منذ طفولتي كنت أسمع تداول قصة خرافية تحكيها الألسن بأن سبب الزلزال ورجة الأرض تحت أقدام الناس سببها عياء "الثور" الذي يحمل الكرة الأرضية على قرنه حيث يحولها لقرنه الآخر.
كنت أتساءل مع نفسي:
- من حمّل ذلك الثور المسكين مسؤولية حمل الكرة الأرضية على قرن واحد ولما يصيبه العياء يغير مكانها للقرن الآخر؟
- هل هذا الثور يشبه ثيران قريتنا التي كانت تستسلم للذبح وبيع لحومها للناس بالأسواق الأسبوعية؟
- لماذا يستمر ذبح الثيران ويبقى نفس الثور مسؤولا على حمل الكرة الأرضية على قرن واحد ليتسبب في رجة الأرض كلما أحس بالعياء وحاول تغيير مكانها فوق القرن الآخر؟
خلال زلزال السبعينات الذي تزامنا مع مناسبة عيد الأضحى بمدينة اليوسفية استطاعت أمي سليمة رحمها الله أن تزحزح خرافة الثور الذي يحمل الكرة الأرضية على قرن واحد...وتمحوها من ذهني بشكل نهائي....كيف؟
بعد صلاة العشاء كانت صينية إعداد الشاي مهيئة بشكل راق رفقة كيسان حياتي وعماير السكر والشاي والنعناع حيث وضعتها أمي سليمة في المكان المناسب في زاوية من غرفة الضيوف تحسبا لزيارة مفاجئة للأهل والأحباب بمناسبة عيد الأضحى وكان هذا السلوك مألوفا في بيتنا حتى في الأيام العادية.
بعد أن استبد بنا النوم استلقينا على فراشنا البسيط وسافرت بنا أحلامنا ونحن نعيد شريط أفراح العيد، لكن حدث ما لم نكن نتوقعه أصلا...رجّة الأرض رجّا وتمايلت جدران بيتنا فكان أن هرع الوالد رفقة أمي سليمة رحمهما الله لغرفتنا نحن الأطفال وأخرجونا بسرعة خوفا من سقوط الحيطان على رؤوسنا وتوجهنا جميعا مثل الجيران نحو غابة العروك المجاورة لحينا الجميل.
في غمرة الحدث الجلل تحكي أمي سليمة قائلة: "حين تسلل النوم لجفوني، بدأت أسمع رقص كيسان حياتي فوق الصينية النحاسية والبراد يقوم بنفس الشيء مع عماير السكر والشاي والنعناع".
لم تصدق أمي سليمة ذلك لكنها وقفت بسرعة لتتأكد مما يقع حيث شعرت بدوار في رأسها واشتد رقص الكيسان وما جاورهم من أواني فضية ونحاسية... فاستنجدت بالوالد رحمه الله محاولة أن تخبره بما اكتشفت : " واااسِّي مُحَمَّدْ... وَاقِيلَةْ شِي رُوبْلَةْ عْجَبْهَا سْطَاحْنَا حِينْتْ وَاسَعْ وَعْرِيضْ...راها حَطَّتْ فُوقُو....وَاشْ اسْمَعْتِي الدَّكْدٍيكْ فُوقْ السْطَاحْ!!؟؟".
في هذه اللحظة أنهت أمي خرافة حكاية الثور الذي يحمل الكرة الأرضية فوق قرنه...دون أن تعلم أنها مارست بحكيها سلطة الفهم على طفلها الذي يسترق السمع لخطابها الذي فتح نوافذا وأبوابا على مسألة الواقع الملموس وأسئلته الحارقة.
طبعا يمكن لصوت الطائرة القوي أن يحدث في النفوس ما فعلته رجة الأرض تلك الليلة....وهو تحليل قابل للقياس في علاقة مع اتساع رقعة السطح الذي اختارته الطائرة لتحط على أرضيته مقابل خرافة الثور التي كانت تلوكها الألسن.