السبت 4 مايو 2024
منبر أنفاس

الفرفار: معركة النظام الأساسي.. من أجل معركة اخلاقية

الفرفار: معركة النظام الأساسي.. من أجل معركة اخلاقية العياشي الفرفار
يبدو أننا أمام أزمة جديدة بساحات المدرسية العمومية. وزارة تصر على تنزيل النظامه الأساسي الجديد، والنقابات المشاركة في صياغة النظام صامتة، في حالة فشل كلي و التنسيقيات تتكاثر، وتتبنى خطابات التصعيد  والتلميذ الخاسر الاكبر. 

التوتر الذي يسود يكشف أن عمق الأزمة يكمن في تقتيت العمل النقابي. فالنقابات لم تعد لها قدرة على التأطير وفرض الالتزام وفقدت سلطتها الرمزية والشرعية.

فرضية "موت العمل النقابي" هو افتراض بتداعيات خطيرة، الأمر  يقود الى الفوضى و الشتات وهو ما يقع الان. كل فئة تنسق دفاعا عن مصالحها الخاصة،  وهنا تكمن هشاشتها في غياب المبدا المؤسس. الترافع هو موقف قيمي وقناعة أخلاقية والتزام اخلاقي. أما التنسيق المرحلي فهو مجرد تكتيك خاضع لمنطق الحسابات و السياقات. 

عمق الازمة يكن في طبيعة الفعل النقابي الذي فقد بريقه، حين اصبح فعلا محصورا في اللقاءات المكيفة، وأخذ الصور و ترك الساحات فارغة وترك الاستاذ يعيش محنته وحيدا.

فالنظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية دخل حيز التطبيق بمجرد نشره بالجريدة الرسمية تنفيذا لمخرجات الاتفاق بين الوزارة الوصية والنقابات الأربع الاكثر تمثيلية، الذي ثم تحت اشراف رئيس الحكومة بتاريخ 14 يناير 2023. 
 
النظام الاساسي الجديد أنتج الكثير من الصمت لمن يؤيدون النظام والكثير من الاحتجاج لمن يرفضون، بين النقابات تعيش لحظات خواء وغياب الوزن ربما هي تعيش خارج الزمن اليومي  للاستاذ.

جملة ملاحظات تستوقف أي مهتم بالمدرسة المغربية العمومية: ان السياق الحالي يوحي بأجواء مواجهة مفتوحة، اكثر من اربعة عشر تنسيقا فئويا يقررون الاتفاق على مواجهة النظام الاساسي وتحويل ايام الدراسة الى ايام عطل. 

الإصرار في لعبة شد الحبل، والتهديد بمقاطعة الدراسة من طرف التنسيقيات الرافضة يكشف أن المواجهة ستكون قاسية بين الوزارة والتنسيقيات في غياب مؤسسات الوساطة لاسيما النقابات ودون استحضار حق التلميذ في التمدرس. 

الازمة معقدة، الصراع مرشح أن يكون طويلا اذا لم تنتصر الحكمة، والانتصار للطرف الأضعف في المنظومة: التلميذ والأسرة البسيطة التي تراهن على المدرسة العمومية، اما من يستطيع الدفع فالخيار السهل هو التعليم الخصوصي.

الوازرة لا تملك فرصة التراجع، والتنسيقيات مصرة على المواجهة، مما يرشح الوضع لمزيد من تبديد الزمن المدرسي وتوتير الأجواء. اربعة عشر تنسيقا من اجل اسقاط النظام الاساسي، رغم اختلاف المطالب والوضعيات والضحية معروف سلفا.

الطرف الأضعف في المواجهة، التلميذ الذي لا يملك نقابة تدافع عنه، وهنا تكمن عمق المشكلة. ربما هو ليس طرفا بقدر ماهو مجال مواجهة، وحقل صراع فيه تخاض المواجهات باسم التلميذ وليس من أجله. قد يعتبر البعض أنها مواجهة غير أخلاقية، لان التلميذ اصبح رهينة ووسيلة ضغط من أجل تحقيق مطالب المحتجين.

الواقعية تعني أنه لا توجد مواجهة أخلاقية، كل طرف يبحث عن كسب المزيد من النقاط في مواجهة صعبة.
تحويل التلميذ الى رهينة سلوك غير مقبول، وعدم مراعاة  الوزارة لحساسية الوضع وبناء نظام تحفيزي غير عادل  من خلال نظام التعويضات الذي انتصر لفئات الادارة والتفتيش على حساب هيئات التدريس، ما يمنح للصراع مقومات استمرار التوتر وهو مؤشر ان الطرفين معا على خطأ. 

 لذا، من أجل التلميذ تبرز الحاجة الى حوار جدي يجعل من مصلحته رهانا مشتركا، آنذاك ستذوب كل الخلافات من أجل التفرغ لتدبير الزمن المدرسي بشكل فعال وناجع، بدل تبديده في مواجهات الاستنزاف. الاعتقاد ان الانحياز لحق التلميذ في التمدرس هو موقف ضد الأستاذ، هو استنتاج غير دقيق، لأن مهمة الأستاذ انسانية في جوهره وتكمن في ضمان حق التلميذ من أجل التعلم، وأن جوهر التدريس هو رسالة قبل أن يكون وظيفة.

ربما البعض يحلو له ان يسمي ما يجري معركة نضالية كبيرة من أجل تحرير المدرسة العمومية من الفوضى، ورد الاعتبار لها وهو اشارات كبيرة تستحق المساءلة،  وأن رفع شعار كبير مثل اعادة الاعتبار للمدرسة العمومية، وبشكل فجائي يشكل أمر غير مقبول في معارك ذاتية.

 أن الشعارات الكبرى لا تخدم اية قضية، وإنما هي سبب في خلق الازمات وليس حلها، وهو ما أشار إليه المفكر الماركسي جورج سوريل حين اعتبر أن الازمات الكبرى ارتبطت برفع الشعارات الكبرى. إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية لا يمكن ان يكون قرارا ظرفيا مرتبط بفئة لها سلة مطالب اهمها رفع الأجور تماشيا مع واقع التضخم وارتفاع الأسعار.

المطلب مشروع لكن يخاض بشعارات مغلوطة، فالمدرسة العمومية هي عنوان أزمة بنيوية معقدة وكبيرة، حلها لا يرتبط برفع شعار أو تنظيم مسيرة حتى لو كانت مليونية، وإنما مرتبط بطبيعة ورهانات الدولة، أولا ويقظة المجتمع ثانيا، والتوافق بين مؤسسات الدولة والمجتمع. 

لعل تاريخ تحويل الظرفي إلى أمر  دائم، هو  ثابت تنظيمي في تدبير الشأن التعليمي، الأساتذة العرضيين ثم إدماجهم، ومنشطو التربية الغير النظامية ثم إدماجهم، والراسبون في امتحانات التخرج في مدارس التبريز ثم ترسيمهم. نفس الحالة ونفس الهدف ادماج المتعاقدين بغض النظر عن التسمية لأن المهمة اهم من التسميات. المواجهة مع الوزارة من أجل الإدماج هي مواجهة لها ما يبررها، لكنها للأسف مواجهة على حساب التلميذ وحق التلميذ في التعلم، الوزارة  ربما أخطأت حين أنجزت اكثر من 14 اجتماعا من نقابات يبدو انها صورية لا تملك حضورا في الواقع، وانها في لحظات الازمة تختفي وتترك المواجهة مفتوحة بين طرفين يصعب أن يلتقيا لان الوزارة يصعب عليها التعامل مع القطاع بهذه الطريقة المفتتة حيت تتكاثر التنسيقات بشكل غريب.  

أهداف الاحتجاجات مشروعة لكنها تتم بطرق غير اخلاقية، حين يتم تجاهل حق التلميذ في التمدرس، لأنه لا يعقل أن تطالب بحق على حساب حقوق الآخرين . بالامس ثم حرمان تلميذ من فرحة الاضطلاع على نتائج عمله، من المفارقات ان يحرم الأطفال ما تستفيد منه الكبار في لحظات ترقب نتائج امتحانات الترقية او الحركة الانتقالية.
 
من أجل مشروعية الضغط يجب التفكير اكثر قوة واكثر اقناعا و أكثر تأثيرا، يجب التفكير في خوض معركة بنفس اخلاقي ومؤسسة على سند اخلاقي بما يضمن لها القوة و الاقناع و القبول والاستمرارية .قد يحتج البعض ان كل المعارك ليست اخلاقية لانه تعتمد على القوة و ليس على الحق ، وهنا يكمن سر القوة ان يكون الحق أساس المعركة وبالحق، أن تصبح المعركة اخلاقية معناه ان يمارس الاحتجاج و كل الأشكال النضالية في وقت الاستاذ وليس في وقت التلميذ. حين نرى احتجاجات الاساتذة في أيام العطل سيتحول الاستاذ الى قدوة يقود التغيير انذلك ستصبح المعركة معركة الجميع. سيكون مدهشا مواجهة وزارة متعنتة بالأخلاق ومن اجل الاخلاق كما فعل غاندي ملهم الفكر الثوري الانساني والذي حرر الهند دون عنف . واستلهام روح وفلسفة المسيرة الخضراء 1975 حين الهم الحسن الثاني العالم وأن تحرير الأرض دون اراقة قطرة دم واحد لكن بالكثير من السلم واللاعنف استرجعنا الأرض وحررنا الإنسان .حين نضمن حق التلميذ في التمدرس سنكون قد اخترنا السلاح الأكثر قوة والأكثر تاثيرا وهي الاحتضان الشعبي والمجتمعي للقضية. غير ذلك ستكون مواجهة بالعنف وسينتصر من يملك مصادر القوة المادية، أما المنهزم فهو التلميذ واسرة التلميذ ومجتمع التلميذ. قد نتفهم حضور الفعل السياسي لبعض التنظيمات التي تحاول بناء ذاتها من خلال الاستثمار في ثقافة الأزمة، والانتعاش في الأزمة وتحويلها الى فعل نقابي  لكن مهمة الوزارة هو تجفيف مساحات التوثر من أجل التلميذ، بضمان وحماية الزمن الدراسي بدل تبديده.