السبت 4 مايو 2024
كتاب الرأي

عبد اللطيف أوعمو: يجب أن نحلم حلما كبيرا

عبد اللطيف أوعمو: يجب أن نحلم حلما كبيرا عبد اللطيف أوعمو
عقب نهاية مباراة ربع نهاية كأس العالم المقامة يوم 10 دجنبر 2022، وبعد هذا الفوز التاريخي للمنتخب الوطني المغربي على نظيره البرتغالي،  الذي أوصل المغرب إلى المربع الذهبي كأول بلد افريقي يبلغ هذا الدور في بطولة كأس العالم 2022، نعرب عن أخلص التهاني، مشيدين بالأداء المشرف للمنتخب المغربي وبالعروض القوية التي قدمها اللاعبون، وبالتدبير الفني والتقني الرائع الذي أبان عنه المدرب الوطني الشاب وليد الركراكي، وما أظهره اللآعبون من مهارات فنية وروح رياضية ووطنية عالية في كل المباريات منذ بداية منافسات هذه البطولة العالمية بدولة قطر.
وإننا إذ نبارك لكافة مكونات المنتخب، من لاعبين ومدربين وأطر تقنية وطبية وإدارية، ومسؤولي وأطر الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، هذا الإنجاز المستحق، الأول من نوعه في سجل كرة القدم المغربية والقارية، نتمنى بالمناسبة لمنتخبنا الوطني كل التوفيق والنجاح، في مبارياته القادمة وفي مسيرته الكروية.
وقد تزامن هذا الحدث التاريخي الكبير، مع حلول الذكرى 74 لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في سنة 1948،  وتزامن كذلك مع التحضير لاحتفال المنتظم الدولي بالذكرى السنوية الـ 75 لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 دجنبر 2023، حيث تطلق مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في يوم حقوق الإنسان لهذه السنة، حملة تحت شعار "الكرامة والحرية والعدالة للجميع" تمتدّ على مدى سنة كاملة، تهدف إلى تسليط الضوء على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من خلال التركيز على ما أنجز في إطاره من نشاط نضالي.
كما يصادف هذا الحدث التاريخي نهاية حملة امتدت لـ 16 يوما من 25 نونبر إلى غاية الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الانسان، ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي، والتي انطلقت بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، حيث دعت وكالات أممية مختصة إلى تكثيف العمل من أجل القضاء على العنف ضد النساء والفتيات، وتظل ظاهرة العنف ضد النساء في المغرب مقلقة ومثيرة للجدل، خصوصا بعد تسجيل النيابة العامة لـقرابة 24 ألف قضية في سنة 2021، ويعد العنف ضد المرأة حاجزا أمام تحقيق الأمن الاجتماعي، وعائقا أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة. كما يعتبر زواج القاصرات نوعا من العنف الممارس ضد الفتيات، الموصوف بـ "العنف القانوني" والذي يعد انتهاكا لحقوق الفتاة وحرمانا لها من حقها في النمو السليم، وفي بناء شخصيتها المستقلة.
وتحل هذه الذكرى في ظل ظروف دولية بالغة الدقة والحساسية، بعد تأثر العالم طيلة سنتي 2020 و 2021 جراء مضاعفات جائحة كوفيد 19، والتي خلفت العديد من الأضرار التي مست العديد من الحقوق والحريات بفعل حالة الطوارئ الصحية، إضافة إلى مضاعفات الحرب الروسية الأوكرانية التي تلتها، والتي أدت إلى تهديد الأمن الغذائي لشعوب العالم، بجانب الارتفاع المهول لأثمان جميع المواد، وعلى رأسها المواد الطاقية، والتي كان لها تأثير مباشر على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لسكان المعمور.
وعلى الصعيد الوطني، فحسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط، فقد تسبب تزامن جائحة كورونا وارتفاع أسعار الاستهلاك بالمغرب مؤخرا في انزلاق ما يقارب 3.2 مليون شخص إضافي في براثن الفقر و الهشاشة. 
وتعتبر مناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان فرصة لتقييم الوضع الحقوقي بالمغرب بشكل عام خلال المدة الأخيرة، بغاية تحسين أوضاع حقوق الإنسان وصيانة المكتسبات ورصد الاختلالات وأوجه الخصاص وتقديم الأجوبة المناسبة لها.
وبهذا الخصوص، أفاد التقرير الأخير للمندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان حول الاستعراض الخاص في مجال حماية حقوق الإنسان بوجود أزمة تطور نظام حماية حقوق الإنسان، التي من تجلياتها، أن توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لم تحظ بالاهتمام المطلوب من طرف السلطتين التنفيذية والتشريعية، بجانب التأخر في إعمال المقتضيات الدستورية على مستوى قوانين حمائية هامة في مجال حماية حقوق الإنسان، وفي مقدمتها حماية الحق في التجمهر والتظاهر وتأسيس الجمعيات.
وأكدت العديد من التقارير الحقوقية على ضرورة وضع مشروع متكامل لتغيير قوانين المنظومة الجنائية في اندماج مع المرجعية الكونية لحقوق الإنسان، واستنادا لتوصيات الآليات الأممية، كما طالبت بالتفاعل الإيجابي مع المبادرات التشريعية، في شأن مراجعة قانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي ومدونة الأسرة، بغاية ملاءمة قانونية في مستوى الوثيقة الدستورية والتزامات المملكة المغربية.
من جهة أخرى، يعتبر مضاعفة الجهد للاهتمام الفعلي بقضايا المساواة بين الجنسين بهدف توعية النساء والفتيات بحقوقهن، بالموازاة مع الدفاع عن القوانين التي تعزز المساواة بين الجنسين، إحدى الركائز الأساسية لتقوية مكانة المرأة داخل النسيج المجتمعي ومحاربة كافة أشكال التمييز ضد النساء والفتيات، من منطلق أن تمكين المرأة يوجد في قلب أهداف التنمية المستدامة 2030، التي تتوخي، ليس فحسب تعزيز الاستدامة والحد من الفقر، وإنما أيضا قيام السلم والعدل والحكامة الرشيدة بالمجتمعات، باعتبار أن قضية النهوض بحقوق المرأة ما زالت إحـدى الإشكالات الحقوقية الأساسية المتجسدة في المشاكل السوسيو اقتصادية للمرأة، وضعف المشاركة في الحياة العامة، والصور النمطية إزاءها في المجتمع، والعنف الممارس عليها، رغم الجهود المبذولة والمكتسبات الدستورية ذات الصلة بالمساواة بين الجنسين، وما تلاهـا مـن إصلاحات تشريعية ومؤسساتية.
كما يتعين تقوية عناصر الحق في التنمية، التي تدمج عناصر الحق في الصحة والتعليم والحق في الأرض والماء… والحق في الرفاهية لكل مواطني هذا البلد الكريم. لأن هذا الإنجاز الكروي التاريخي للفريق الوطني هو مصدر للسعادة وبناء الثقة وتعزيز قيم التضامن والانسجام القائم بين مختلف مكونات الفسيفساء الثقافية المغربية الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية - الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية.
ولكي تكتمل عناصر السعادة ويترجم التعبير عن فرحة الشعب المغربي بهذا الإنجاز التاريخي، ونقدم صورة حية عن حيوية وسخاء هذا الشعب الأبي، إرساءً لدعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، يجب التأكيد هنا على ضرورة إطلاق سراح معتقلي الرأي لتحقيق انفراج سياسي حقيقي. 
فالوضع الحالي، وأجواء التفاؤل والروح الإيجابية التي زرعها الفريق الوطني، تجعل كل الظروف مواتية من أجل تحقيق “انفراج” حقوقي وسياسي، فيما يتعلق بعدد من معتقلي الرأي ومن المعتقلين على خلفية حركات احتجاجية، كانت تطالب ببعض الحقوق المشروعة؛ كالحق في التعبير الحر والحق في العدالة المجالية والحق في التشغيل والتنمية والصحة والتعليم الجيد، ... وغيرها.
وهو ما سيُظهر بحق انخراط بلادنا في الدينامية العالمية من أجل حقوق الإنسان بشكل فعال وملموس، وسيقطع الطريق على كل أعداء المملكة، والمتربصين بوحدتها وبمقومات تماسكها وتلاحمها، والهادفين إلى إفساد هذه الفرحة الكبرى وتقزيمها. 
عبد اللطيف أعمو، نقيب المحامين سابقا بأكادير وبرلماني.