ظهر مفهوم "النخبة" في مجال السياسة مع أعمال الباحثين الإيطاليين «موسكا وباريتو». رأيهم أن التغيير يحدث حسب قوة تأثير نخبة وهذا موقف فكري كان يناقض في بداية القرن العشرين، وخصوصا في سنة 1916 نظرية التغيير عبر طبقة البروليتاريا.
النخبة لدينا هي نتيجة حركة فلسفية وإيديولوجية وتربوية. خلال الفترة التي سبقت الاستقلال بسنوات، ظهرت نخبة شابة واعية بتاريخ بلادها. نهلت من المدارس العتيقة ومن مؤسسات التعليم التي أتى بها الاستعمار الفرنسي. ولكن هذه النخبة التي عاشت في مؤسسات باريس وتعرفت على مثقفين منفتحين على قضايا التحرر والديمقراطية، حاربت الاستعمار ووجدت بعد ذلك حائطا من المتناقضات بعد الاستقلال.
حدثت المواجهات العنيفة بين نخبة مغربية ناضلت من أجل استقلال القرار الوطني المغربي ورجوع محمد الخامس إلى عرشه. لكن صراع هذه النخبة مع شبه نخبة تم صنعها داخل الجيش الفرنسي أفشلت مشروعا وطنيا لتحصين الاستقلال.
اليوم فشل المغرب في صنع النخب يرجع بنا إلى نتائج صراع بدأ بعد الاستقلال واستمر من خلال انتخابات سنة 1963 وظهور أول صنيعة حزبية تمثلت في جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية التي قادها الراحلون كديرة وأحرضان والخطيب. واستمر أسلوب صنع نخب جديدة، خارج المعارضة الاتحادية والاستقلالية، عبر تجربة التجمع الوطني للأحرار وما نتج عن تفجرها من ظهور الحزب الوطني الديمقراطي بزعامة الراحل أرسلان الجديدي المنشق عن أحمد عصمان. واستمرت الجهود لمواجهة المعارضة «التقليدية» مع خلق الاتحاد الدستوري بنخب كانت اتحادية أتت من الجناح النقابي الذي لم ينشق عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وأتت بعد كل هذا محاولات لتأثيت الفضاء السياسي بثقافة، قيل إنها موجهة للديمقراطيون الجدد. كما شاءت الإرادات إنتاج حزب جديد أصيل ومعاصر لبناء مشروع جديد. وبعد كل هذا ظهر أن البناء مازال هشا وأن كل من تم استقطابهم كانت لهم مآرب أخرى. واليوم يشهد على أن المشهد السياسي غير محصن ضد أولئك الذين يتسللون إلى مراكز القرار ويحدثون كوارث سياسية تفعل فعلها في رأي المواطن المغربي.
مات الزعماء الذين كانت مهمتهم صنع نخبة من المناضلين الذين كانوا يحلمون بغد أفضل لرفعة الوطن.
أكاد أشك في إمكانية قدرة الأحزاب في الوقت الراهن على خلخلة ثقافة سياسية تحارب الانتهازية والريع والتسلق إلى المناصب.
أتمنى أن تتغير أساليب الاستقطاب السياسي لخلق ثقافة جديدة تحارب الانتهازية ولا تكون في خدمة أصحاب المصالح الاقتصادية والريع والتعامل مع السياسة كتجارة مربحة. والخطورة الكبرى تكمن في انزلاق جزء من النخبة في أساليب الاغتناء السريع غير المشروع. إن الأمر خطير ومخيف ومعبر عن المستوى التي وصلت إليها ممارسة السياسة.
ادريس الأندلسي، كاتب صحفي ورئيس سابق لجمعية أعضاء المفتشية العامة للمالية