الأحد 24 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

عبد اللطيف برادة: مع صديقي المشاكس.. ما هي أسباب تخلف الشعوب     

عبد اللطيف برادة: مع صديقي المشاكس.. ما هي أسباب تخلف الشعوب      عبد اللطيف برادة
كما المعتاد جلست انا وصديقي نتجاذب الحديث عن مواضيع شتى فلم أدرك كيف انطلق النقاش وكيف تطور وهذا ما أود أن أشرحه هنا حتى أجعلكم على بينة عما دار ضمن فحوى النقاش إذ سرعان ما تحول الحديث الذي كان في بدايته يتطرق إلى أشياء بديهية إلى موضوع يتعلق بتخلف العرب والمسلمين وهو موضوع جوهري كنت أشتاق إليه وفي الحقيقة لقد انطلقت الشرارة الأولى عندما حمل صديقي هاتفه الجديد وهو يبدي اندهاشه الشديد لمنظومته الرقمية الراقية، حيث عبر عن إعجابه قائلا:
- فيا عجبي هؤلاء يصنعون ونحن نستهلك وهذا هو حال المسلمين قاطبة فالتفت إليه عندها متسائلا
- ومتى سنلحق بالركب وما هو السبب في رأيك يا أيها الصديق المشاكس  
- إنه لأمر واضح لا يحتاج لأي شرح يذكر
- أريد منك ردا صريحا من فضلك دون مراوغة
- لا أرى يا أخي سببا آخر إلا التمسك بالمعتقدات الغيبية أو بالأحرى ما يتظاهرون به من تدين وتمسك بالدين وأفكار ذابلة متخلفة
- هل تعني إذا أن السبب هو الإسلام بذاته هذا كل ما تعنيه وهو الشيء الذي لم تستطيع البوح به صراحة
- نعم  هذا بالضبط ما أعنيه
- أعلم ذلك وهذا بالفعل ما قد يدَّعيه بعض الناس، بأن سبب تخلف المسلمين هو تمسكهم بدينهم، وحجتهم في ذلك، أن الغرب لما تخلوا عن جميع الديانات وتحرروا منها، وصلوا إلى ما وصلوا إليه من التقدم الحضاري، ولكن هذا الكلام لا يصدر في الحقيقة إلا من ضعيف الإيمان، ضعيف العقل، جاهل بالتاريخ، غير عالم بأسباب النصر الفعلية فالأمة الإسلامية لما كانت متمسكة بدينها في صدر الإسلام كان لها العزة والتمكين، والقوة، والسيطرة في جميع نواحي الحياة، بل  وعكس ذلك إن بعض العلماء يعترفون جهرا إن الغرب لم يستفيدوا ما استفادوا به من العلوم إلا عبر ما نقلوه عن المسلمين في أيام نهضة الإسلام
- لا لا أبدا هدا غير صحيح هذا كلام لا يجر علينا الا السخرية نعم لأنهم  على عكس ذلك لقد تقدموا في الحقيقة بمجهودهم الفكري الخالص وعبقريتهم  أما نحن فقد تخلفنا بسبب تمسكنا بمعتقدات بالية أكل عليها الدهر وشرب
 - لكن الحقيقة عكس ذلك وهي أن الأمة الإسلامية تخلفت عندما تخلت عن إيمانها، وابتدعت في دين الله ما ليس منه، عقيدة، وقولا وفعلا وحصل من جراء ذلك التأخر الكبير ونحن نعلم علم اليقين إننا لو رجعنا إلى رشدنا وتبينا ما ذكر في القران، لكانت لنا العزة، والكرامة، والظهور على جميع الناس. وأما ما حصل في الدول الغربية من التقدم في الصناعات وغيرها، فإن ديننا لا يمنع منه، بل كان هو السباق اليه، حيث تقدمت الأمم الاسلامية أيام كان الغرب غارق في ظلمات الجهل لو أننا التفتنا إليه حق الاهتمام، لكن مع الأسف ضيَّعنا هذا وهذا، ضيَّعنا ديننا، وضيَّعنا دنيانا، وإلا فإن الدين الإسلامي لا يعارض هذا التقدم، بل يحث عليه إذ هناك أحاديث كثيرة تشجع على طلب العلم و العمل  في تفان من أجل الاتقان وألا كيف تقدمت الأمم الإسلامية في عصر نهضتها من تقدم في جميع العلوم و السياسة والمجتمع
- لكن لما نجد الأمم الإسلامية تكد وتعمل الآن بدون ان تتقدم إلى الأمام كما هو حال الغرب ولما تقدمت إذن الدولة الإسلامية وحصلت على الرفاهية والعلم والحضارة فيما سبق،  لكنها اليوم تعجز عن دلك رغم توفر الشروط  أفدني من فضلك لأنني أجد تضارب في أفكارك وأفكارهم 
- هده هي الحقيقة التي لا نتقبلها قد يتاح لنا التقدم إذا سلكنا سبله وهده حقيقة مطلقة سواء كان ذلك بالنسبة للكافر أو المؤمن فلا تنسى يا صديقي أن حتى الانسان الغربي إذا عمل  لدنياه فهو لا ينسى النسق الأخلاقي وهكذا قد يضمن نوع من الاستمرار والاتزان، حيث يكون تقدمه ليس على حساب المبادئ الأخرى التي يؤمن بها حتى ولو كانت لائكيه  فهي في الاصل مبادئ إنسانية خالصة أو علمية محضة ليس كحال المسلمين يدعون ما لا يفعلون أما ان يقال ان الدنيا للكافر فقط وليس للمؤمن فهدا فكر قابل للمراجعة ولا بد من التراجع عنه لأنه هو من أسباب تخلف الأمم المؤمنة لأنه في الحقيقة توجه الخاطئ
- فهل هدا يعني أنك تنكر الحديث الذي يشير على ان الله سبحانه وتعالى يعجل الدنيا للكافر ويحفظ الآخرة للمؤمن
- لا بل بعد الحديث ومعناه شيء محفوظ ولا نقاش فيه لكنه لا يعني ان نتخلى عن الدنيا، بل ان لا تعطي الأسبقية لها والأولوية أبدا حتى لا تطغى الماديات على الإنسان وعلى الأخلاق الذي أثر عليها ديننا الحنيف حتى لا يصبح الإنسان مستلب في جوهره أداة في أيدي أرباب المال والرأسمال والأحاديث تتضارب أحيانا وتتكامل وليس كل حديث يؤخذ به حيث هناك أحاديث كثيرة موضوعة على كل لقد يحث ديننا الحنيف على استعمال العقل حتى نستطيع ان نجتهد في فهم ديننا طبقا لواقع يتطور
- فلما في هدا الحال نرجع الى دين السلف عندما نجد أن الرقى مؤمن لدى الغرب الكافر فما هو القصد من هذا التشدد للرجوع الى عصر ولى ولن يعود أضلا  
- ولكن لا تنسى أن الغرب وهو فيما عليه من تقدم مادي قد  لا يصاحبه توازن حضاري ببعده الإنساني حيث قد يصبح الإنسان رغم كل النعيم المادي الذي  يستفيد منه  قاب قوسين بين الهلاك الروحي والتقدم التكنولوجي، ذلك أن توجه الغرب المادي الصرف لا يؤدي رغم كل مظاهر التقدم الحضاري بواجهته المادية المترفة إلا الى تمزق وجدان الإنسان والمجتمع في نفس الوقت أما ما يحصل عليه الغرب من الاغتناء ليس راجع الى التقدم العلمي وحده بل عن طريق الحروب التي يشنوها من اونة  الى اخرى والدمار الذي يتسببون فيه للشعوب الاخرى ومن ثم الاستيلاء على خيرات أوطانهم  
-  ومع ذلك فهم أصحاب الكلمة والقوة والعلم أما نحن فمجرد فتابعين لهم
- نعم إلى حين وقد سبقتهم أمم أخرى في ذلك أفحش منهم اغتناء وتقدم وقوة وجبروت وقد أعطيت أمثلة كثيرة في التاريخ كما في القرآن وعليك بناء على ذلك أن تعلم أنه لا عزة لنا، ولا كرامة، ولا ظهور، ولا سيادة إلا إذا رجعنا إلى دين الإسلام رجوعاً فعلي يصدقه القول والفعل أي الدين الذي يؤسس على علم وعليك أن تعلم كذالك أن ما عليه هؤلاء الغرب باطل ليس يحق وأن مالهم اندحار، كما أخبر الله بذلك في كتابه، لأن معظم ما وصلوا إليه لم يتأتى لهم إلا عن طريق إستعمار الأمم واستعباد الشعوب وشن الحروب الظالمة واستغلال موارد الأوطان المستعمرة  بشتى السبل وليس كما يبدو عن طرق العلم  وحده والحضارة و لهذا قد يقال ان هذا النعيم ابتلاء لهم فقط لأنه منح لهم بطرق ظالمة والمنتصر الظالم ماله السقوط لا محالة ومشكلتنا نحن أننا لازلنا نؤول ديننا بأفكار ومناهج لا تتماشى مع روح العصر ولا تطور مدارك العقل البشري ولا تاخد بمستجدات العلم ولا تراعي عقلية أجيال تواجه واقع يخالف تماما عقلية السلف ومن هنا قد يكمن كل الخطاء أننا لا نضع ضمن أوليتنا تجديد الخطاب وتجديد روح الدين وركائزه العلمية حتى يتمشى مع إيقاع العصر حيث إن الدين في جوهره إذا بحثنا وتوسعنا في فهمه سباق لكل العصور، بل هو روح المستقبل لمن يدرك رؤاه الثاقبة المطلة على روح الغد.