الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

 إدريس الأندلسي: سد وسقي وحاجيات مواطن أولا

 إدريس الأندلسي: سد وسقي وحاجيات مواطن أولا إدريس الأندلسي
يتطور مخزون السدود ببلادنا ببطيء ليتعدى مستوى خمسة مليارات متر  مكعب إلى غاية  30 دجنبر أي بنقص بحوالي  500 مليون متر مكعب قبل سنة. الوضع يتحسن ولكنه لا زال مقلقا  وخصوصا بالنسبة للمناطق التي توجد بها السدود الكبرى التي تزيد قدرتها التخزينية على مليار متر مكعب. الأهم في ظل حياتنا "المائية" ومعطياتها البنيوية هو قدرة الحكومة على ضبط البرامج الاستباقية. كثيرة هي السدود التي أنجزت وتعطلت برامج التجهيزات المائية  المرتبطة بها وضاع معها الوقت والمال والمردودية. تطورت  المناطق السقوية منذ الاستقلال ولكننا لم نتجاوز الآمال التي نعلقها منذ السبعينات حيث رفع شعار  وهدف مليون هكتار. كان من المفروض أن نتجاوز ثلاثة ملايين هكتار مسقية في هذا الزمن. و المفروض أن يظل الطموح هدفا إستراتيجيا لتغذية أكثر من 40 مليون مغربي دون الخضوع لظروف الخارج. ولنا في تأثير الحرب الروسية- الاوكرانية خير دليل على أهمية إعطاء الأهمية للاكتفاء الذاتي.  و لمن يعتبر الأمر ايديولوجيا الرجوع إلى تكلفة فاتورة استيراد القمح حتى نهاية شهر شتنبر لهذه السنة والتي تجاوزت 25 مليار درهم. 

لا يمكن أن نختلف على كون طقس بلادنا لا يتيح كثيرا  من الارتياح للمسؤول وللفلاح و للمواطن بصفة عامة. نقل عن المارشال اليوطي الذي قيل في دوره الكولونيالي الكثير أن هطول الأمطار جزء كبير جدا من مسؤولية مكونات الحكم أو لنقل استقرار السلطة. بدأ التفكير في  سياسة السدود مبكرا خلال الفترة الإستعمارية والأمر لم يكن اهتماما فوق العادة لتأمين غذاء المغاربة. السياسة الإستعمارية كانت تؤسس لتكوين مصادر تغذية شعب فرنسا أولا. ولهذا سلبت الأراضي  وتطور النسيج الكولونيالي  ليستولي على الأراضي والمياه في ما سمي بالمغرب النافع. وبالطبع  لا يمكن إغفال الصراعات  والاغتيالات التي هدفت إلى قمع دفاع المغاربة عن حقهم في مياه بلادهم. مجزرة بوفكران في ضواحي مكناس كانت إحدى حقائق هذا القمع  وذاك الاستغلال. وتوالت الصراعات وتوالى بناء بعض السدود ابتداءا من العشرينات من القرن الماضي. واستمر الإهتمام بسياسة السدود بعد الاستقلال  وعرفت زخما مهما خلال فترة حكم الراحل الحسن الثاني. كانت حفلات إطلاق الأشغال وافتتاح السدود أنشطة ملكية تستقطب الجموع و تغطيها وسائل الإعلام  بكثير من الإهتمام. 

اليوم يوجد لدى المغرب عشرات السدود تتجاوز قدرتها التخزينية أو ما يسمى بالحقينة  16 مليار متر مكعب. ورغم الإستمرار في بناء السدود لا زلنا نفتقر إلى سياسة مائية حقيقية ولا زالت كميات الأمطار التي تجود بها السماء ولا تصل إلى السدود قليلة. والأكثر صعوبة على الفهم هو بناء سدود بهدف الري والتأخير الكبير لإنشاء بنيات السقي. ولنا في دراسات أساتذة معهد الحسن الثاني للزراعة كنز كبير من المعطيات. وسنوات قبل رحيله، بين الباحث الكبير بودربالة الأهمية الكبرى التي أعطيت لسياسة السقي والسنين الكثيرة التي مرت  بين  بناء العديد  من السدود و إنجاز تجهيزات السقي. وقد تصل المدة الفاصلة بين تشييد السد والشروع في أعمال تجهيزات السقي في بعض الأحيان إلى عشر سنوات. و بالطبع يتأثر السد بهذا التأخير و تتقلص حقينته بفعل تراكم ما تحمله الانجرافات من أحجار وأتربة و الأمر خطير حسب  ما صرح به بركة في خضم أزمة الماء وتراجع كميات المياه المخزنة. وتصبح كل معدلات المردودية الإقتصادية للإستثمار فيه ضعيفة جدا بالقياس مع دراسات الجدوى قبل الشروع في تنفيذ المشروع.  وزاد الطين بلة ضعف التقييم البعدي للمشاريع من طرف المؤسسات التمويلية الدولية والجهوية. وكل من سيبحث عن تقارير هذا التقييم سيصدم من غيابه شبه التام لدى البنك الدولي على سبيل المثال. ولقد سبق لي  أن  شاركت ضمن فريق عمل مهني في مجال  المراقبة والتقييم في هذا المجال وفي فرق أخرى خارج المغرب وتأكدت من ظاهرة عدم الإهتمام بدراسة آثار المشاريع الكبرى في مجال السدود في علاقتها بتطوير التجهيزات السقوية. الدرس المستفاد هو أن أغلب المؤسسات التمويلية الدولية والجهوية لا يهمها قياس جدوى المشاريع بعد إنجازها. الهدف الرئيسي هو إظهار حجم التمويلات السنوي لهذه المؤسسات دون ذكر الشركات الأوروبية و الأمريكية التي تسند لها صفقات التنفيذ وكفى. وسيجد الباحث في هذا المجال كثيرا من التقارير التي تكثر من وصف مكونات المشاريع ودراسات الجدوى والتنفيذ دون أن تهتم بمردوديتها الحقيقية. الماء مورد حياة قدسته كل الديانات واهتمت به كل الأنظمة السياسية ونسجت حوله الأساطير ولكن تدبيره يحتاج إلى الكثير من الواقعية. لكل هذا ستظل قضية أو إشكالية أو راهنية المسألة المائية تحظى بالاهتمام مدى الحياة. و سيظل الكلام عن الماء إستراتيجيا يحتاج إلى القرار السياسي و المشورة المهنية و التوزيع العادل. لا يهم أن نبني سدا لسقي أراض تنتج لتصدير خضر  وفواكه لسوق أجنبية  ولكن لتنتج أولا  وأخيرا  ودائما خيرات تستجيب لحاجيات المواطن المغربي. لا للبطيخ  الأحمر  والأصفر طوال السنة ولا لفاكهة الافوكادو على حساب قوت المواطن ولا لتصدير مياهنا وجودة تربتنا. ولا لكل سياسة فلاحية لا تحقق معدلات كبيرة في الاستجابة لحاجيات السوق المحلية.