الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

التايب: لن تهزمنا مناورات الناقمين على النموذج المغربي

التايب: لن تهزمنا مناورات الناقمين على النموذج المغربي يونس التايب
تتوالى يوميات الحروب الجيوستراتيجية الشرسة التي يعيشها العالم، وفي القلب منها معارك حياة أو موت بين أطراف دولية تعلن عن طموحاتها، وأخرى تتحرك مستترة في الخفاء. وفي خضم ذلك، تجد بلادنا نفسها في مواجهة مخططات خبيثة وهجمات متتالية تحمل عداء سافرا للمشروع التنموي الوطني، عبر حملات تحريضية تنفذها أجهزة استخباراتية معروفة، بتنسيق مع مجموعات مصالح أوروبية تحاول توجيه ضربات اقتصادية وسياسية، سعيا لكسر الصورة الإيجابية التي راكمها المغرب خلال المراحل الأخيرة، وعززت رصيد التعاطف معه والتقدير الدولي لقضاياه.
ويبدو أن الحضور القوي للمغرب في المنابر الإعلامية الدولية بمناسبة تميز المنتخب الوطني في المونديال، وما تم إرساله للعالم من صور إنسانية وحضارية أصيلة، عكسها اللاعبون في ملاعب قطر، وعكسها توحد الجماهير في مدن المملكة وفي مدن العالم العربي وإفريقيا مساندة للمغرب واعتزاز به، قد أزعج عددا من الجهات. وزاد من حدة ذلك الانزعاج، ما تم تسجيله من أداء متميز للمؤسسات الأمنية المغربية التي ضبطت الأمور بشكل احترافي أحبط كل المناورات التي حاولت خلق البلبلة وإفشال الجو الاحتفالي الذي تميزت به أول منافسات كأس العالم لكرة القدم تنظم في بلد عربي مسلم. وهو أمر لم تستسغه عدد من المؤسسات والأجهزة التي كان البعض منها يتمنى لو طلب منه القيام بذلك الدور الأمني الاستراتيجي.
تلك الاعتبارات شكلت حافزا للقوى المعادية لمصالح المغرب كي تسرع هجماتها التحريضية على بلادنا، قبل أن تشرع في استخلاص عائدات "التميز المونديالي" على شكل استثمارات خارجية جديدة محتملة، أو عبر تزايد أعداد السياح الوافدين، أو من خلال جني عائدات تعاظم التعاطف الديبلوماسي مع المملكة في المحافل الدولية.
معطيات كثيرة تشير إلى أن الديناميكية العدوانية التي تصاعدت مؤخرا، خاصة عبر منصة البرلمان الأوروبي وبعض المنظمات الدولية الموجهة، تخفي في طياتها حلقات تآمرية جديدة قادمة في الأفق. وهو ما يفرض استيعاب خطورة ما قد يجري من محاولات بائسة للتضييق على بلادنا مجددا، إما عبر بوابة ملفات يراد إلباسها طابعا "حقوقيا"، أو عبر محاولة التأثير على مصالحنا الاقتصادية والتجارية، أو عبر السعي لتعطيل التقدم في حل النزاع المفتعل بشأن الصحراء المغربية في مجلس الأمن الدولي، أو من خلال الترويج لأصوات نشاز، كتلك التي برزت قبل أيام في الصحافة الفرنسية، تروج لفكرة التعاطي مع قضيتنا الوطنية من خارج المسار الأممي المتقدم، الذي يركز على حل المشكل المفتعل عبر المقترح الجاد للحكم الذاتي ضمن السيادة المغربية.
ما نعيشه مؤخرا ليس إلا محاولة يائسة من خصوم المغرب لفرض إيقاع أكبر في صراع جيوستراتيجي يهدف إلى تركيع بلادنا عبر خلق شروط بلبلة اجتماعية وسياسية باستثمار الأزمة الاقتصادية العالمية و تأثيراتها المحلية، من أجل الضغط على الدولة المغربية لإجبارها على تقليص حضور المؤسسات الاقتصادية و الرأسمال الوطني في السوق الإفريقية؛ والتضييق على الاستراتيجية الاستثمارية في السوق الدولية للفوسفاط؛ و لجم الانفتاح على الصين والهند وعدم تمكينهم من منصات لوجيستيكية، صناعية أو تجارية، على بعد كيلومترات من السوق الأوروبية؛ ودفع المغرب للقبول بتعاقدات بشروط مجحفة في أفق ما قد يكون قادما من فرص استثمارية إذا تأكدت اكتشافات حقول غاز وبترول في أراضي وبحار المغرب.
في رأيي، هذه هي الأسباب الرئيسية العميقة لما نتابعه من حملات إعلامية تحريضية ضد المغرب، تأكد أن وراءها بعض الجهات الرسمية وغير الرسمية، التي تحركها مؤسسات مرتبطة بالدولة العميقة في فرنسا التي لا تخفي رفضها لبروز "تركيا جديدة" في غرب البحر الأبيض المتوسط، وتريد وقف تحركات المغرب على الساحة الإفريقية، وترفض تنويع بلادنا لشراكاتها الديبلوماسية والاقتصادية والسياسية والعسكرية بعيدا عن نفوذ المستعمر القديم.
لكل ما سبق، علينا أن ننتبه إلى حساسية المنعطف الحالي الذي يفرض على الجميع تحمل المسؤولية، سواء النخبة السياسية والاقتصادية، أو المثقفين و العلماء، أو المسؤولين العموميين والمنتخبين والفاعلين المدنيين وعموم المواطنين، لكي ندخل معركة الصمود دفاعا عن وطننا، ونحن جبهة واحدة متضامنة ضد جهات لن تستنى من أهدافها الخبيثة أي فئة من بيننا.
لهذا، المطلوب من كل من يستطيع ذلك المساهمة في تعزيز الشعور بقدسية الانتماء الواحد والمصير المشترك لجميع المغاربة كيفما كانت اختلافاتهم حول سبل تدبير الشأن العام، خاصة في البعد المرتبط بمواجهة الأزمة الاجتماعية وضغط ارتفاعات الأسعار وتأثيرها على القدرة الشرائية للأسر. لذلك، على الفاعلين الحكوميين تجديد مقومات الثقة المجتمعية في المؤسسات، عبر تطوير التواصل والنقاش العمومي باعتماد استراتيجيات جديدة وتعبئة كفاءات مؤهلة، وتطوير مردودية المؤسسات والقطاعات العمومية وتجديد مناهج تدبيرها، وفرض أقصى درجات الجدية والشفافية والانضباط في تدبير الإمكانيات، ومحاربة الفساد حفاظا على مصالح الوطن والمواطنين، وضمان مستوى عيش كريم للأسر المغربية التي يجب حمايتها من الغلاء في الأسعار ومن عبث السماسرة والمضاربين وأصحاب الريع وتجار الأزمات.
إن أفضل خطة للدفاع عن بلادنا هي الالتحام حول ثوابت المشروع الوطني، ونهج الاستباقية لفرض إيقاعنا على خصومنا حيثما كانوا، وعدم التردد في استثمار الذكاء الفردي والجماعي لأبناء المغرب، وتعبئة الكفاءات والمثقفين والمفكرين الجادين لتحفيز الثقة في الذات ورفع تحدي نهج تدبير جديد على مختلف الواجهات الإعلامية والسياسية والتأطيرية، بإرادة وطنية صادقة تكسر آمال الأعداء في النيل منا أو شق صفوفنا كشعب مثشبت بثوابته وغيور على سيادته الوطنية.
في هذه المرحلة التاريخية بالذات، نحتاج إلى خطاب الصدق وتعزيز القرب من المواطنين وترميم جسور التواصل السياسي والمؤسساتي بين الفاعلين العموميين والنخب ومختلف فئات المجتمع، في ظل شراكة وطنية تجعل المواطنين يستعيدون تفاؤلهم بالأفق الذي تتيحه لهم ديناميكية الفعل العمومي، حتى ينخرط الجميع في التعبئة الشاملة لمواجهة كل الاحتمالات الممكنة من أثر ما يخطط له أعداء المغرب وخصوم وحدته الترابية، والمتربصون بقضاياه المشروعة ومصالحه. ولا شك في أن سعي هؤلاء جميعا سيفشل، كما فشلت مؤامرات سابقة عبر التاريخ، وستصطدم خطط العداء بحائط صلب قوامه توحد المغاربة وراء قيادتهم و مؤسسات دولتهم، وصدق ولائهم لله والوطن وللملك.