الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

عزوزي بوزيد: كتاب جماعي يرصد التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية في المغرب

عزوزي بوزيد: كتاب جماعي يرصد التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية في المغرب عزوزي بوزيد
صدر مؤخرا كتاب إلكتروني يحمل الاسم الوارد في العنوان أعلاه مع إضافة مصطلح "السياسية"، وهو نتيجة عمل جماعي بأقلام فردية، أنجز من طرف ثلة من مثقفينا الذين أحييهم على مجهوداتهم الفكرية والبحثية التي تسعى لتنوير الرأي العام في مسار بناء فكري أكاديمي يساهم في فتح نقاش موسع حول تشكل المرحلة التاريخية في وطننا في تجاذبات قوية مع التطورات المتسارعة التي تعرفها الساحة الدولية خصوص منذ العشرية الأخيرة من القرن العشرين.
إنني إذ أحيي هؤلاء الأساتذة المفكرين والكتاب، أسجل أنهم يعيدون إلينا سنوات عشناها زمن الصحوة الفكرية خلال عقود، حين كانت النخبة المثقفة الملتزمة بالقضايا الوطنية والحضارية الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية متجاوزة التفكير السطحي الهامشي والانتهازي الوصولي.
لقد جاء هذا الكتاب الجماعي بقيمة مضافة تتمحور حول "إعادة صياغة الخطاب الفكري" وتعزيز القيم الإنسانية السامية التي تدعوا إليها الأديان السماوية والفلسفات العربية والهللينية والغربية والأسيوية وغيرها والتيارات الفكرية المتنورة والثقافات المجتمعية .
ما يدعو للتسجيل هو عدد المحاور المطروحة في هذا الكتاب التي جاءت من باب التنظير الناجم عن وجوب تكيف المجتمع مع الواقع المعاش مع التصاقه بواقعه التاريخي والهويتي والحضاري .
يحمل هذا الكتاب الإلكتروني عنوان : “التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية في المغرب”.
لقد تم تنسيق هذا العمل من طرف الأستاذ عبدالرحمان علال والأستاذة آمنة بوغالبي ، شارك في هذا المؤلف-الإلكتروني الأساتذة : نور الدين الزاهي، حسن أوريد ، محمد ضريف ، محمد الساسي ، سعاد رجب ، مصطفى يحياوي ، سمية بوتخيل ، أحمد عصيد .
بادئ ذي بدأ، يجب التأكيد على مجموعة من الثوابت عنوانها مواكبة التغييرات الإيجابية اللآزمة للدفع بمجتمعنا إلى آفاق متقدمة في كافة الميادين والقطاعات والمجالات والفضاءات .
"أنا مع التغييرات" موقف كل مواطن مغربي يطمح لأن يساهم في تقدم وطنه وازدهار مجتمعه من أجل حياة كريمة لكل مواطن وكل مواطنة .
"أنا" : هو هذا المواطن الغيور على مجتمعه المحب لوطنه :
- أنا مع التغييرات الإيجابية المحافظة على الخصوصية الوطنية المغربية القادمة من أعماق الماضي والمبنية على قيم تاريخنا المجيد ومبادئ مجتمعنا الأصيل الغني بتنوعاته والثري بمكوناته الثقافية والتراثية العديدة المتعددة ،
- أنا مع التغييرات التي تنادي "بالحداثة الإيجابية" المنسجمة مع واقعنا المجتمعي والتاريخي والحضاري ،
- أنا مع التغييرات التي تسعى لبناء مجتمع متقدم مزدهر ينادي بالعدل والعدالة والحق في المساواة على أساس الكفائة والاستحقاق، مجتمع يدافع عن الحق ويناهض الظلم ، وينادي بقيم المحبة والتسامح والغفران ،
- أنا مع التغييرات لتطور المجتمع نحو آفاق علمية تحررنا من "التبعية العلمية" لأية دولة أينما كانت على البساط الجغرافي في جميع القارات والحضاري للكرة الأرضية ، هاته التغييرات التي تحترم هويتنا الوطنية التي ضحى من أجلها آباؤنا وأجدادنا وأسلافنا الميامين ،
- أنا مع التغييرات التي تحمي أسس المجتمع التي ترسو فوق "مفهوم الأسرة" الأصيلة المجددة للهوية على ضوء المتغيرات الإيجابية كما شيدتها حضارتنا أبا عن جد والتي تعزز تواصل الأجيال ،
- أنا مع التغييرات التي تأتي "بالحداثة العلمية" التي تفتح الآفاق لحضارتنا داخل أحشاء وطننا الغالي عن طريق تكوين علمي متين للآجيال الصاعدة في كل العلوم الحية في ميادين الذرة السلمية والنانو والإلكترونيات والعلوم الفضائية والجو-فضائية والكمياء والفيزياء والعلوم الطبيعية والجيولوجية والبحرية والعسكرية ،
- أنا ضد التغييرات التي تسعى لإنفاذ "حداثة" هدفها تخريب المجتمع وتفخيخ ثقافته قصد محو هويته تحت "يافطة الحرية" ، هاته الحرية التخريبية المدمرة للثقافة المجتمعية الوطنية ،
- أنا مع وجوب إعادة تحديد مفهوم الحرية وإعادة تعريفه وصياغة قالبه لا على ضوء المفاهيم الغربية بل على ضوء أسس تقاليدنا وأعرافنا وعاداتنا وعلى أسس مفهوم حضارتنا العربية-الإسلامية العريقة .
إنهم عديدون هؤلاء الذين يسعون إلى دمج أطرنا وتدجينهم ، جهلا او انتهازيا ، وبعض مفكرينا في أحضان رؤيتهم الشيطانية الجهنمية التي يسعون بكل قوة وبكل جهودهم إلى خلط الاوراق الثقافية والسياسية والإقتصادية في مسلسل استراتيجي هدفه القبض بيد حديدية على وجودنا كتاريخ وكحضارة عريقة .
يثير عندي هذا الكتاب الإلكتروني مجموعة من التساؤلات التي سبق وأن أثرتها، من ذي قبل، في عدد من المقالات وبمناسبة صدور مواقف بعض المشاركين والمساهمين في بعض الأنشطة الثقافية التي تثير مجموعة من نقط الإستفهام في غير بلد مسلم واحد، من المغرب إلى أندونوسيا مرورا بمصر والعراق والبحرين وجزر القمر وتركيا وباكستان والهند والصين.
يفرض علي ويثير عندي هذا المؤلف-الإلكتروني، الذي توصلت به، بمجموعة من الأفكار والآراء والتساؤلات .
هناك سؤال جوهري يفرض نفسه :
هل "المنهجية التحليلية المتبعة" أدمجت في مسلسل تحاليلها :
- "التطور الطبيعي" فقط للمجتمع المغربي ، أم أنها أخذت بعين الإعتبار ،
- "التطورات المصنعة والمصطنعة لمجتمعنا" :
* عن طريق "فرض التطور الزمني" بتألية "الإعلام الموازي" "للرأي العام التاريخي الوطني" ،
* وعن طريق بعض المناهج الدراسية وغيرهما من وسائل "إدماج للعقل المغربي والعربي" بصفة عامة المفروضة على المجتمعات في مسلسل "الصراع الحضاري" الذي أريد له أن يغطى ويكسف ويخسف بما أصبح معروفا ب" نظرية المؤامرة" Théorie du complot ؟
هاته النظرية التي أصبحت "كحصان طروادة" Cheval de Troie لتفخيخ كل وعي متقد فهم لعبة أعداء حضارتنا وأعداء كل من يسير في طريق مواجهة "الحداثة المزورة" وفي سبيل من فطن لألاعيب أعداء "الهوية الوطنية" المبنية على :
* الإيمان بالعقيدة التوحيدية والحضارة العربية-الإسلامية
* والخصوصيات الوطنية والحساسيات المجتمعية الثقافية والتراثية ، التي تعاكس وتناهض مصالحهم السياسية وأنانيتهم الثقافية ونرجسيتهم الثراثية التي تسعى للهيمنة على الآخر ومحو وجوده وكيانه وذبح هويته .
هاته الإشكالية تظهر بوضوح كبير جدا مدى اتساع رقعة الصراعات الحضارية الآخذة في التدحرج ككرة الثلج من أجل خنق حضارتنا وتاريخنا المجيد وهويتنا القحة الأصيلة الخ
سؤال جوهري يفرض نفسه على المثقفين وأشباه المثقفين ودعاة الثقافة والوعي المشبوهين الذين استكانوا لذكاء المؤللين لحضارتنا وهويتنا والمزورين لتاريخنا الثقافي والحضاري المجيد .
مهما كانت تطلعات الوصوليين والإنتهازيين على حساب وحدتنا الثقافية الحالية المتمحورة حول وحدتنا التراثية العامة ، في هرم الدولة الوطنية État-Nation التي عملت كل الأجيال السابقة منذ حولي أربعة عشر - 14 قرنا على تشييدها وبنائها بناء قويما مقاوما صلبا حتى بداية القرن العشرين ثم الواحد والعشرين مع ملوكنا الأعزاء الأفذاذ أحفاد رسول ربنا ونبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : سيدي محمد بن يوسف ومولاي الحسن بن محمد بن يوسف رحمهما الله وسيدي محمد بن الحسن أمده الله بالصحة والعافية وطول العمر .
كم يؤلمني أن ألاحظ ان عددا كبيرا من الكتاب وحتى عدد من المثقفين ودعاة الثقافة بمفهومها الأكاديمي ، في غياب البعد الواعي عندهم في محطات معينة وأوقات محددة ، أن يستدرجوا في حركية الأبحاث المتسرعة التي تتلقى طعنات حضارية من الخلف ، في غياب تام لوعيهم الثقافي الأكاديمي والفكري .
إن ما يجري تحت أعيننا يندرج في مسلسل مكيافيلي ينحت بصماته على صفحات تاريخنا ويغير ملامح هويتنا تدريجيا من أجل بتر مكونات من تراثنا وثقافتنا وذلك على مراحل عديدة وببطء مضبوط من طرف أوساط معادية لوجودنا وكنهنا ككيان ثقافي حضاري وطني معتز بوجوده الحضاري القح الأصيل .
لقد وقع تزييف عميق "لمفهوم الحداثة" بخلط الأوراق خلطا مريبا ودمجه دمجا تدليسيا تزويريا مع مفاهيم غربية ، فأصبحت "الحداثة المروج لها" هي التنازل عن هويتنا وحضارتنا وملء فراغها بالحضارة الغربية التي لقحوها بمفاهيم بعيدة كل البعد عما بنيناه خلال قرون طويلة .
الهدف من الترويج لهاته الحداثة كمفهوم غربي هو السطو على ماضينا وتاريخنا وهويتنا من أجل الهيمنة علينا كحضارة من أجل تفكيك مجتمعنا المتمحور حول ثقافتنا الاصلية الأصيلة التي تكون الأرضية الصلبة للوحدة الوطنية unité nationale .
كل بحث عن كسر وإيجاده أو شق أو ضعف في كياننا سيسهل ويمكن للنفاذ إلى أعماق مجتمعنا من أجل تدجينه وسيسهل الدخول إلى أحشائه وأعماقه من أجل القضاء على ماضيه وحاضره وبناء فضاء جديد مغاير لسلفه يسهل التحكم في عنانه وتدبير أمره حسب مصالح الغرب .
إن هدف هذا التيار الفكري هو النفاذ إلى العمق الحضاري لمجتمعاتنا من أجل تخريبه وتدميره ومحوه من الخريطة التاريخية الحضارية .
أنا مع الحداثة ولكنني لست مع الغربية occidentalisation التي تفرغنا كمجتمع وكتاريخ وكحضارة من محتوانا الذي يكون الدرع الواقي لنا والحامي لهويتنا .
إنهم يسعون بكل ما أوتوا من "ذكاء صامت" تحت "غطاءات سرية" بنيوية ودعائية في فضاء بيداغوجي مدروس مرتق مبرمج على المدى البعيد والطويل يغطي أجيالا، يسعون إلى بث وإلصاق "نظرية الشر" بحضارتنا وتاريخنا وشيطنتهما من أجل القضاء علينا .
إننا في عصر صراع الحضارات، أبا من أبى وكره من كره، فلا تقنعوا أنفسكم بعكس هاته الحقيقة .
المطلوب من المثقفين، قبل الإداريين، ومن السياسيين الواعين قبل السياسيين المجبولين على مصالحهم الآنية، ومن رجال الأعمال الوطنيين قبل المرتبطين بمصالحهم المتوأمة مع مصالح الأجانب، أن يعوا بمسؤولياتهم التاريخية وبمواقعهم الآنية في الحفاظ على الكنز الثمين الذي أودعه الوطن بأيديهم: الحضارة العربية-الإسلامية والوطن الغالي المغرب العظيم في فضاء ملكيتنا الشريفة وتحت ظل عرشنا العلوي الأبي .