"الله.. الله.. الله يا مولانا..والغني مولانا..بسم الله باش نبدا راه عندي مختارة..على غرار هذه المقاطع وغيرها تدخل الطوائف العيساوية، القادمة من مختلف المناطق المغربية إلى العاصمة الإسماعيلية مكناس متجهة صوب ضريح الشيخ الكامل مؤسس الطريقة العيساوية، مزهوة بلباسها البهي من " الحنديرة " الصوفية الحمراء المزينة بـ "الموزون" والجلابة والقشابة، وهي تردد الأذكار والقرآن والتوسلات التي تصاحبها نغمات موسيقية من الطبول والمزامير والدفوف و الطعارج وحركات راقصة للعيساويين، احتفاء بذكرى عيد المولد النبوي الشريف، بدءا من يوم الخميس 12 ربيع الأول 1445 الموافق ل 28 شتنبر 2023 ، وهي تردد الأذكار والتوسلات والأدعيات التي تمتزج بموسيقى من المزامير والطبول والدفوف وطقوس خاصة في الأداء، تعطي طابعا فرجويا بديعا ومشاهد مسرحية رائعة..
وتشكل الطريقة العيساوية مظهرا فنيا للصوفية، فالمتتبع لها يدرك السر في سبقها للطرق الصوفية الأخرى، كونها أخذت من أورادها وتسابيحها وأحزابها وسيلة للمؤانسة والاطمئنان النفسي، مما يجعل المتتبع لحركاتها يشعر بنوع من الانتشاء الروحي الذي يغمر كيانه.
وتذكر الروايات أن محمد بن عيسى شيخ الطريقة العيساوية أو من ينوب عليه من مريديه المقربين، كان يجلس بين الناس في يوم المولد مرتديا ثيابه البيض الفاخرة، في زينة وأبهة عظيمة، وبعد تلاوة آيات من القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يتقدم وسط الجماعة، ثم يتناول التمر، فينطلق بعدها الذكر والصلاة الجماعية على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وتزايد تأثير وانتشار الفن العيساوي في المغرب، خاصة منذ القرن 15 بعد سقوط غرناطة عام 1492 آخر معقل للمسلمين في الأندلس، فورث العيساويون هذا الإرث الثقافي والفن، لذلك انبهر الفرنسيون مثل إميل درمنقهام ولويس باس في المجلة الإفريقية، حيث كتبوا عن هذا الفن العيساوي، بحيث امتاز بالإيقاع الموسيقي الموزون والذي يؤدى بشكل جماعي وبصوت واحد ، وهذا ما يعرف بالحضرة عند الصوفية، بحيث تبد أ الحضرة بالجلوس ثم يبدأ الذكر الذي يكون مصحوبا بالسماع، ويقصد بالسماع هنا الإصغاء إلى ما يكر من ذكر أو ترتيل آيات أو نشيد من أشعار، وتستغرق في نشوة روحية تغيب فيها عن الوجود، وتأخذ السامعين تشوة الطرب فتحدث في هذه الحضرات أمور تتجاوز حدود العبادة، كفقدان الوعي ونحو ذلك، ويعتبر شيوخ التصوف أن هذه الممارسات حالات عابرة ويقولون أنها لا تصدر عن نية مقصودة ولذلك لا يحاسب أصحابها.
وتعد الطريقة العيساوية من الطرق الصوفية الذائعة الصيت في المنطقة المغاربية، بل وتعدى ذلك إلى أرض الكنانة. يقول عنها مؤسسها الشيخ الكامل: "طريقتنا لا تدخل في قلب قاسٍ، ولا في جسم عاصٍ، ولا في عقد جاهل، ولا تُدرك بالقياس، ولا هي خارجة عن الكتاب والسنة، بل هي حكمة عُليا وموهبة أوليَّة على السنة والنية ومُسَاقة على أثر الأنبياء والأولياء".
ولعل أجمل ما في موسم الهادي بنعيسى بمكناس هو الطابع الاحتفالي المتميز، والذي يبرز الجانب الفني للظاهرة العيساوية، والذي يشد الجمهور كأنه عرض مسرحي رائع، ولعل العنصر الفني البارز في الطريقة العيساوية هو الموسيقى التي تصاحب الأذكار والأناشيد، سواء في الليلة العيساوية أو خلال موسم عيد المولد النبوي، حيث ترتفع الأصوات أحيانا وتعود وتيرتها فتعتدل وتتلون في التلحين والأداء بشكل فني وتحضر في هذا الأداء مجموعة من الآلات الموسيقية: الطعارج، النحاسة، المزامير، الغيطة، الطبول، النفير، تبعا لبناء وتدرج مكونات الليلة العيساوية.. فالذكرات تكون بالطعارج فقط ، لكن في مرتبة منها يستعمل النفير (مثلا آخر فقرة من الذكر)، ثم هناك أيضا مرتبة وما الحرم إلا قصيدة تضرع للحماية بحرم رسول الله يقول مطلعها :
"الحرم يا رسول الله.. الأمان يا حبيب الله.. الحرم جيت عند قاصد يا سيدي رسول الله..". ويقوم "الحضارة" للرقص عليها بتأثير من إيقاعات البندير والطبيلة والطاسة والتعارج.. تارة إلى الأمام وتارة إلى الخلف، في صف واحد، ويقف أمامهم "العلام" (وهو واحد من الفقراء يومئ لهم بالحركات والكلام). ثم مرتبة الدرقاوية "أيا بابا وانا خديم سيدي رسول الله يلا رضى لي"؛ ومرتبة حد في الذكر العيساوي "يا احد يا رحمان"..
نغمات الطبول والإيقاعات تكون ألوان من الحضرة أو الرقص هو ما ينقلنا من الموسيقى كإطار فني إلى عنصر آخر، وهو الجانب الفني المتعلق بالحركة الجسدية التي يتم توظيفها في الطريقة العيساوية تماما مثل العبادة التي تحضر فيها الحركات الجسدية الحج مثلا (السعي نحو الصفا والمروة) ، الصلاة التي ليست إلا مجموعة من الحركات (قيام ركوع سجود جلوس..)؛ لكن الحركة في الطريقة العيساوية تقترن بالموسيقى وايقاعات مختلفة تجمع تحت مصطلح " الحضرة "، وهي أنواع، مثلا "الحرم يا رسول الله.." تتم فيها الحضرة بهدوء ثم ترتفع لتصل إلى قوة أكبر عندما نصل إلى "الفريسة" في الظاهرة العيساوية التي يتشبه فيها العيساويون بأنواع من الحيوانات والوحوش في حالة صيد وافتراس. لذلك نجد ظاهرة "السبع" و"اللبيات" و"الذيب" كمصطلحات عيساوية، ويحاول الذئب أن يستعمل القناع كعنصر مسرحي، مما يضفي طابعا من الفرجة...وهي الطقوس التي غابت عن احتفالات عيد المولد في السنوات الأخيرة؛ ثم هناك "الهدية" في موسم المولد النبوي كعنصر من الشعائر الدينية؛ حيث تكون الهدايا عبارة عن تيران فحول مزينة بالحناء وأغطية بيضاء وألوان خضراء، كما تحمل الزرابي والشموع في موكب مهيب نحو ضريح الهادي بنعيسى مؤسس الطريقة.
وتكون " الخرجة " من بيت المقدم نحو ضريح الشيخ الكامل المتواجد بالمدينة العتيقة لمكناس، وعلى امتداد سبعة أيام تجد طائفة تلو الأخرى تعبر شوارع المدينة وهي تشكل صفوفا متراصة والكل يؤدي رقصة "الحضرة" في عفوية تامة وانسجام، وهم يرددون الأذكار الربانية مع نغمات الموسيقى العيساوية وإيقاعاتها؛ وتساق الهدايا إلى الضريح تقربا إلى الله تعالى وتوسعة عن الناس و المريدين والزوار. لكن العنيف فيها هو التمرغ الذي نلاحظه في الذبح أو شرب الدماء..إنه التمازج الجميل بين الجانب الفني والجمالي والجانب الصوفي الذي تصنعه الطريقة العيساوية.
وتشكل الطريقة العيساوية مظهرا فنيا للصوفية، فالمتتبع لها يدرك السر في سبقها للطرق الصوفية الأخرى، كونها أخذت من أورادها وتسابيحها وأحزابها وسيلة للمؤانسة والاطمئنان النفسي، مما يجعل المتتبع لحركاتها يشعر بنوع من الانتشاء الروحي الذي يغمر كيانه.
وتذكر الروايات أن محمد بن عيسى شيخ الطريقة العيساوية أو من ينوب عليه من مريديه المقربين، كان يجلس بين الناس في يوم المولد مرتديا ثيابه البيض الفاخرة، في زينة وأبهة عظيمة، وبعد تلاوة آيات من القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يتقدم وسط الجماعة، ثم يتناول التمر، فينطلق بعدها الذكر والصلاة الجماعية على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وتزايد تأثير وانتشار الفن العيساوي في المغرب، خاصة منذ القرن 15 بعد سقوط غرناطة عام 1492 آخر معقل للمسلمين في الأندلس، فورث العيساويون هذا الإرث الثقافي والفن، لذلك انبهر الفرنسيون مثل إميل درمنقهام ولويس باس في المجلة الإفريقية، حيث كتبوا عن هذا الفن العيساوي، بحيث امتاز بالإيقاع الموسيقي الموزون والذي يؤدى بشكل جماعي وبصوت واحد ، وهذا ما يعرف بالحضرة عند الصوفية، بحيث تبد أ الحضرة بالجلوس ثم يبدأ الذكر الذي يكون مصحوبا بالسماع، ويقصد بالسماع هنا الإصغاء إلى ما يكر من ذكر أو ترتيل آيات أو نشيد من أشعار، وتستغرق في نشوة روحية تغيب فيها عن الوجود، وتأخذ السامعين تشوة الطرب فتحدث في هذه الحضرات أمور تتجاوز حدود العبادة، كفقدان الوعي ونحو ذلك، ويعتبر شيوخ التصوف أن هذه الممارسات حالات عابرة ويقولون أنها لا تصدر عن نية مقصودة ولذلك لا يحاسب أصحابها.
وتعد الطريقة العيساوية من الطرق الصوفية الذائعة الصيت في المنطقة المغاربية، بل وتعدى ذلك إلى أرض الكنانة. يقول عنها مؤسسها الشيخ الكامل: "طريقتنا لا تدخل في قلب قاسٍ، ولا في جسم عاصٍ، ولا في عقد جاهل، ولا تُدرك بالقياس، ولا هي خارجة عن الكتاب والسنة، بل هي حكمة عُليا وموهبة أوليَّة على السنة والنية ومُسَاقة على أثر الأنبياء والأولياء".
ولعل أجمل ما في موسم الهادي بنعيسى بمكناس هو الطابع الاحتفالي المتميز، والذي يبرز الجانب الفني للظاهرة العيساوية، والذي يشد الجمهور كأنه عرض مسرحي رائع، ولعل العنصر الفني البارز في الطريقة العيساوية هو الموسيقى التي تصاحب الأذكار والأناشيد، سواء في الليلة العيساوية أو خلال موسم عيد المولد النبوي، حيث ترتفع الأصوات أحيانا وتعود وتيرتها فتعتدل وتتلون في التلحين والأداء بشكل فني وتحضر في هذا الأداء مجموعة من الآلات الموسيقية: الطعارج، النحاسة، المزامير، الغيطة، الطبول، النفير، تبعا لبناء وتدرج مكونات الليلة العيساوية.. فالذكرات تكون بالطعارج فقط ، لكن في مرتبة منها يستعمل النفير (مثلا آخر فقرة من الذكر)، ثم هناك أيضا مرتبة وما الحرم إلا قصيدة تضرع للحماية بحرم رسول الله يقول مطلعها :
"الحرم يا رسول الله.. الأمان يا حبيب الله.. الحرم جيت عند قاصد يا سيدي رسول الله..". ويقوم "الحضارة" للرقص عليها بتأثير من إيقاعات البندير والطبيلة والطاسة والتعارج.. تارة إلى الأمام وتارة إلى الخلف، في صف واحد، ويقف أمامهم "العلام" (وهو واحد من الفقراء يومئ لهم بالحركات والكلام). ثم مرتبة الدرقاوية "أيا بابا وانا خديم سيدي رسول الله يلا رضى لي"؛ ومرتبة حد في الذكر العيساوي "يا احد يا رحمان"..
نغمات الطبول والإيقاعات تكون ألوان من الحضرة أو الرقص هو ما ينقلنا من الموسيقى كإطار فني إلى عنصر آخر، وهو الجانب الفني المتعلق بالحركة الجسدية التي يتم توظيفها في الطريقة العيساوية تماما مثل العبادة التي تحضر فيها الحركات الجسدية الحج مثلا (السعي نحو الصفا والمروة) ، الصلاة التي ليست إلا مجموعة من الحركات (قيام ركوع سجود جلوس..)؛ لكن الحركة في الطريقة العيساوية تقترن بالموسيقى وايقاعات مختلفة تجمع تحت مصطلح " الحضرة "، وهي أنواع، مثلا "الحرم يا رسول الله.." تتم فيها الحضرة بهدوء ثم ترتفع لتصل إلى قوة أكبر عندما نصل إلى "الفريسة" في الظاهرة العيساوية التي يتشبه فيها العيساويون بأنواع من الحيوانات والوحوش في حالة صيد وافتراس. لذلك نجد ظاهرة "السبع" و"اللبيات" و"الذيب" كمصطلحات عيساوية، ويحاول الذئب أن يستعمل القناع كعنصر مسرحي، مما يضفي طابعا من الفرجة...وهي الطقوس التي غابت عن احتفالات عيد المولد في السنوات الأخيرة؛ ثم هناك "الهدية" في موسم المولد النبوي كعنصر من الشعائر الدينية؛ حيث تكون الهدايا عبارة عن تيران فحول مزينة بالحناء وأغطية بيضاء وألوان خضراء، كما تحمل الزرابي والشموع في موكب مهيب نحو ضريح الهادي بنعيسى مؤسس الطريقة.
وتكون " الخرجة " من بيت المقدم نحو ضريح الشيخ الكامل المتواجد بالمدينة العتيقة لمكناس، وعلى امتداد سبعة أيام تجد طائفة تلو الأخرى تعبر شوارع المدينة وهي تشكل صفوفا متراصة والكل يؤدي رقصة "الحضرة" في عفوية تامة وانسجام، وهم يرددون الأذكار الربانية مع نغمات الموسيقى العيساوية وإيقاعاتها؛ وتساق الهدايا إلى الضريح تقربا إلى الله تعالى وتوسعة عن الناس و المريدين والزوار. لكن العنيف فيها هو التمرغ الذي نلاحظه في الذبح أو شرب الدماء..إنه التمازج الجميل بين الجانب الفني والجمالي والجانب الصوفي الذي تصنعه الطريقة العيساوية.