تعكس الأزمات المتواصلة التي يعيشها المغرب في عدد من القطاعات الحيوية مثل التعليم، والصحة، تسيير الشأن العام في الحكومة، والجماعات المحلية..، "تعكس" أزمة النخب المغربية خصوصا تلك التي لا تملك صفة الفاعل السياسي «المناضل».
وفي هذا الإطار، أكد محمد العمراني بوخبزة، المحلل السياسي، وعميد كلية العلوم القانونية والسياسية بمارتيل، في تصريح لأسبوعية «الوطن الآن»، على أن المغرب يعيش مشكلا على مستوى الإنتاج، وآخر على مستوى الدوران، مشددا على أن آليات إنتاج النخب صارت معطلة بشكل كبير جدا، ولا يمكن في الوقت الحالي أن نطبق عليها أي نظرية من النظريات المعروفة في الأدبيات الكلاسيكية في علم السياسة المتعلقة بإنتاج النخب.
وأضاف المتحدث ذاته: «أن المغرب يعتمد مجموعة من الآليات لإنتاج النخب، حيث كان يعتمد فيما قبل على أسر معينة لتزويد «دار المخزن»، وبالتالي كان من الضروري الأخذ بعين الاعتبار معايير محددة، تم انتقل إلى الاعتماد على النخب التي درست خارج المغرب، والتي تم الاعتماد عليها لمدة طويلة في تدبير الشأن العام، بعد ذلك أصبحنا نعتمد بشكل كبير على النخب المرتبطة بالجامعات المغربية، حين كانت هذه الأخيرة تؤدي وظائفها على مستويات متعددة، ليس فقط على مستوى التدريس، ومنح الشواهد العلمية، بل كانت مشتلا للتنشئة السياسية، خاصة طلبة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب».
وزاد محمد العمراني بوخبزة قائلا: «إن المغرب صار يعتمد على «الأخويات» بحيث في وقت من الأوقات، صار الاعتماد على النخب العلمية داخل الجامعات، بل كان البصري، يعتمد على بعض الأسماء لتحميلها مسؤوليات بوزارة الداخلية، كعمال، وولاة..تم بدأت فترة المستشار الملكي الراحل الفقيه على مستوى تدريب خريجي الجامعات الفرنسية، وخاصة البوليتكنيك..، تم تأسيس ما يشبه النادي، ويتم عبره تكليف منتسبيه مسؤوليات معينة، وانتقلنا إلى الفترة الحالية التي أخذ فيها الشأن العام أبعادا جديدة، حيث تم الانتقال من الأساليب التقليدية لتدبير الشأن العام، إلى أشكال جديدة من قبيل الحكامة..
وأضاف أن هذا الانتقال، أنتج نوعا من الهوة، بين ما ترغب فيه الدولة من نمط جديد في التدبير، وما هو موجود داخل الساحة من نخب، مشيرا إلى أن هذه النخب مرتبطة بالجامعة المغربية التي تعيش بدورها أزمة حقيقية، مما أثر على إنتاجيتها، وبالتالي ربما بدأ الآن التفكير في الأشكال الجديدة لاستقطاب نخب جديدة.
وفي هذا الإطار، استحضر العمراني بوخبزة اعتماد المغرب على نخب جديدة في قطاع الرياضة، «كرة القدم»، حيث تم استقدام كفاءات رياضية مغربية من الخارج، وصار هناك توجه لجلب الكفاءات المغربية في الخارج، بالرغم من عدد من الصعوبات المادية، والمعنوية، حيث يحتاج الأمر إلى إغراءات للانتقال إلى المغرب، لكن ما يلاحظ بين سطور النموذج التنموي، هناك محور خاص بكيفية جلب الكفاءات المغربية بأرض المهجر.
مشيرا إلى أن عبد اللطيف ميراوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، يبحث عن صيغ لجلب الكفاءات العلمية المغربية بالخارج، للولوج إلى المغرب، وهو نفس التوجه لدى القطاعات الأخرى، في ظل هذه الأزمة.
من جهة أخرى، أكد محاورنا على أن الأزمة التي نعيشها، سببه عدم وجود نخبة منافسة لما هو موجود الآن، وهو الإشكال الذي طرحته الفقرة الأولى من الفصل 47 من الدستور، دون إعارة الاهتمام لذلك، بحيث أن الأحزاب السياسية في المغرب، أضحت تبحث فقط على المركز الأول لتشكيل الحكومة، وبالتالي صارت جميع الأحزاب السياسية تتهاتف على كل من يستطيع الفوز على مقعد في الانتخابات التشريعية، بغض النظر عن الوسيلة، على اعتبار أن الغاية تبرر الوسيلة.
وأضاف في هذا الإطار، أن التنافس على المقاعد بهذا الشكل، أسفر عن تغير مجموعة من المفاهيم، وبالتالي لم يعد للمناضل وجود في العمل الحزبي المغربي، وصار المحدد للترشيح للانتخابات في المغرب هو «مول الشكارة»، وكما هو معروف، المال في المغرب يعكس طبيعة الاقتصاد الوطني، الذي يعاني من انعدام الهيكلة بنسبة 80 في المائة.
وأوضح بهذا الخصوص، أن جزءا كبيرا من الأغنياء، أو ممتلكي الثروة، مصدرها هذا الاقتصاد غير المهيكل، وبالتالي هناك ترواث من مصادر غير مشروعة، مما أسفر عن كون جزء كبير من القوى المالية في الساحة، تتوفر على اعتمادات تسمح لها بالتنافس على التزكيات، والتنافس على المقاعد، وهو ما أعطى الصورة الحالية، وبالتالي فهناك صراع بين الاقتصاد المهيكل، وغير المهيكل، يقابله صراع بين نخب ذات كفاءة بتنشئة سياسية، تدرجت بين ما هو نظري، وما هو عملي على المستوى السياسي، وفئة أخرى وصلت بسرعة إلى مقاعد المسؤولية بدون أدنى كفاءة، وغالبيتها الآن وراء القضبان، أو في حالة متابعة قضائية.
وخلص المتحدث ذاته إلى أن الأصل في أزمة النخب، يتمثل في الجامعة المغربية التي تعاني بشكل كبير جدا، كما يقول المثل «من الخيمة خرج مايل»، كان من المفروض أن هذه الجامعات هي من يزود الحقل السياسي بنخب لكي تتأقلم مع الأنماط الجديدة التي يحتاجها المغرب المعاصر، لكن الذي وقع، تراجع المستوى الدراسي، لم يعد هناك اتحاد وطني لطلبة المغرب لإنتاج نخب المستقبل، كما كان يحدث سابقا، فهناك عدد من الأشخاص في مراكز القرار تمرسوا في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وبالتالي فواقع الجامعات فرض نفسه على مستوى مراكز القرار، والنخب المطلوبة.