الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد السلام بنعيسي: لماذا التصنت الإسرائيلي على مؤتمرات القمم العربية؟

عبد السلام بنعيسي: لماذا التصنت الإسرائيلي على مؤتمرات القمم العربية؟ عبد السلام بنعيسي
يُتَّهمُ المغرب بأنه كان يضع ميكروفونات في قاعات اجتماعات مؤتمرات القمة العربية التي كانت تعقد بالمغرب ليفشي، بواسطتها، للموساد، أسرار أشغال هذه المؤتمرات، ويتيح للكيان الصهيوني متابعة التدابير، والإجراءات، والاستعدادات العسكرية التي كان القادة العرب يتخذونها لخوض الحروب ضد الدولة العبرية... هذا الاتهام لا يزال رائجا إلى اليوم، ولا يزال يجد من يُغديه ويسوقه، ومن يصدقه...
في حدود المعلوم، لم يسبق لأي مسؤول عربي، من أي دولة عربية، كرئيس للدولة، أو رئيس للمخابرات، أو كوزير للخارجية، أن صرّح من موقع رسمي، بشكل علني، أن المغرب كان يتيح للموساد التصنت على أشغال المؤتمرات التي انعقدت في مدنه، وحتى الدول العربية التي دخل المغرب في خصومات معها، ووقع تبادلُ الحملات الإعلامية بينه وبينها، لم يجرؤ أي مسؤول فيها على توجيه مثل هذا الاتهام للرباط...  
وكل ما يقال في هذا الصدد، يُنسب لما ورد في كتابٍ للصحافي المصري الشهير حسنين هيكل، وراج مضمونه في العالم العربي، وأخذ الاتهام يتردَّدُ دون تمحيص ولا مساءلة، علما بأن كتبَ هيكل كانت تُوزَّعُ في المغرب ويقرؤها قراؤه، وآخر مقال نشره في مجلة ((وجهة نظر)) عن الملك الحسن الثاني عقب وفاته سنة 1999، والذي أجرى فيه تقييما سلبيا لتجربة العاهل الراحل في الحكم، تم توزيع العدد في المغرب، وقُرئ على نطاق واسع، الأمر الذي يعني أن المغرب الرسمي، لم يكن يتضايق مما يكتبه وينشره هيكل عن ملكه الحسن الثاني، وهيكل نفسه استُقبل من طرف الملك المغربي الراحل بقصره في فاس، وأكرم الملك وفادته، وأجرى معه حوارا مطولا، أورد أجزاء منه في العدد المذكور من مجلة ((وجهة نظر)).
لكن بمراجعة بسيطة للائحة مؤتمرات القمم العربية المنعقدة في المغرب، نجد أنها، في معظمها، عُقدت عقب الحروب التي اندلعت بين العرب والكيان الصهيوني، وليس قبلها، وأن القمة المنعقدة بالمغرب سنة 1969 كانت فاشلة، وانفضَّ المؤتمرون حال انعقادها، دون صدور قرارات عنها، ولعل القمة المقصودة بوضع الميكروفونات في قاعتها، هي تلك التي انعقدت بمدينة الدار البيضاء في سبتمبر عام 1965 قبل سنتين من اندلاع حرب 5 يونيو 1967، القمة التي شارك فيها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وتُوِّجت أعمالُها بالموافقة على ميثاق التضامن العربي، والالتزام به، ودعم قضية فلسطين في جميع المحافل الدولية.... 
في تلك الحقبة، كان العالم منقسما إلى شطرين، المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي في جهة، والمعسكر الرأسمالي بقيادة أمريكا في جهة أخرى، وكان العالم العربي بدوره مشتتا بين الطرفين، واحدٌ مع هذا المعسكر، والثاني مع ذاك، وكانت الشكوك سيدة الموقف والثقة شبه منعدمة بين عرب موسكو، وعرب واشنطن، فكيف سيأتي عبد الناصر، في ظل هذه الظروف، ويكشف تفاصيل تدابير عسكرية تعتزم مصر اعتمادها لخوض حربٍ ضد إسرائيل، يكشفها في قمةٍ، قد يبدو له أنها غير محصّنة من الاختراق من جانب أمريكا والكيان الصهيوني؟ إذا أقدم ناصر على خطوة من هذا القبيل، سيكون إما ساذجا أو مغامرا، والمؤكد هو أنه كان سيظهر دون مستوى المسؤولية التي يتقلدها...
الجنرال المصري قائد العبور في حرب أكتوبر 1973 سعد الدين الشاذلي صرّح في مذكراته، بأن ما كان يُطلب من الحكام العرب لدولِ غيرِ المواجهة، في القمم العربية، أثناء الإعداد للحروب، هو الدعم المادي، والسياسي، والإعلامي، لدول المواجهة، وأساسا لمصر وسوريا، أما تفاصيل الحرب بتوقيتها، وكيفية خوضها، والأدوات، والخطط المستعملة فيها، فإنها كانت تظل سرا حصينا في ملك القيادة العسكرية، في كل من مصر وسوريا. 
لا يمكن للقادة العسكريين الميدانيين في القاهرة ودمشق السماح بأن تصبح خططهم الحربية، بتاريخ بدايتها، وفصولها المتوقعة، موضوعا لمناقشات ومداولات في مؤتمرات القمة بين السياسيين، إذا حدث ذلك، ستنتفي عن خططهم طبيعتها السرية، وقد تصل إلى العدو، وسيتخذ الإجراءات اللازمة للتصدي لها وإجهاضها، وإلحاق الهزيمة بأصحابها، فكيف يخطر على بال أي إنسان أن أسرارا عسكرية كانت محط تداولٍ في القمم العربية، وأن المغرب كان يبيح للموساد الاطلاع عليها؟؟؟
لم تكن خافية عن العالم الأجواء المتوترة قبل حرب 1967 في منطقة الشرق الأوسط، فالصراع كان على أشدّه، والتهديدات المتبادلة كانت لا تتوقف، فلقد كانت علنية ومتواترة في تصريحات المسؤولين السياسيين، من الجهتين، العربية والإسرائيلية، وكانت منتشرة بوفرة في الصحافة، وكانت بادية للعيان في كميات الأسلحة المتدفقة على المنطقة، وفي المناورات العسكرية التي كانت تجريها الأطراف المتقابلة..
 مع كل هذه المعطيات، هل كان الموساد في حاجة إلى أن يأتي إلى الدار البيضاء ليتنصت على الملوك، والأمراء، والرؤساء الحاضرين في أشغال القمة، ليتبين، من خلالهم، أن العرب يستعدون لخوض الحرب ضد الكيان الصهيوني؟ ألم يكن الموساد يراقب ما يجري في الميدان بجواسيسه، وأقماره الصناعية، وبالتقارير التي كانت تصله من عين المكان عبر أجهزة المخابرات الغربية التي كانت موجودة في دمشق والقاهرة وعمان والرياض، والتي لم تكن تخفي تعاونها مع دولة الاحتلال، منذ نشأتها إلى يومنا هذا؟؟؟ هل كانت المخابرات الصهيونية في حاجة لانتظار عقد قمة عربية للانتقال إلى الدار البيضاء من أجل متابعة أشغالها لمعرفة إن كانت الحرب ستندلع، وكيف ستدور أطوارها؟ يصعب أن تكون الأجوبة إيجابية على هذه الأسئلة.
أما قرارات القمم العربية السياسية، فلقد كان يقع التداول في شأن محتوياتها قبل اجتماع الرؤساء والملوك والأمراء في قمتهم، كانت القراراتُ تُناقشُ كمشاريع في اللجان داخل أروقة الجامعة العربية، ويتم إعدادها الواحد تلو الآخر، وتُعرضُ على وزراء الخارجية، ويعقدون اللقاءات المطولة حولها، وينقصون منها ويزيدون فيها، ويعرضونها على عواصمهم، وتخضع لمختلف القراءات، وحين يتم الاتفاق عليها في المجمل، فإنها تُعرض على القادة للمصادقة عليها، وحتى القرارات المختلف حولها بين الوزراء، فإنها تقدَّمُ للقيادة للبثِّ فيها... 
وحين تتم الموافقة من طرف الحكام العرب على قرارات القمة فإنها كانت تصدر في بيانات تنشر في وسائل الإعلام كافة، ويقيم أحيانا رئيس قمة ندوات صحافية لشرح النتائج الصادرة عن المؤتمر، وقد تُبعثُ الوفود العربية إلى العواصم العالمية لإقناع المجتمع الدولي بتلكم القرارات من أجل تبنيها ودعمها، وتحويلها إلى قرارات أممية، لإلزام الكيان الصهيوني بها...
 قرارات تتبلور بهذه الصيغة، لماذا سيقع التصنت على أشغال القمة من أجل معرفة محتوياتها؟ ولماذا يغامر المغرب، بتلطيخ سمعته وشرفه، من أجل السماح لإسرائيل بالاطلاع عليها، علما بأن دولة الاحتلال حتما ستتوصل بها؟؟؟؟

عبد السلام بنعيسي، صحافي وكاتب مغربي