السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي : "عد إلى افريقيا"… تعبير عنصري تم ترديده وسط البرلمان الفرنسي

يوسف لهلالي : "عد إلى افريقيا"… تعبير عنصري تم ترديده وسط البرلمان الفرنسي يوسف لهلالي
في سابقة داخل البرلمان الفرنسي، توجه نائب من الحزب الفاشي التجمع الوطني لمارين لوبين الى زميل له في قبة البرلمان، من لون اسود وطلب منه "العودة الى افريقيا"، وهي سبة عنصرية، تتم لأول مرة وسط البرلمان الفرنسي، بعد ان كانت في السابق تقتصر على الشارع او داخل الحانات او المشاجرات في وسائل النقل او الشارع العام. اليوم، يقوم برلماني أي مشرع وممثل للفرنسيين بالتوجه الى زميله ومواطنه ودون تردد، ومطالبته "بالعودة الى افريقيا"، رغم ان كارلوس مارتينز بيلونغو، وهو من حزب فرنسا الابية مزداد بفرنسا وليس مهاجرا بالمعنى الكلاسيكي للكلمة.
هذا الموقف يعكس التحول الذي تسير عليه فرنسا مثل باقي البلدان الاوربية حيث أصبح سلوك العنصرية مستباحا وعاديا حتى وسط النخبة التي كانت تخفي هذا النوع من السلوكات خاصة في مؤسسة تشريعية مثل البرلمان.
وصادقت الجمعية الوطنية الفرنسية الأسبوع الماضي على استبعاد هذا النائب من اليمين المتطرف مدة 15 يوما، بعدما أطلق تصريحات اعتُبرت عنصرية.وهذه أشد عقوبة تأديبية ممكنة، كما يحرم النائب غريغوار دي فورناس من نصف التعويض البرلماني لمدة شهرين.
وحاول هذا النائب ا بشكل قاطع ان ينكر الطابع العنصري لكلامه، مؤكدا أنه كان يتحدث عن السفينة الإنسانية "أوشن فايكنغ" التي تقطعت بها السبل في البحر بوجود 234 مهاجرا على متنها، وليس عن كارلوس مارتينز بيلونغو النائب عن حزب فرنسا الأبية.
وأثارت الحادثة موجة غضب على اعلى مستوى بفرنسا. كما أدت الخميس إلى نهاية مبكرة لجلسة الأسئلة الموجهة إلى الحكومة، في قرار نادر اتخذته رئيسة الجمعية يائيل براون بيفيه.
وتصادف هذا الحادث العنصري مع التغيير في قيادة الحزب "التجمع الوطني" ومع تزايد الأحداث العنصرية ومن بينها قول النائب من الحزب غريغوار دي فورناس أثناء جلسة عامة للبرلمان "فليعد إلى إفريقيا!" ردا على نائب أسود كارلوس مارتينز بيلونغو الذي كان يتساءل عما سيكون عليه " مصير مركب مهاجرين يواجه صعوبات في البحر الأبيض المتوسط".
هذا الحادث يقوض استراتيجية تغيير صورة الحزب التي وعد جوردان بارديلا بمواصلتها، خاصة وأن النائب دي فورناس الذي فرض عليه البرلمان عقوبات أظهر باستمرار دعمه لبارديلا الذي نال 85 بالمئة من الأصوات ضد لوي أليو.
خلال خطابه الأول بصفته رئيسا للحزب، رد الجميل و دافع بارديلا عن تصريحات النائب قائلا إن "محترفي السخط الانتقائي تلاعبوا بتصريح حول العودة المنطقية للسفن غير القانونية إلى موانئ (الدول) التي أبحرت منها".
ورغم محاولات الزعيمة المنتهية ولايتها مارين لوبن تحسين صورة هذا الحزب لليمين المتطرف ورفع صورة العنصرية التي كان يتميز بها في عهد الرئيس المؤسس جون ماري لوبين، فان الحادث الذي وقع بالبرلمان يعكس نوعية السياسيين الذين يضمهم هذا التيار، الذي تمكنت زعيمته من احتلال المرتبة الثانية في انتخابات الرئاسة الفرنسية في أبريل الماضي، وسلمت قيادة الحزب لجوردان بارديلا كرئيس لحزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف وهي سابقة حيث يخرج الحزب لأول مرة عن نطاق عائلة لوبين. حيث أسس الاب الجبهة الوطنية سنة 1972.
وتنسحب مارين لوبن من القيادة وسبق ان حصلت على 41,5 % من الأصوات في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ضد إيمانويل ماكرون في أبريل الماضي، بعد 11 عاما على رأس الحزب، فيما تقول إنها تريد مواصلة "عملها" وكفاحها السياسي، من دون استثناء ترشح رابع لرئاسيات المقبلة. يشجعها على ذلك وصولها مرتين الى الدور الثاني في الانتخابات الرئاسية، وتمكنها من تكوين فريق برلماني من 87 عضوا وهي سابقة في تاريخ هذا الحزب الذي تمكن من الحصول على هذا العدد المهم من النواب.
ورغم مرور سبعة عقود على استقلال اغلب البلدان الافريقية مازالت قضية الهجرة تعتبر موضوعا حساسا بفرنسا، ويتم التعامل معها بعاطفية كبيرة. كيف ان الحديث عن قوارب الموت او بواخر الإنقاذ يثير كل هذا الحقد وهذه العنصرية حتى وسط مؤسسة تشريعية في بلد حقوق الانسان؟ وحساسية موضوع الهجرة والعنصرية وما تتيره من تشنجات لا تقتصر على فرنسا، بل أصبحت ظاهرة تمس بلدان شمال و جنوب فرنسا وفي العديد من هذه البلدان بدأت الأحزاب الفاشية والعنصرية تحقق تقدما في الساحة السياسية وتحصل على فرق برلمانية بل بعضها وصل عبر تحالفات الى الحكم بعدد من البلدان منها إيطاليا مؤخرا، وهو ما يعني ان اوروبا دخلت عهدا جديدا عوضت فيه القيم الكونية التي كانت تدعو لها بعض بلدان أوروبا القيم القومية والتقوقع على الهوية وكراهية الآخر، وهو تطور بدأ يكتسح اغلب بلدان اوروبا، خاصة البلدان الغربية التي تعتبر اول الديموقراطيات بالقارة العجوز .