الأربعاء 24 إبريل 2024
سياسة

إسماعيل الرّزاوي: الديبلوماسية المغربية تشتغل اليوم بمنطق براغماتي ووفق مقاربة واقعية

إسماعيل الرّزاوي: الديبلوماسية المغربية تشتغل اليوم بمنطق براغماتي ووفق مقاربة واقعية إسماعيل الرّزاوي والبرلمان الأوروبي
يرى إسماعيل الرزاوي، وهو دكتور باحث في العلاقات الدّولية، "أن الموقف المُتوازن والمحايد للخارجية المغربية  من الحرب الروسية الأوكرانية كان محلّ تقدير من الجانب الرّوسي، في الوقت الذي تغيّرت فيه موازين القوى العالمية بعد الجائحة، وأن نظاما دوليا جديدا قيد التّشكل وستكون لقوى دولية كبرى مثل روسيا دورا في هندسته".
 وشدّد الباحث الرّزاوي، في حواره مع جريدة "أنفاس بريس"، على أن هذا "الوضع سمح للمغرب بالإنفتاح على شركاء دوليين جدد.
 
 

في أي سياق تأتي زيارة سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي  للمغرب؟

تندرج هذه الزيارة في سياق جولة يقوم بها وزير الخارجية الروسي تهم مجموعة من الدول الإفريقية،  ومن ضمنها المغرب،  حيث تهدف هذه الزيارة بالدرجة الأولى إلى تعزيز العلاقات الثّنائية بين البلدين والتي عرفت قفزة نوعية بعد دخولها مرحلة الشراكة الاستراتيجية المعمقة،  وبالتالي فإن الشراكة تقتضي تبادل الزيارات رفيعة المستوى بين الطّرفين.

والمؤكد أن هذه الزيارة المهمة ستشكل مناسبة للتباحث حول مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك ودفع هذه الشراكة نحو آفاق أرحب خاصة في مجالات الاقتصاد والفلاحة ومشاريع الطاقة.

كما تندرج الزيارة أيضا في سياق دولي حساس يعرف استمرار الحرب الروسية الأوكرانية التي يقارب ما أفرزته من تداعيات جسيمة على الاقتصاد الدّولي و الأمن الطافي والغذائي...

 

 وما الجديد الذي ستحمله هذه الزيارة لمسؤول روسي رفيع المستوى؟ وما رهانات الطّرفين المغربي والروسي؟

تظلّ رهانات الطرفين كبيرة، ولفهم أوضح لرهانات هذه الزيارة ينبغي قراءتها وفق سياقها الدولي الراهن، فبالنسبة لروسيا فهي تحاول كسر الحصار المفروض عليها من طرف الغرب، وذلك بالتّمدد نحو الجزء الغربي من حوض المتوسط وشمال إفريقيا خاصة بعد الزيارات المكثفة لمسؤولين أوروبيين وأمريكيين في المنطقة بحثا عن بدائل للغاز الرّوسي. علاوة على ذلك تسعى روسيا لتعزيز حضورها في إفريقيا، لاسيما في ظل اشتداد المنافسة بين مختلف القوى الدولية على القارة.

ولعلّ ما يؤكد هذا الطرح قائمة البلدان المعنية بزيارة الوزير الرّوسي وهي بلدان مطلة على البحر المتوسط (تونسالجزائرالمغرب)، وأخرى تقع في إفريقيا الجنوبية (انغولاجنوب إفريقيا..). حقيقة تكمن قوة المغرب في استقراره السياسي والأمني وفي موقعه الجيوسياسي الفريد، مما يجعله شريكا مطلوبا حيث الذي يتيح للرّوس إمكانية التواجد في حوض المتوسط والعمق الإفريقي معا.

إنّ روسيا تدرك دور ومكانة المغرب في محيطه الجهوي، وبالتالي فهو حاضر في أي استراتيجية روسية تخصّ المنطقة.

وبصورة عامة يظلّ المغرب حريصا على تمتين علاقاته بروسيا باعتبارها قطبا دوليا مؤثرا في النسق الدولي.. ولعل السّلوك المغربي المتوازن والمسؤول تجاه ما يجري في أوكرانيا يعكس ذلك، فقد تبنّى المغرب حيادا إيجابا تجاه أطراف النّزاع، ودعا إلى الحوار إيمانا منه بأنه الآلية المثالية لحل النزاعات الدولية.

فالمغرب لم يصوت على أي قرار أممي يدين العملية العسكرية الرّوسية في أوكرانيا باستثناء قرار ضمّ روسيا لأجزاء من أوكرانيا في أكتوبر الماضي، وذلك في انسجام تام مع ثوابت السّياسة الخارجية المغربية التي تتشبث بمبدأ السيادة واحترام السلامة الإقليمية للدّولهذا الموقف المتوازن والمحايد كان محل تقدير من الجانب الروسي.

 

تغيرت موازين القوى العالمية بعد جائحة كورونا، ما قراءتكم لهذا التقارب المغربي الروسي بعيدا عن نظيره الأوروبي ؟

بالفعل فقد تغيّرت موازين القوى العالمية بعد الجائحة وأزعم أن نظاما دوليا جديدا قيد التّشكل وستكون لقوى دولية كبرى مثل روسيا دورا في هندسته. إن هذا الوضع سمح للمغرب بالانفتاح على شركاء دوليين جدد، وهو ما ذهب إليه مؤخرا بتوجهه شرقا وباعتماده استراتيجية تنويع شراكاته الدولية مع قوى كالصين وروسيا والهند.. لحماية مصالحه الحيوية المختلفة في عالم متحوّل.

لا أعتقد أن الأمر يتعلق بتقارب مغربي روسي بعيدا عن نظيره الأوروبي أو عن أي شريك آخر للمغرب. فالمغرب يقارب شراكاته وفق منطق استراتيجي فهذه الشراكات لا تخضع لحسابات تكتيكية أو ظرفية. وإذا ما تحدثنا عن الشريك الأوروبي فإنه يرتبط بشبكة متشعّبة مع المغرب، حيث يدرك الطرفان أهميتها كما هو الحال بالنسبة للشّراكة المغربية الروسية.

وأختم القول أن الدبلوماسية المغربية تشتغل اليوم بمنطق براغماتي ووفق مقاربة واقعيةفعلى الرغم من توجّه المغرب إلى تنويع الشركاء الدوليين لكنه يظل متشبّتا بشراكاته التقليدية، كما عبر عن ذلك العاهل المغربي الملك محمد السادس في القمة المغربية الخليجية بالرياض.. فمن الطبيعي أن يصيب بعض الفتور علاقات المغرب بشركائه الدوليين بين الحين والآخر، إلا أن مصير الطرفين أن يحكتما إلى الواقعية، وهو المبدأ الذي يحكم العلاقات الدّولية. وبالتالي يحرص المغرب حرصا  أشدّ على نهج التوازن قدر الإمكان في توجهاته الدّولية.

 

لكن، ما الملفات والقضايا التي ينبغي أن يشتغل عليها البلدان (المغرب وروسيا) لكسب رهانات شعبين وحكومتين و قيّادتين؟

تمتاز الشراكة المغربية الروسية بكونها شراكة تفاعلية وليست ذات اتجاه واحد. كما أنها مرنة ومتجددة وليست جامدة ممّا يجعلها واعدة، وبالتالي فإن الملفات والقضايا غنيّة ومتنوعة يمكن ذكر بعضها في التّعاون والتنسيق على مستوى القطاع الفلاحي والحبوب، حيث تظهر إشكالية الأمن الغذائي اليوم بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.  كما يشكل التّعاون على المستوى القطاع الطّاقي أهمية بالغة للطرفين من قبيل التعاون في مجال الطاقة النووية، لاسيما بعد أن عبر الجانب الروسي عن نيته في الاستثمار في هذا القطاع،  وغير بعيد عن ذلك  تبدي روسيا استعدادها للتّنقيب عن المعادن والطاقة بالمغرب لما تملكه من خبرة واسعة في هذا المجال، وضمن نفس المستوى لا يفوتني أن أشير إلى أن الرّوس قد أبدوا استعدادهم للمساهمة في تمويل مشروع أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا حيث من الممكن أن تلعب روسيا دورا في بلورة هذا المشروع..

واقتصاديا يأمل المغرب بعد جائحة كورونا في جذب المزيد من الاستثمارات الروسية المباشرة حيث تظلّ هذه الاستثمارات  ضعيفة مقارنة بنظيراتها (الصين، الاتحاد الأوروبي..). كما يراهن المغرب على جذب أكثر من مليون سائح روسيولعلّ الإنجاز الكروي للمنتخب المغربي سيساهم في تحقيق هذا الرقم.

ويظلّ تفعيل التّعاون الثلاثي بمختلف أشكاله بين المغرب وروسيا وإفريقيا محورا مهما في أجندة عمل الطرفين، خاصّة وأن البيان المشترك للشراكة الاستراتيجية يؤكّد على ذلك.