الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

سميحة لعصب: قراءة في الوضع التعليمي وآفاق الاحتجاج

سميحة لعصب: قراءة في الوضع التعليمي وآفاق الاحتجاج سميحة لعصب، عضو المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية
لا زال استمرار الاضرابات في قطاع التعليم يُثير الكثير من التساؤلات، خاصة من زاوية تحديد أهدافه وغاياته. ولعل أهم ما ينبغي التركيز عليه في هذه المرحلة، هو مدى ما تحقق من مكتسبات وتحديد الآفاق المستقبلية إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.
 
في الوضع الحالي..
إننا أمام وجهتي نظر مختلفين. فإما أن نعتبر أنه لن يتحقق أي شيء في هذه المرحلة أكثر مما تحقق، وإما أن نعتبر أنه هناك إمكانيات للمزيد من المكتسبات. وبين هذين الرأيَيْن، ينبغي استحضار أن المعارك النضالية تتداخل فيها مراحل القوة والضعف، وبالاندفاع والتراجع، وبالتالي فإنه على "القيادة" الميدانية أن تكون متبصرة وواعية وقادرة على فهم الإشارات وتشفير الرسائل، وطبيعة المرحلة.
إن ما تقوم به بعض التنسيقيات، التي تقودها وجوه غير ذات طبيعة نقابية، ولا حتى ذات مشروعية نضالية، تعمل وفق منعج اندفاعي، لا يهمه إلا اغتنام أي فرصة لمعاكسة نظام الدولة، تحت شعارات متناقضة. فمن تيارات تستهدف مراهقة السطو على نضالات الفئات الشعبية المتضررة، والركوب عليها للضغط على الدولة، إلى تيارات لا زالت تحلم بزمن بطولات كل من لينين وتشي جيفارا. فإذا كان الطرف الأول يُريد أن يستعمل الجماهير الشعبية ونضالاتها المشروعة لتحقيق أهداف تنظيمها الديني، فإن الطرف الثاني يُحاول إفراغ النضالات المختلفة من مضمونها وإبعادها عن المنحى الذي تسير فيه، وبين هذا وذاك يتم ارتكاب جريمة في حق المدرسة العمومية عن طريق تعطيل السير العادي لأهم مرفق عمومي داخل الدولة، وإلحاق الضرر بالمجتمع، وأساسا بالفئات الشعبية التي لا تستطيع توفير التعليم الخاص لأبناءها.
 
ما المطلوب منا في الظرف الحالي؟
إن أبناء المغاربة يحتاجون منا، كحركات نضالية ونقابية مسؤولة، أن لا نُساهم في تكريس الفوارق الاجتماعية، وفي تعميق الفجوة بين أبناء الشعب الواحد ممن يدرس في المدارس الخصوصية حيث يتلقى تعليما كاملا إلى حدود كتابة هذه الأسطر ويُشكلون الأقلية، وبين البعض الاخر من أبناء الشعب ممن يتلقون تعليمهم بالمدارس العمومية، والذين يشكلون الجزء الأعظم من مجتمعنا ممن لا يستفيد من حقه في التعلم نتيجة هذه الإضرابات التي فقدت البوصلة.
ولذا، لا ينبغي بتاتا أن نكون شركاء ولا متعاونين مع من يعمل على تخريب المدرسة العمومية، ولا أن نصبح مثلهم أداة من بين الأدوات التي تبطش بأبناء الوطن. كما أننا لن نسمح لأنفسنا أن نكون مساهمين في تعميق الهوة وتكريس الفئوية والطبقية في أوساط مجتمع نطمح أن ينعم فيه الكل بالمساواة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
حقيقة، أن قطاع التعليم من بين القطاعات الحكومية التي تعج بمشاكل لا عد ولا حصر لها، رغم تعدد البرامج والخطط الإصلاحية، ورغم الإستراتيجيات المتتالية، التي لم تؤدي لنتائج ملموسة، فالدةلة لحد الآن ما والت تبحث عن التعويدة المناسبة للوصول لبلوغ تعليم مناسب يبوِّئ المغرب مراتب متقدمة في التصنيف العالمي. لقد أنفقت الدولة ميزانيات لا نعرف كيف تم صرفها، وكان آخرها هو المخطط الاستعجالي لإصلاح التعليم، والذي لم تترتب عنه إلا ضياع هذه الميزانيات الضخمة، وبقاء الوضع التعليمي على ما هو عليه.
ومما زاد في تأزيم وضعية التعليم ببلادنا، النظام الأساسي لقطاع التربية الوطنية، الذي كشف عن بؤس التدبير الحكومي، وتيه الرؤية التي لم تجد في الأستاذ إلا ذاك المُذنب الذي يجب معاقبته وإخضاعه بشكل مذل ومهين إلا أن فطنة ووعي الاساتذة كانت في اللحظة التاريخية المناسبة، وتم تحقيق إعادة الاعتبار إلى حد ما، بالرغم مما زال ينتظرنا من إصلاحات جوهرية. فالأستاذ هو أساس الإصلاح، وعماد التقدم والازدهار في أي بلد من البلدان. ويكفي دراسة وتحليل مكانة رجل التعليم في الدول التي نعتبرها متقدمة، والتي يُصَنف التعليم بها في مراتب متقدمة.
 
نحو مقاربة تشاركية إيجابية ومسؤولة
إن ما يجري ببلادنا، والذي جعل الحكومة تعترف بخطئها، وتدفع الوزارة الوصية إلى التراجع عن محاولتها إخضاع الأستاذ، وتجميد النظام الأساسي، وفتح جولات حوار للتعديل والتشاور والاستماع، يُعذ خطوة في الاتجاه الذي لا يمكنه إلا اعتماد المقاربة التشاركية، مع المنظمات النقابية المسؤولة، رغم كل التأخر الذي طالها وكل التماطل الذي صاحبها، والذي كان من نتائجه هدر الزمن المدرسي، وبالتالي هدر الزمن السياسي.
إن الجيل الحالي، ينبغي لآن يتحمل مسؤوليته أمام الأجيال القادمة، التي تقوم الحكومة بهدر زمنها التعليمي، والتي ستتأثر ولا شك في ذلك بمد. قدرتها على الاندماج في المسلسل التنموي الذي تنشده بلادنا. ومن هذه الزاوية، لا يُمكننا إلا أن نزكي كل المبادرات التي تستحضر دقة المرحلة، وتضع مصلحة الفئات الشعبية وحقها في تعليم بناتها وأبناءها فوق كل اعتبار. فنحن مع كل ما يُساهم في التقليص من معالم الطبقية واللامساواة، ونحن مع تحقيق العدالة الاجتماعية، التي لن تكون إلا في إطار دولة اجتماعية، عمادها تعليم شعبي ديمقراطي.