الجمعة 3 مايو 2024
منبر أنفاس

فاطمة أبو عمشة: النظام النقدي الدولي في ظل الذكاء الاصطناعي

فاطمة أبو عمشة: النظام النقدي الدولي في ظل الذكاء الاصطناعي فاطمة أبو عمشة
إن النظام النقدي في الساحة الدولية تدارك سباق الذكاء الاصطناعي بل كان من الأوائل الذين توغل بهم الذكاء الاصطناعي ليخلق داخل النظام النقدي أنظمة يحال على البشر تخيلها والإلمام بها بسهولة بدء من العملات الرقمية حتى التجارة الإلكترونية، وتبين هذا منذ الأزمة المالية العالمية (GFC) في 2008-2009 م، تم تكليف البنوك المركزية بمسؤوليات جديدة تشمل قياس المخاطر النظامية، والتنظيم والإشراف المصرفي، والعملات الرقمية، وتغير المناخ، كما تعود هذه المسؤوليات جزئياً إلى جمع مصادر البيانات الجديدة والوصول إليها - إدخال البنوك المركزية إلى "البيانات الضخمة"، وخلال هذه المرحلة اكتسب الذكاء الاصطناعي (AI) والتعلم الآلي (ML) أهمية في هذه العملية، بحيث يمكن للذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، على وجه الخصوص، تحسين قاعدة البيانات لقرارات السياسة النقدية للبنوك المركزية، على سبيل المثال، من خلال توفير معلومات أكثر اكتمالاً وفورية ودقيقة لاستكمال مؤشرات (الاقتصاد الكلي) الحالية، وعلاوة على ذلك، فإنها توفر أدوات جديدة لتحليل البيانات الضخمة بكفاءة، وبالتالي تسهيل قرار السياسة النقدية.
وتباعاً لذلك بين عامي 2021-2023 م، سيقوم مشروع "الذكاء الاصطناعي وقرارات السياسة النقدية" (كجزء من مجموعة البيانات المالية الضخمة الآمنة (safeFBDC) بالتحقيق في استخدام وأهمية الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة في البنوك المركزية والسياسة النقدية باستخدام حالة محددة جيدًا دراسات.
وعليه الهدف من هذا المشروع هو تحسين عملية صنع القرار بشأن السياسة النقدية في منطقة اليورو في بعدين: 
(1) تحسين أساس البيانات لقرارات السياسة النقدية؛ 
(2) استخدام أساليب الذكاء الاصطناعي / تعلم الآلة لتوليد معلومات جديدة ذات قيمة للبنوك المركزية والسياسة النقدية للتحقيق في الأسئلة المتعلقة بالتحليل والتنبؤ الكلي والإشراف على المؤشرات المالية وتقييم مخاطر الاستقرار المالي على نطاق أوسع.
ستساعد دراسات الحالة هذه أيضًا المشاركين في السوق (مثل المؤسسات المالية وغير المالية والمنظمين والأكاديميين) وغيرهم من "المراقبين" لفهم أسباب وآثار قرارات السياسة النقدية بشكل أفضل.
المبحث الأول: تطور النظام النقدي الدولي
يمثل النظام النقدي الدولي مجموعة من القواعد والإجراءات المتفق عليها دولياً من أجل تحديد العلاقات النقدية بين الدول وكيفية تقييم سعر صرف العملات تجاه بعضها البعض بالإضافة إلى تحديد أنواع النقود المقبولة بين الدول كوسيط للتبادل ومقياس لقيمة السلع والخدمات المتبادلة، والتي تستخدم في نفس الوقت للاحتياطات الدولية، كذلك مدى توافر السيولة النقدية اللازمة لدفع وتسوية الالتزامات الدولية، ولمعرفة النظام النقدي الدولي لا بد من معرفة النظام الذي سبق النقد وهو نظام المقايضة هو تبادل سلعة بسلعة أخرى مباشرة دون وسيط، ولكن هذا النظام كان قد واجه العديد من المشاكل نظراً لازدياد الاحتياجات، إلى أن ظهرت النقود كوسيط للتبادل وبدورها سهلت عملية التبادل التجاري، وسد الاحتياجات، وعليه سيتم طرح تطور هذه النقود في هذا المبحث بداية بالمطلب الأول منه قبل نظام بريتون وودز، إلى المطلب الثاني منه في ظل اتفاقية بريتون وودز. 
المطلب الأول: النظام النقدي الدولي قبل نظام بريتون وودز المرحلة الميركانتيلية (الرأسمالية التجارية ) تبلور ظهور هذا النظام النقدي في هذه المرحلة ، على الرغم من صعوبة الإشارة الى نظام نقدي دولي في تلك المرحلة نظراً لطابع القرصنة والنهب التي كانت تتم في ضوئه حركة التبادل الدولي، إذ كانت الثروات والأرباح الضخمة التي تكونت خلال المرحلة الميركانتيلية عن طريق سرقة الذهب والفضة ومن تجارة السلع و الرق من المناطق التي هيمن عليها الأوربيون في آسيا وإفريقيا وأمريكا ، هي أولى عمليات التراكم الرأسمالي ومصدر قوة رأس المال التجاري الذي سيلعب في الفترة التالية الدور الأساسي في مرحلة التوسع الرأسمالي، وهذه الكميات الضخمة المنهوبة من الذهب والفضة هي الكميات التي أسٍّس عليها نظام قاعدة الذهب في مرحلة الثورة الصناعية في أواخر القرن الثامن عشر وطوال القرن التاسع عشر، إذ كانت المهمة التاريخية للمرحلة الميركانتيلية قد تحققت ، وهي تكوين التراكم البدائي لرأس المال وتوحيد وتهيئة السوق العالمية أمام المجتمع الجديد، مجتمع الرأسمالية الصناعية.
أولاً: نظام قاعدة الذهب الدولية/ هو نظام لقياس العملات يستخدم فيه الذهب كطريقة لتحديد قيمة المال، أي أنه يضمن إمكانية استبدال العملة في ظل نظام المعيار الذهبي (نظام قاعدة الذهب) بالذهب. 
استخدم نظام الذهب كعملة مفضلة عبر التاريخ لأنه نادر ويصعب الحصول عليه ولا يتآكل، وكان أول من استخدام معروف لها كعملة مسكوكة قبل حوالي 600  قبل الميلاد في ليديا ( تركيا الحالية)، في حين تم سك الذهب في عملات معدنية واستخدامها في التداول بعد ذلك، لم يصبح المعدن الثمين معياراً حتى القرن التاسع عشر، حينها استخدمت بريطانيا الذهب كمعيار منذ عام 1816م، ولكن لم يصبح الذهب معياراً دولياً لتقييم العملة حتى سبعينيات القرن التاسع عشر، حين تبنت الولايات المتحدة الأمريكية معيار الذهب في عام 1879 بعد فشل عدة محاولات لاستخدام طرق التبادل المختلفة، أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية قانون معيار الذهب لعام 1900م باعتباره المعدن الوحيد لاسترداد العملة الورقية، كما يضمن القانون أن الحكومة سوف تسترد أي مبلغ من النقود الورقية لقيمتها بالذهب (وهذا يعني أن المعاملات لم تعد ضرورية بعمله السبائك أو عملات ذهبية ثقيلة) لأن العملة الورقية لها قيمة مضمونة مرتبطة بشئ حقيقي.
وعليه كافحت الحكومات لعقود من الزمن لإيجاد طريقة لجعل المعيار الذهبي يعمل على مستوى العالم، ولكن كان هذا النظام هو لمرحلة معينة فقط، مع التطور واختلاف الطرق، وصعوبة وصول الكثير لتعامل بهذا النظام ما أدى إلى انهياره.
ثانياً: انهيار نظام قاعدة الذهب/ واجهت الولايات المتحدة الأمريكية العديد من التحديات الاقتصادية ودخلت الحرب العالمية الأولى بين عامي 1900-1932م، مما تسبب بمشاكل عديدة لدى إدارة البنوك، بحيث ذهب الكثير من الناس إلى البنك لسحب النقود ما أدى إلى إفلاس البنوك، بالإضافة إلى ذلك، أدت الأحداث الموسمية التي تطلبت مبالغ نقدية كبيرة مثل حصاد المحاصيل، إلى إجهاد قدرة البنوك على توفير النقد لأنها لم تحتفظ بما يكفي من النقود لتغطية الطلبات المتزايدة، ما جعل المجلس الاحتياطي الفيدرالي يصدر أوراق نقدية لمساعدة البنوك على إصدار النقد في محاولة لتلبية الطلبات على النقد وتثبيت الأسعار، ولكن هذا القرار لم يكن له التأثير المقصود، ما أدى إلى إنهاء معيار الذهب عام 1933م لأن النظام لا يستطيع مواكبة طلب المستهلكين على النقد، كما أن الاحتياطي الفيدرالي محدوداً في الإجراءات التي يمكن أن يتخذها إذا طبع المزيد من الأموال فقد خفض قيمة الدولار، إذا خفضت أسعار الفائدة، فسيقوم مستثمرو الذهب ومالكوه ببيع ذهبهم في الخارج وتقليل المعروض من الذهب في البلاد، ولهذه الأسباب أصبح الذهب أصلاً لا يمكن إلا لكيانات محددة الاحتفاظ به.
المطلب الأول: النظام النقدي الدولي في ظل نظام بريتون وودز
شهد الاقتصاد العالمي قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية هزات واضطرابات عنيفة في نظامه النقدي ومعدلات منخفضة لحركة التجارة العالمية، مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا إلى التفكير في خلق نظام نقدي جديد يكون أساساً لعلاقات نقدية دولية لعالم ما بعد الحرب ولهذا الغرض نظمت مؤتمراً في بريتون وودز بولاية نيو هامبشير بالولايات المتحدة الأمريكية في يوليو عام 1944م، شاركت فيه 44 دولة، وكان كل من جون مينارد كينز وهاري ديكستو واتيت بمثابة مهندساً للمؤتمر، وقد أثر المؤتمر نظاماً نقدياً جديداً قائمة على قاعدة صرف الدولار بالذهب، حيث التزمت الولايات المتحدة الأمريكية بتحويل الدولار الورقي إلى ذهب بسعر ثابت يبلغ 35$ لكل أونصة من الذهب ( والأونصة الواحدة تساوي 31,103 غم من الذهب)، ونتيجة لذلك تحول الدولار ليكون العملة الاحتياطية الدولية، وبالتالي ثبات أسعار الصرف بين مختلف العملات المرتبطة به، وقد أستمر العمل بهذا النظام قرابة 25 سنة حتى انهار في عام 1971م ما سيتم توضيحه في ختام هذا المبحث، وقد استهدف هذا النظام أساساً حرية التجارة الدولية وإلغاء القيود على المدفوعات الدولية، و كانت أهداف المؤتمر متمثلة ب:
1. ضمان حرية التحويل بين عملات الدول المختلفة.
2. وضع نظام لأسعار الصرف يمنع التقلبات العنيفة فيما بينها.
3. تحقيق التوازن في موازين المدفوعات.
4. الإدارة الدولية للنظام النقدي العالمي الجديد.
كما أسفرت جهود هذا المؤتمر إلى نتيجتين مهمتين هما: 
1. إنشاء صندوق النقد الدولي (IMF): والغرض منه تحقيق استقرار أسعار الصرف والإشراف على تنفيذ قواعد النظام النقدي الدولي الجديد.
2. إنشاء البنك الدولي للإنشاء والتعمير (IBRD): والغرض منه مساعدة الدول الأوروبية التي دمرتها الحرب، ثم مساعدة الدول الأخرى على التنمية الاقتصادية.
كما أيضاً من خلال فكرة هذا المؤتمر جاءت فكرة إنشاء منظمة التجارة العالمية(WTO) فيما بعد.
أولاً: الدولار والنظام النقدي الدولي/ تقوم دول الأعضاء في صندوق النقد الدولي بسداد حصتها المترتبة عليها في الصندوق وفقاً لما جاء في اتفاقية بريتون وودز  على جزأين: 
الأول: يدفع بالذهب أو بالدولار الأمريكي بنسبة 25% من مقدار حصة الدولة، أو 10% من الأرصدة الذهبية والدولار التي تملكها الدولة " أيهما أقل".
الثاني: يدفع بالعملة المحلية للدولة العضو.
وبذلك فقد شكل الدولار المحور الأساسي للنظام النقدي الدولي الذي جاء به مؤتمر بريتون وودز ونقطة الارتكاز في نظام استقرار أسعار الصرف، والسبب في ذلك هو أن الولايات المتحدة الأمريكية خرجت منتصرة من الحرب وبكامل قوتها الاقتصادية، لأن الحرب لم تصل الأراضي الأمريكية على عكس منطقة اليورو التي دمرتها الحرب فأصبح الدولار سيد العملات بلا منازع.
مع توفر الدولار لدى الدول الفائض مع الولايات المتحدة الأمريكية أدى إلى فقدان الثقة في احتياط الدولار، ومن ثم عمدت إلى تحويل هذا الفائض إلى ذهب مما أدى إلى هبوط مخزون الرصيد الذهبي الموجود في حوزة الولايات المتحدة الأمريكية حيث أنخفض من 18 مليار دولار إلى 11مليار دولار عام 1960-1970م، وأصبحت مستحقات الدول اتجاه أمريكا تفوق ما لديها من رصيد ذهبي الشيء الذي طرح الكثير من التساؤلات فيما يخص قدرتها على تحويل الدولار إلى ذهب، ومما زاد التعقيد أكثر تعقيداً هو انخفاض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية مع بقائها مرتفعة في أوروبا، وهذا أدى إلى هروب رؤوس الأموال من أمريكا إلى أوروبا الأمر الذي عمق الأزمة، ولمواجهة هذه التداعيات اتخذ العديد من الإجراءات الفردية والجماعية كان أبرزها الاتفاق على إنشاء ( حوض الذهب GOLD POOL) عام 1961م.
ثانياً: انهيار نظام بريتون وودز/ عانت الولايات المتحدة الأمريكية من الركود التضخمي الهائل في عام 1971م ( مزيج من التضخم والركود)، مما تسبب في البطالة وانخفاض النمو الاقتصادي، بدأ الرئيس نيكسون في تقليص قيمة الدولار في الذهب، استجابة للانخفاض الخطير في القيمة الناجم عن تداول الكثير من العملات، بحيث خفض نيكسون قيمة الدولار إلى 1/38 أونصة من الذهب، ثم إلى 1/42 للوقية. 
ولكن خطوة تخفيض قيمة العملة جاءت بنتائج عكسية، بحيث خلقت تدافعاً على احتياطات الذهب الأمريكية في FORT KNOX حيث استبدل الناس دولارتهم المتناقصة بسرعة مقابل الذهب، وبذلك عام 1971م فك نيكسون قيمة الدولار عن الذهب تماماً، بدون ضوابط على الأسعار، ما أدى إلى ارتفاع الذهب بسرعة إلى 120 دولاراً للأونصة في السوق الحرة، منهياً نظام بريتون وودز.
المبحث الثاني: تأثير الذكاء الاصطناعي على النظام النقدي الدولي
ظهرت عدة تغيرات على الساحة الدولية منذ سقوط بريتون وودز حتى تعويم العملات، وهذا نظام التعويم الحر للعملة على نقيض تماماً مع سياسية تثبيت سعر الصرف، ويمكّن نظام التعويم الحر من تحقيق التوازن التلقائي لميزان المدفوعات، وذلك عن طريق تفاعل قوى العرض والطلب في السوق مما يؤدي إلى ارتفاع سعر الصرف أو انخفاضه، وكأي نظام نقدي سابق تعرض نظام التعويم الحر إلى الرفض من قبل معارضين أطلقوا عليه " التعويم غير النظيف" أو " التعويم المدار"، وحينها قامت الدول الأوروبية بقيادة ألمانيا بتكوين نظام نقدي إقليمي يقوم على أساس تثبيت أسعار صرف عملات الدول الأعضاء مع تعويم عملتها مقابل عملات الدول الأخرى تعويماً جماعياً، وهنا كانت خطوة لبداية إنشاء النظام النقدي الأوروبي، وكما قامت الدول الصناعية بسياسية التعويم بشكل جماعي أو فردي وهي تمثل ثلاثة أرباع التجارة الدولية ولهذا تم اعتبار الظاهرة دولية، أما الدول النامية فقد تحولت تدريجياً عن ربط عملتها بعملة رئيسية إلى العديد من العملات المتنوعة، وبناءً عليه أتاخذ صندوق النقد الدولي قرار تعديل آخر في اتفاقية الصندوق والذي دخل حيز التنفيذ في أول أبريل لعام 1978م باسم " أتفاق جمايكا" الذي جاء للتأكيد على ضرورة الإصلاح النقدي، وأهم إصلاح قامت به هو إلغاء أو تعديل المادة الرابعة من اتفاقية صندوق النقد الدولي التي كانت تلزم الدول بتحديد أسعار الصرف الخاصة بالعملات وفقاً لنظام استقرار أسعار الصرف أو التعادل بمادة أخرى تنص على حرية أسعار الصرف "نظام تعويم العملات" وقد اعتبر هذا التعديل مجرد تحصيل حاصل، لأن أغلب الدول قامت به بدون اللجوء إلى الصندوق.
المطلب الأول: إصلاح النظام النقدي الدولي
بعد اختلال النظام النقدي الدولي عبر مراحل مختلفة ازدادت الصعوبات والأزمات في العديد من دول العالم وعلى وجه الخصوص الدول النامية منها، وذلك بسبب تجاهل مصالحها من قبل الدول الكبرى في إطار العلاقات النقدية الدولية والسعي الدائم إلى إنشاء نظام نقدي دولي يتماشى مع مصالح الدول الكبرى دون الاهتمام بشأن الدول النامية، ما أدى إلى تنبه الدول النامية وأخذ الإجراءات الضرورية لإصلاح هذا النظام وجعله أكثر ملائمة وسلاسة، فقدمت بعض الاقتراحات والتوصيات منها: 
مقترح مجموعة الأربعة وعشرون: وهي تتكون من آسيا، أفريقيا، أمريكا اللاتينية " وقد عبرت هذه المجموعة عن وجهة نظر الأقطار النامية بإصلاح النظام النقدي الدولي، وتركزت مطالبها في إزالة عوائق الحماية من قبل الدول الكبرى، والأخذ بالاعتبار مشكلات الدول النامية المتعلقة بالتجارة الدولية، وأسعار الصرف وحركة رؤوس الأموال الدولية.
مشروع تريفن: يقضي هذا المشروع بخلق بنك مركزي عالمي، وتدويل الاحتياطات النقدية بطريقة تعنى بأغراض تعزيز التجارة الدولية من جهة، وأغراض التنمية من جهة أخرى.
مشروع بونشتاين: يرتكز حول تغيير وتطوير آلية صندوق النقد الدولي.
اتفاق جمايكا لعام 1979م: مفاده مطالبة الأقطار الرأسمالية الصناعية بزيادة منح الأقطار النامية من حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي بواقع 50%.
مبادرة أورشا: وهذه المبادرة جاءت على شكل إعلان صدر عن الاجتماع الدولي الذي عقد في مدينة أورشا بتنزانيا بهدف التوصل إلى مجموعة من المبادئ والأسس لنظام نقدي دولي جديد يخدم مصلحة الاقتصاد العالمي عموماً، والأقطار النامية خصوصاً، ونقطة الانطلاق الأساسية في هذه المبادرة هي الدعوة الموجهة للأمم المتحدة بضرورة عقد مؤتمر دولي للبحث في الشؤون النقدية والمالية الدولية بمعزل عن صندوق النقد الدولي للتحرر من مجموعة "G10"، وهذه المبادرة تجد أن هناك هدفين جوهريين يتعين على النظام الجديد أن يحققهما وهما:
تحقيق الاستقرار النقدي العالمي والمحافظة على مستويات مقبولة للتشغيل والنمو وكبح الاتجاهات التضخمية والانكماشية والبطالة في الاقتصاد العالمي.
دعم عملية التنمية الاقتصادية في الأقطار النامية.
ولتحقيق هذه الاهداف اقترحت مبادرة أورشا مجموعة من الآليات:
ديمقراطية الإدارة والرقابة على النظام النقدي الدولي الجديد.
توافر صفة العالمية للنظام المذكور من خلال مشاركة كافة أقطار العالم في تدويل التجارة والمدفوعات.
إصدار عملة دولية جديدة تكون مقبولة للوفاء بالمعاملات الدولية.
إضافة إلى ذلك لابد من سلطة أو مؤسسة نقدية دولية لإدارة هذا النظام.
وقد مر على التطور الروتيني أكثر من ثلاثون عاماً أي تطور انتشار استخدام تلك العملات من الشكل التقليدي المتمثل في الدفع عن طريق التسليم النقدي للعملات المستخدمة في إتمام الصفقات أو عن طريق استخدام الشيكات المصرفية إلى الاستخدام الالكتروني لتلك الأموال، والمتمثل في تحويل مقابل إتمام الصفقات التجارية إلى مجرد تحويل أرقام من حساب المستورد إلى حساب المورد، وهذه الخطوة من أهم وأعظم التطورات النقدية العالمية، والتي تمت عن طريق استخدام بطاقات المصارف الآلية بجميع أنواعها، وهذا ما سيتم توضحيه من خلال المطلب الثاني بوضعية النظام النقدي الدولي في عصر الذكاء الاصطناعي.
المطلب الثاني: النظام النقدي في عصر الذكاء الاصطناعي
استحوذت شركات تكنولوجية عملاقة على الأموال الرخيصة لاستخدامها في التهام الشركات المنافسة، والمواهب الهندسية، والبيانات الشخصية، وخنق المنافسة كلما أمكن ذلك، وإضافة لذلك انخفضت أسعار الفائدة بشكل كبير، وهذا على أثر الأزمة المالية العالمية التي اندلعت عام 2008م، ولكن بعد الانتشار الهائل للذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا على القوتين السياسية والاقتصادية ارتفعت أسعار الفائدة بسرعة، وبناء عليه أصبح الائتمان المتاح للمزايدة على الأسهم والعملات الرقمية المشفرة أقل، وتبين أن تقديم الخدمة للمستهلكين بأسعار أقل تكلفة، من جانب العديد من الشركات التي كانت تلتهم الديون التهاماً، وهذا قد لا يكون استراتيجية عمل طويلة الأمد قابلة للتطبيق، بحيث أن الائتمان الوفير يجعل الغرائز الحيوانية مليئة بالجشع، مما يؤدي إلى الإفراط في التجاوزات وأعمال الشركات المنافية للقانون، ما يجعل الساحة الدولية ربما تعجز عن الأفراط في الائتمان ولكن القضية تكمن في إمكانية وضع قوانين تنظيمية رادعة في حق كل من يتجاوز، وعدم الاكتفاء في الأخلاقيات فقط، بحيث أوضحت الأحداث الأخيرة مع جائحة كوفيد 19 الحاجة إلى تنظيم صناعة العملات المشفرة التي بدأ من الصفر وبلغ رأسمالها 3 تريليونات دولار في عام 2021م على الرغم من أن معظم تلك الأموال تبخرت الآن، ولكن لا يمكن لهذه التجارة البقاء إذا تم اخضاعها لإجراءات تنظيمية، ما جعل هذه العملات تبلغ ذروتها في الشهرة هو القيود التي فرضت على العالم مع الوباء العالمي الذي أنتشر بشكل فجائي ليتم استغلاله من قبل العديد الذين يقوموا بالتجارة الإلكترونية، عل أبرزهم الذي قدم عرض لأول مرة إعلان الممثل مات ديمون التجاري " الثروة تفضل الجريء" برعاية بورصة كريبتو دوت كوم التي تتخذ مقرها في سنغافورة، وفي ذات الوقت كانت عملة البتكوين هي أشهر العملات الرقمية تباع بأكثر من60 ألف دولار، والعملة ذاتها الآن يتم تداولها بأقل من 17 ألف دولار، لذلك من اشتروها بعدما شاهدوا إعلان ديمون خسروا أكثر من 70% من قيمة استثمارهم فيها.
وبشكل أكثر وضوحاً أن معظم من اشتروا البتكوين فعلوا ذلك عندما كان سعرها مرتفعاً وهذا يعني أن معظمهم مستثمرين " حوالي ثلاثة أرباعهم حسب تحليل جديد من البنك الدولي للتسويات المالية" خسروا أموالاً حتى الآن، لا تزال أسعار هذا الاستثمار تتهاوى طوال الوقت، ومن اشتروا أيضاً أسهماً في ميتا " الشركة التي كانت تعرف سابقاً باسم فيسبوك" أثناء ذروتها في العالم الماضي خسروا أموالاً تساوي حوالي نفس ما فقده المستثمرون في عملة البتكوين، ولهذا فإن هبوط الأسعار لا يعني بالضرورة نهاية العملات المشفرة، ومن المؤكد أن أنصار هذه العملات لن يستسلموا فحسب تقرير في صحيفة واشنطن بوست العديد ممن اشتركوا في " خدمة علامة التحقق الزرقاء" التي تمثل محاولة إيلون ماسك الكارثية " والمتوقفة الآن" لانتزاع أموال من مستخدمي تويتر كانوا "حسابات" تُروج لسياسات اليمين والمضاربة في العملات المشفرة.
دشن الكتاب الأبيض حركة العملات المشفرة عام 2008م ونشر باسم مستعار هو "ساتوشي ناكاموتو"، تحدث عن البتكوين أنها نظام نقد إلكتروني من النظير إلى النظير" ذلك يعني أن الفكرة برمتها هي أن الرموز الإلكترونية التي تأكدت صلاحيتها بتقنيات مقترضة من علم التشفير ستجعل من الممكن للناس تجاوز المؤسسات المالية، فإذا كنت ترغب في تحويل أموال إلى شخص ما يمكنك ببساطة أن تفعل ذلك بإرسال "رقم مفتاح" دون الحاجة إلى الثقة في مجموعة سيتي أو سانتاندار المصرفية لتسجيل المعاملة، ولم يتضح أبدا لماذا بالضبط سيرغب أحد بخلاف المجرمين أن يفعل ذلك.
وعلى الرغم من أن أنصار العملة المشفرة كثيراً ما يتحدثون عن الأزمة المالية في عام 2008م كمحفز لعملهم إلا أن تلك الأزمة لم تعطل أبدا نظام المدفوعات الذي يعني قدرة الأفراد على تحويل الأموال عبر البنوك، مع ذلك كانت فكرة النظام النقدي الذي لا يستلزم الثقة في المؤسسات المالية مثيرة للاهتمام وتستحق التجربة، إضافة لذلك الثقة في المؤسسات المصرفية التقليدية ترتكز جزئياً على إجازتها بواسطة" العم سام"، فالحكومة تشرف على البنوك، وتنظم إجرائياً المخاطر التي يمكن أن تتحملها وتضمن ودائع عديدة، هذا في حين يعمل نظام العملات المشفرة بدون إشراف، ولهذا يجب على المستثمرين الاعتماد على أمانة وكفاءة رواد الأعمال، وعندما يعرض هؤلاء صفقات جيدة على نحو استثنائي عليهم أن يؤمنوا ليس فقط بكفاءتهم ولكن بعبقريتهم أيضاً، كما يحب أنصار العملات المشفرة أن يذكروننا، لقد ثبت خطأ التوقعات السابقة بالنهاية الوشيكة للعملات المشفرة، بالفعل حقيقة أن عملة البتكوين ومنافساتها الأخريات غير قابلة للاستخدام مثل النقود لا يلزم أن تعني أنها بلا قيمة، فيمكن القول ذات الشيء عن الذهب، ولكن إذا تحركت الحكومة أخيراً لتنظيم شركات العملات المشفرة التي من بين أشياء أخرى يمنعها من الوعد بعائدات يستحيل تقديمها سيكون من الصعب أن نجد ميزة تتفوق بها هذه الشركات على البنوك العادية.
 
الخاتمة:
التحولات الكثيرة التي خضع لها نظام النقد الدولي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد العالمي، التي لطالما هيمنت عليه الدول العظمى، وهذه الأخيرة نسيت الدول النامية تماماً من حسباتها الأمر الذي جعل الكثير من الأشخاص الاندثار نحو العملات المشفرة بعد وعود المتداولين فيها بكسب عائدات خيالية، ولكن هل الأحداث التي تجري الآن سيكون لها تأثير على الاقتصاد العالمي، أو حتى إمكانية اتجاه العالم نحو " عالم متعدد الأقطاب"، خصيصاً بعد خطوة الصين في دعوة وجهتها لدول الخليج للانضمام في منظمة بريكس هل هذا سينقلنا نحو مستقبل جديد وتطور جديد، وعملة جديدة، وكيف للولايات المتحدة الأمريكية أن تصمت على هذا بعد سنوات عديدة من هيمنتها على الساحة الدولية بكافة الأطر، فهل ستنجح الصين بتحويل القاعدة وبمنافسة الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الأطر، عن طريق دعمها للدول العربية لمساندتها، والمنافسة القوية الأساسية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين نحو الذكاء الاصطناعي لخلق نظام دولي جديد، سيضم النظام النقدي الدولي، وسيعتمد فعلياً عليه لإنجاح تحويل النظام النقدي الدولي من نظام تقليدي روتيني، إلى نظام آلي متطور.