الجمعة 7 فبراير 2025
سياسة

سيدي محمد بيد الله: الصحراء، عظمة المغرب، من مولاي إدريس إلى الملك محمد السادس

سيدي محمد بيد الله: الصحراء، عظمة المغرب، من مولاي إدريس إلى الملك محمد السادس سيدي محمد بيد الله

شكلت الصحراء المغربية محدد أساسي في التاريخ السياسي و الدبوماسي للمملكة المغربية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ بشهادة ابن خلدون الذي اعتبره بلد قائم بذاته متفرد في محيطه.

وفي هذا الصدد اكد المؤرخ هنري تيراس (1895-1971) خصوصية التفرد المغربي عندما أوضح ”هذه الحقيقة الجلية في تاريخ المغرب: انبثق تولي الحكم في المغرب الداخلي انطلاقًا من المغرب الخارجي (الصحراء) أشكالا مختلفة. وفي أغلب الأحيان، تمكنت سلالة الملكية التي نشأت ما وراء الأطلس (الصحراء) من بسط حكمها على المغرب الأطلسي (الشمالي) “.

ويهدف هذا المقال الصحفي إلى الوقوف، بالتوالي، عند عدد من الأحداث المصيرية - محطات مؤسسة - في تاريخ المملكة المتعدد الألفيات، والتي جسدت الدور المركزي للصحراء المغربية كمكون أساسي داخل الدولة والمجتمع المغربيين.

الأدارسة       (788 - 1055)

منح مولاي إدريس الثاني، مباشرة بعد بسط حكمه على شمال المغرب، الأولوية لشمول سلطته الصحراء المغربية، استكمالا للوحدة الترابية للبلاد، حيث قاد، قبل وفاته المفاجأة، قواته جنوب مراكش، نحو ما وراء الأطلس (الصحراء. (

هذا الفعل المؤسس، الموثق لانتماء الصحراء الى مغربها و لخصوصية المملكة ، فتح الأبواب، بتعبير الجغرافي والمؤرخ إميل فيليكس غوتييه ” أمام المرابطين والموحدين: ما يبدأ هنا هو تاريخ المغرب، وهو جزء متفرد عن تاريخ المغرب العربي“ .

وقد قام ابنه مولاي عبد الله، أمير أغمات وبلاد نفيس وبلاد المصامدة والسوس، من بعده، ببناء تامدلت، بوابة الصحراء، كمنصة تواصل وتبادل لتجارة القوافل العابرة للصحراء.

المرابطون (1055 – 1144 )

تنحدر سلالة المرابطين من قبائل صنهاجة الأمازيغية الصحراوية (اجدالة، لمتونة ومسوفة)، الذين مكنوا المغرب من الارتقاء الى مصاف إمبراطورية ممتدة الأطراف بين أفريقيا وأوروبا، واضعين الصحراء المغربية في قلب معادلة تطور مسار الدولة والأمة المغربية .

لقد قام المرابطون بالتأسيس لثلاثة من ثوابث و أركان خصوصية الدولة المغربية: إمارة المؤمنين، والبيعة - الرابط السيادي الأبدي بين السلطان والشعب - والمذهب المالكي.

كما شمل الدور الأساسي للصحراء المغربية، أي ًضا، الاقتصاد المرابطي، الذي اعتمد على تجارة القوافل العابرة للصحراء، حيث عملوا على توجيه تدفقها نحو الخط الغربي، على المسلك الثلاثي (واد درعة - واد نون - واد الساقية الحمراء)، الذي وصفه ريموند موني بأنه

كان ” واحدا من طرق القوافل الصحراوية الرئيسية. “

طريق اللمتوني، الممر السلطاني

تحتفظ الذاكرة الجماعية الصحراوية بوهج تدفق الحياة الذي كان يدب عبر” طريق اللمتوني“، الممر الذي سلكه السلطان أبو بكر بن عمر، من واد نون، وواد درعة وواد الساقية الحمراء - والذي يتخلله على طول حوض الساقية الحمراء، سلسلة من اثني عشر بئرا، التي كانت تحط بها رحال قوافل الابل لروي ظمإها والتزود بالمياه، قبل البدء في خوض غمار بطون الصحراء الكبرى، أو ماصطلح عليه المؤرخين – أدباء الرحلات ب ”المجابة الكبرى“.

شكل المثلث اللمتوني، وادي نون-وادي درعة -وادي الساقية الحمراء الطريق المفضل للسلاطين لممارسة سيادتهم على الصحراء المغربية، طيلة حقب تجارة القوافل العابرة للصحراء بين المغرب وبلدان الساحل وأفريقيا -جنوب الصحراء.

الصحراء المغربية عند المؤرخ الأندلسي البكري (1094-1040(

يعتبر المؤرخ الأندلسي أبو عبيد الله البكري أول من دون ” صحراء المغرب “ لتسمية المناطق الصحراوية المغربية في مؤلفه المرجعي "المسالك والممالك“ فصل ” من وادي درعة إلى وادي تارغا - وادي الساقية الحمراء الحالي “، حيث استرسل في وصف الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الصحراء المغربية في عهد المرابطين.

المرينيون (1269 - 1465)

تعود نشأة المكون القبلي السائد، إلى يومنا هذا، في الصحراء المغربية إلى القرنين 14 و15، في عهد المرينيين، المنحدرين من القبائل الزناتية بالصحراء الشرقية، وتحديدا في عهد السلطان أبو الحسن، بحسب الباحث الإسباني د. أنطونيو فيشينتي فراي سانتشيز.

وتزامنت هجرة قبائل بني حسان من شمال المغرب إلى جنوبه، الناتجة عن الهجرة الهلالية في القرن الحادي عشر مع قدوم واستقرار االأولياء الصالحين - مؤسسي القبائل الصحراوية بحوض وادي الساقية الحمراء، نذكر منه أولاد تيدرارين (سيد أحمد بوقنبور)، ياقوت (سيد أحمد أوحسون)، فيلالة (من نسل مولاي علي الشريف)، أولاد بو سباع (شهداء بوسبع السبعة)، العروسيين (سيد أحمد العروسي) والرقيبات (سيد أحمد الرقيبي). لقد تمخضت، إذا، سياسة المرينيين الصحراوية عن ظهور المكون الحساني، المولود من انصهار قبائل صنهاجة الأمازيغية وقبائل بني حسان العربية في الصحراء المغربية.

السعديون (1465 - 1659)

تولى السعديون حكم الدولة المغربية، بعد أن قادوا المقاومة ضد الغزو الإيبيري، نتيجة لقدرتهم على استنهاض قبائل سوس ووادي درعة والزوايا الدينية، خصوصا تلك المرابطة بوادي الساقية الحمراء.

لقد عمل السعديون على إحياء التقاليد الراسخة للسلاطين المغاربة في الممارسة المباشرة للسيادة على الصحراء المغربية، عن طريق الحركة السلطانية -أي قيام السلطان بنفسه بزيارة المناطق الصحراوية ومباشرة حكمه فيها-، وضبط وتدبير السياسة الصحراوية، وعلى رأسها تسيير تجارة القوافل العابرة للصحراء.

سلطان المغرب هو الملك الوحيد للصحراء، المؤرخ فرنانديز( 1519 – 1450 (

أكد مؤرخ البرتغال فالنتين فرنانديز، عند تدوينه لانفراد البرتغال بعبور، لأول مرة، السواحل الأطلسية للصحراء المغربية (بوجدور عام 1434 ووادي الذهب عام 1435)، أنه ” لا يوجد في هذه المنطقة الغربية بأكملها، ملك آخر ولا شخص يلقب سلطانا سوى ملك فاس. “ وقاد السلطان مولاي محمد الشيخ بنفسه، سنة 1566، حركة إلى تخوم حوض الساقية الحمراء، حيث نصب العاهل السعدي خيامه، للإشراف بنفسه على إحياء تجارة القوافل عبر الصحراء، خصوصا في محور وادي درعة – وادي نون – وادي الساقية الحمراء.

مارمول كاربخال، وادي الساقية الحمراء في عهد السعديين

أشار الرحالة لويس دي مارمول كاربخال (1520-1600) في كتابه "إفريقيا" إلى، وصوله إلى وادي الساقية الحمراء، في موكب السلطان مولاي محمد الشيخ الذي كانن يقوم بحركة السلطانية في تخوم الصحراء المغربية لبعث تجارة القوافل العابرة للصحراء الكبرى. وقد وثق عالم الآثار الفرنسي أدريان بيبروجر، في كتابه Le Pégnon d'Alger, ou- -Les origines du gouvernement turc en Algérieالصادر عام 1860، إلى أن مارمول كاربخال ” في موكب الشريف محمد (الشيخ)، عبر صحاري ليبيا إلى الساقية الحمراء، الذي يشكل الخط الخلفي لحدود المغرب، ويعد هذا (السلطان) الشريف ملكا لهذه الأقاليم الغربية. “

الشيخ سيد أحد الرقيبي يبايع السلطان المنصور الذهبي

تميز عهد مولاي أحمد المنصور الذهبي، السلطان الأسود، من أم صحراوية من البرابيش، بإعادة وضع الصحراء المغربية في صلب مسار الدولة والمجتمع المغربي.

اذ قاد السلطان المنصور الذهبي عدة حركات في الصحراء المغربية وكثيرا ما سلك طريق اللمتوني لممارسة سيادته بشكل مباشر على الصحراء المغربية والاشراف على سير تجارة القوافل الصحراوية، العمود الفقري للاقتصاد السعدي.

وقد استقر السلطان الذهبي السعدي، أثناء إحدى حركاته العديدة في الصحراء المغربية، بمنطقة حوزة، بإقليم السمارة، حيث استقبل في خيمته السلطانية الولي مؤسس قبيلة الرقيبات، سيد أحمد الركيبي، تأكيدا لرباط البيعة بين السلاطين وملوك المغرب والقبائل الصحراوية.

العلويون1659 ) ،...

مولاي علي الشريف، مبايعة القبائل الصحراوية

اعتمد مولاي علي الشريف، سليل النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، على القبائل والزوايا الصحراوية لتوحيد المغرب وتطهيره من الاحتلال الأجنبي وإعادة تأسيس السلطة المركزية بعد أفول دولة السعديين.

كما عبر السلطان مولاي رشيد، سنة 1670، وادي الساقية الحمراء، سالكا طريق اللمتوني، لتوطيد سيادة الدولة، في مواجهة حالة عصيان انطلقت من وادي سوس.

السلطان مولاي إسماعيل، السلالة الملكية الشريفة الصحراوية ( 1727 - 1645(

وطد السلطان مولاي إسماعيل، الذي حكم من 1672 إلى 1727، والذي تنحدر والدته البربوشية من القبائل الحسانية الصحراوية، الروابط الخاصة بين السلاطين والملوك العلويين والقبائل الصحراوية بإضفاء أواصر المصاهرة وصلات الرحم عليها، بعد أن اتخذ كزوجة الأميرة خناثة بنت بكار المغفرية، من قبائل بني حسان والدة السلطان مولاي عبد الله وأبنائه السلاطين والملوك.

السلطان مولاي إسماعيل إمبراطور المملكتين

حمل السلطان مولاي إسماعيل لقب إمبراطور المملكتين، مملكة فاس وتافيلالت ومراكش وكذلك مملكة الصحراء الإثنتين، الصحراء الغربية والصحراء الشرقية (مغربية الصحراء في وثائق الأرشيف الملكي 16/01/2023 ,24 MEDIA

وقد قام السلطان مولاي إسماعيل، خلال فترة حكمه التي دامت نصف قرن، والتي تميزت بعصر ذهبي جديد لسياسة المغرب الصحراوية، بالعديد من الحركات السلطانية في المناطق الصحراوية، حيث تجندت خلالها القبائل الصحراوية لتجديد العهد و الولاء الراسخ لبيعة السلطان.

مصادقة السلطان محمد الرابع على النظام القضائي العرفي الصحراوي

صادق السلطان محمد الرابع (1859-1873) – بوضعه للطابع السلطاني – على مدونة العرف الصحراوي للرقيبات المرفوعة إلى جنابه من طرف قاضي القبيلة عبد الحي البربوشي الرقيبي، على إثر احتكامه للسلطة العليا القضائية للسلطان، بشأن خلاف بين قبيلتي الرقيبات وتاجكانت حول استغلال وتوزيع مناطق الرعي بحوض وادي الساقية الحمراء.

ولإظهار تشبثه بممارسة سيادته على صحرائه، عقد السلطان محمد الرابع وترأس بنفسه محكمة عليا مؤلفة من 70 قاضيا من فاس ومراكش، للفصل في هذا الخلاف القبلي.

السلاطين قادة المقاومة ضد الاستعمار في الصحراء المغربية

رفض السلطان الحسن الأول الأطماع الاستعمارية لإسبانيا بالصحراء المغربية، إثر إعلانها، سنة 1884، عن وضع نظام حماية واستعمار مناطق من الصحراء المغربية، في خرق للمعاهدة المغربية الإسبانية الموقعة في 28 ماي 1767، حيث وجه، في 18 ماي 1886، مذكرات احتجاج إلى ممثلي القوى الأوروبية المعتمدين بطنجة، وذ ّكر إسبانيا، بعد شهر، بأن ”وادي الذهب تسكنه قبيلة أولاد دليم وقبيلة العروسين الذين هم خدامنا المخلصين الذين استقروا حول مراكش وفاس. “

أعطى الولي – مؤسس قبيلة الشيخ ماء العينين، الذي بايع السلاطين مولاي عبد الرحمان (1860) والحسن الأول (1890) ومولاي عبد العزيز (1904)، زخما وصدى جديدا، في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين، للمقاومة المغربية في الأراضي الصحراوية.

وقد عين السلطان مولاي عبد العزيز، سنة 1905، بالرغم من الشروط التقييدية والتعجيزية التي نص عليها نظام الحماية، عمه مولاي إدريس بن عبد الرحمن بن سليمان مبعوثا له لقيادة المقاومة الوطنية لاسترجاع الأراضي الصحراوية إلى الوطن الأم المغرب والعمل على الحفاظ على سيادة المغرب على صحرائه.

كفاح السلطان محمد الخامس من أجل استكمال الوحدة الترابية للمغرب

شرع السلطان محمد الخامس في الانكباب على استكمال الوحدة الترابية للمملكة الشريفة، فور عودته من المنفى القسري في 16 نوفمبر  1955.

ولقد نجح جيش التحرير جنوب المملكة، المنشأ سنة 1956 تحت رعاية السلطان محمد الخامس، في إجبار الجيش الاستعماري الإسباني على التراجع والتحصن داخل ثكناته، كما تمكن أعضاء المقاومة من إدارة جزء كبير من المناطق الصحراوية باسم السلطان، من ضفاف وادي الساقية الحمراء إلى تخوم وادي الذهب، حيث عمل جيش التحرير بالجنوب المغربي على إثبات رموز الممارسة الفعلية لسيادة المغرب على صحرائه (رفع راية المملكة، الحفاظ على النظام العام، وتحقيق العدالة،( ....

كما استأنف السلطان محمد الخامس التقاليد السيادية المتمثلة في روابط البيعة الأبدية للقبائل الصحراوية بالعرش المغربي، من خلال قيامه بحركة في أقاليم جنوب البلاد، حيث عبر السلطان محقق الاستقلال، في محاميد الغزلان، يوم 25 فبراير. 1959، عن اعتزازه برؤيته ل ” الرقيبات وتكنه و أولاد دليم وسواها من قبائل الصحراء. وأن نستمع إليهم ومعهم فقهاؤهم وأدباؤهم وهم يؤكدون لنا كما أكد آباؤهم لأجدادنا تعلقهم بالعرش العلوي وتمسكهم بعروة المغرب الوثقى التي لا انفصام لها .وأننا نحيي نفوسهم الأبية وعزيمتهم القوية، ونرحب بهم في وطنهم وبين أهليهم ونؤكد لهم بدورنا -وليبلغ الشاهد منهم الغائب- أننا سنواصل العمل بكل ما في وسعنا لاسترجاع صحرائنا وكل ما هو ثابت لمملكتنا بحكم التاريخ ورغبة السكان.

الحسن الثاني، المسيرة الخضراء لاستكمال الوحدة الترابية للمملكة

لقد أبدع المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، في المبادرة بملحمة المسيرة الخضراء السلمية يوم 6 نوفمبر 1975، التي أبى 350 ألف مواطن مغربي إلا أن يشاركوا فيها لاسترجاع الأقاليم الجنوبية واستكمال الوحدة الترابية والسيادة الوطنية للمملكة، بناء على الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في 16 أكتوبر 1975، والذي اكد على أن الصحراء المغربية لم تكن أبدا ” أرضا بدون سيد “ كما أقرت بوجود روابط البيعة الثابتة بين سلاطين وملوك المغرب والقبائل الصحراوية.

وستبقى المسيرة الخضراء المظفرة عملا مؤسسا في المغرب المعاصر، تساهم في إعادة تشكيل التموقع الجيوستراتيجي للمغرب وتؤثر باستمرار في مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية ، .... للمغرب بأكمله.

صاحب الجلالة الملك محمد السادس، البعد الساحلي والإفريقي والأطلسي للصحراء المغربية

إن صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، الذي لا يتوانى في تجديد حرص جلالته على ” حسن استثمار المؤهلات التي تزخر بها الصحراء المغربية. “، أعلن، في الخطاب السامي بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء، يوم 06 نونبر 2024، الانطلاق في منح الأقاليم الجنوبية أفقا جديدا أكثر طموحا وأشمل رحابة، والمتمثل في جعلها منصة تواصل وتبادل ذات بعد ساحلي وإفريقي وأطلسي.

النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبي

لقد مكن النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، باستثمارات تزيد على 9 مليارات دولار، الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، سنة 2015، الأقاليم الجنوبية من أن تتحول إلى منطقة ذات إقلاع اقتصادي واعد (الكليات متعددة التخصصات، المدن المهنية، مراكز أقطاب تكنولوجية، الطريق السيار تزنيت-الداخلة، موانئ الداخلة وأمهيريز الأطلسية، المناطق الصناعية، ( ...

كما تشهد الصحراء المغربية، حيث تزدهر التجارة البينية الإفريقية عبر معبر الكركرات الحدودي وتتزايد الاستثمارات الدولية، تقدما اجتماعيا واقتصاديا وتوسعا حضريا متواصلا، تواكبه ديناميكية متصاعدة في فتح تمثيليات دبلوماسية وقنصلية للدول الشقيقة والصديقة، وكذلك للمنظمات الدولية. اذ افتتحت عدد القنصليات، من دول عربية وإفريقية وأمريكية لاتينية، المتواجدة بالداخلة والعيون -التي تم افتتاح أولاها في دجنبر 2019 -، لتصل الى

يقارب الثلاثين قنصلية.

الامتداد الساحلي والإفريقي والأطلسي للصحراء المغربية

لقد جدد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، في خطابه يوم 6 نوفمبر 2023، بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء، التأكيد على المضي قدما في جعل الصحراء المغربية فضاء للتواصل الإنساني، والتكامل الاقتصادي البين -إقليمي، والإشعاع القاري والدولي ومنصة للتواصل والتبادل الساحلي والإفريقي والأطلسي.

إن هذه الرؤية الملكية المتجددة للصحراء المغربية، تنسجم مع مستوى التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي ما فتأت تشهده الأقاليم الجنوبية منذ استرجاعها إلى الوطن الأم، وترمي إلى تمكينها من مواكبة متطلبات اقتصاديات المستقبل (الطاقة المتجددة، تحلية المياه، البنية التحتية العمومية، الاقتصاد البحري، الاقتصاد الأزرق، الأسطول البحري التجاري الوطني، مخطط السكك الحديدية، ...)، ومن المساهمة في إعادة تشكيل الفضاء الجيوسياسي

للمملكة.

ويندرج، في إطار هذا الأفق المستقبلي الطموح، مجهودات المملكة في تنزيل المشروع الاستراتيجي لأنبوب الغاز المغرب - نيجيريا وفي بناء الصرح المؤسساتي لآلية الدول الإفريقية الأطلسية الثلاثة والعشرين.

وسيمكن تفعيل البعد الساحلي والأطلسي للصحراء المغربية دول الساحل من إيجاد منفذ عملي على المحيط الأطلسي، ترجمة للمبادرة الملكية لتسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، والتي ستساهم في فك العزلة عن فضاء الساحل والصحراء الكبرى وفي الدفع برسم مستقبل جديد وواعد لمجتمعات واقتصادات هذه الدول.

ووعيا منها بالأهمية الجيو-استراتيجية لهذه المبادرة الملكية، أعلنت دول الساحل المشاركة في ختام أشغال الإجتماع الوزاري التنسيقي الأول حول” المبادرة الدولية لصاحب الجلالة نصره الله لتشجيع ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي “، المنعقد بمراكش، في 23 ديسمبر 2023، عن دعمها للمبادرة الملكية.

 

سيدي محمد بيد الله/ دبلوماسي مغربي