضغط و انتقل الأمر إلى الترغيب .. و محاولة دفع ثمن لسحب التزكيات من جانبي .. و هو ما رفضته رفضا مطلقا .. فتم الإنتقال للتهديد .. التهديد الحقيقي .. و معه مضايقات خطيرة خطيرة جدا ... لي شخصيا و لمنزلي الذي أصبح محاصرا و لعائلتي الصغيرة .. و بعد مرور خمسة أيام استدعاني عامل الإقليم في ساعة متأخرة من الليل .. بعد فشل كل محاولات الإستمالة ... انطلق للتهديد بكل أنواع و عبارات التهديد .. بكل ما يحمله التهديد من معاني حقيقية .. و ألح علي بكتابة و توقيع محضر سحب التزكيات التي منحتها للمرشحين .. مدني بقلم و ورقة .. أخذتها و أنا أرتعد .. و دموع الإحساس بالحگرة و القهر تنساب من عيني .. فكتبت استقالتي من مسؤولية الكتابة العامة للحزب .ت. و مددت له الورقة .. زاد حنقه و غضبه .. و زاد صراخه و تهديده ليطردني من مكتبه .ي. خرجت مرتعدا خائفا مما يمكن أن يقع لي و لعائلتي الصغيرة .. خاصة و أناا في طريقي لمنزلي تلقيت العديد من عبارات السب و الشتم بل بعض الضربات من بعض الأفراد المعروفين بمخزنيتهم .. التحقت بمنزلي الذي كان محاصرا .. و بعد تفكير ملي خرجت من منزلي و الساعة حوالي الثانية بعد منتصف الليل لأتوجه عند أحد الأصدقاء الذي كان يتوفر على هاتف بمنزله و هو ما لم أكن أتوفر عليه .. و من منزل هذا الصديق ركبت رقم الرفيق سي بنسعيد .. ركبته و أنا متيقن من أنه لن يجيب خاصة مع الساعة المتأخرة .. لكن كم كانت مفاجأتي و هو يرد على مكالمتي .. شرحت له كل ما وقع لي مع عامل الإقليم لأخبره بذلك بتقديم استقالتي من تحمل أي مسؤولية بالحزب .. حفاظا على نفسي و عائلتي .. و كم كان هادئا و هو يهدئ من روعي و خوفي .. و كم كانت كلماته مطمئنة و هو يخبرني بأنه بجانبي و أنه سيبذل كل ما يمكنه بدله من هذه الساعة و سيجري كل الإتصالات الممكنة حفاظا على سلامتي .. و أصر على رفضه لاستقالتي مطالبا بنسيان أمر الإستقالة و عدم العودة لذكرها مجددا .. وعدته بالتفكير بالأمر .. و أنهينا المكالمة و أنا متردد بخصوص الأمر و قولي لأنتظر الصباح .. في صباح اليوم التالي و كان يوم سبت كان استياقظي على دقات الباب من طرف صديقي الذي أخبرني أن سي بنسعيد اتصل به و يريد الحديث معي .. أسرعنا لمنزل الصديق و اتصلت بالرفيق بنسعيد و وضعني في صورة كمية الإتصالات التي أجراها و الشخصيات التي اتصل بها .. و أنا أستمع لكلماته كانت تزداد مكانته في قلبي و يزداد حجم تقديري و احترامي للرجل .. و ما أن أنهى حديثه حتى أقسمت له أنني سأظل على نهج النضال و على خط النضال و المقاومة .. و أنني لن أتنازل عن حق منحنا إياه الدستور .. المهم أمام رفضنا في المركز و في الداخلة لسحب التزكيات و لتخرج الدولة من ورطتها الكبيرة .. فضلت الدخول في ورطة صغيرة .. هي منع جل مرشحينا من الترشيح و سحب وصولات ترشيحاتهم ..و إغلاق باب الترشيح في وجههم .. و إيصال الخبر لمئات المرشحين المنسحبين .. ليعودوا من مكان اختفائهم لتنطلق الحملة الإنتخابية متأخرة بأسبوع .. أخبرت سي بنسعيد بهذا المستجد .. ابتسم و قال لي هذه ألاعيب المخزن .. و طلب مني القدوم للبيضاء من أجل اللقاء و مناقشة الأمر .. و تقرير ما يمكن اتخاذه .. و هذا كان لقائي الأول المباشر به.. و ستتبعه قصة أخرى قد أعود مرة أخرى لحكيها ..
 
لي واقعة أخرى مع سي بنسعيد و إدريس البصري ... يوم رفض بنسعيد ركوب الطائرة و التوجه لوضع حجر الأساس لمدينة أوسرد إلا إذا كنت بح بجانبه ..و هو الأمر الذي كان يرفضه إدريس البصري .. سأعود يوما ما لهذه الواقعة التي لن تعمل إلا على تأكيد عظمة سي بنسعيد رحمه الله و أسكنه فسيح جناته..