السبت 20 إبريل 2024
مجتمع

كلفت الدولة خسائر فادحة.. متى تتدخل الحكومة لوقف نزيف هجرة الأطر التمريضية؟

كلفت الدولة خسائر فادحة.. متى تتدخل الحكومة لوقف نزيف هجرة الأطر التمريضية؟ وزير الصحة خالد آيت الطالب، مشهد من وقفة احتجاجية سابقة
كشف تقرير حديث للنقابة المستقلة للممرضين أن الأطر الصحية، وخاصة مع ظهور وباء كوفيد 19 أصبحت العملة الأكثر طلبا واستقطابا عبر ربوع العالم، وعلى رأسها فئة الممرضين و تقنيي الصحة حيت تمثل مهنة التمريض أكثر المهن طلبا في سوق العمل وسوق الكفاءات الدولي خاصة في الدول المتقدمة بفعل تزايد الطلب على الخدمات الصحية وازدياد أمد الحياة ونسبة الشيخوخة والأمراض المزمنة.

وأشار التقرير أن التحفيزات والأجور المغرية والتأطير القانوني للمهن وظروف العمل المناسبة والاستقرار الوظيفي أصبح من أهم عوامل استقرار الأطر التمريضية، وغياب  هذه العوامل  هو المسبب الأساسي لهجرة الأطر التمريضية وتقنيي الصحة لدول توفر هذه الظروف، مما يعني زيادة نزيف الأطر ببلدان الأصلية التي تعاني أساسا من شح الممرضين وهو ما ينعكس سلبا على جودة الخدمات  المقدمة للمواطن ويزيد من ضغط العمل على الأطر  المرابطة أو التي فضلت البقاء في أوطانها على أمل تغيير الظروف وتحقيق بعض المطالب الضرورية .

ويعد المغرب أحد الدول التي تعاني من النقص الحاد في الأطر التمريضية وتقنيي الصحة، بل إنه لم يصل إلى تحقيق الحد الأدنى من المعايير الدولية في مجال الوفرة، وفي ظل غياب  أي تحرك إيجابي تحفيزي من الحكومة المغربية وزارة الصحة والحماية الاجتماعية تزداد المخاوف من ازدياد النزيف التمريضي، وهو المعطى الذي يسمح للعديد من البلدان المتقدمة باغتنام هذه الفرصة، فالمملكة المتحدة مثلا تحتاج توظيف 5000  منصب أجنبي إضافي في أفق 2024، كما أعلنت ألمانيا شغور 36000 في مجال رعاية الأشخاص المسنين مما يعني الحاجة لأطر تمريضية أجنبية و في هذا الصدد ارتفع عدد الممرضين الأجانب.

وبحسب تقرير النقابة المستقلة للممرضين فإن مغادرة الأطر التمريضية تكلف دول المغادرة الكثير من الخسائر المادية، ولو استثمرت هذه الأموال الضائعة في أسباب الهجرة لساهمت في استقرار هذه الأطر في أوطانه، ففي تقرير لمنظمة الصحة العالية فالتكلفة المتوسطة للحصول على شهادة الإجازة في التمريض تقدر ب $50000 وقد تصل ل $100000 في أمريكا الشمالية وفي دول شبيهة بالمغرب مثل غانا تصل الى $19794 وهو ما يعني خسائر بملايين الدولارات.

وأشار التقرير أن هجرة 10000 ممرض على مدار عشر سنوات بمعدل 1000 ممرض سنويا يعني فقدان أكثر من 500 مليون درهم وهو رقم يتجاوز  بكثير تكلفة حل الملفات العالقة للممرضين لو كانت هناك إرادة سياسية حقيقية.

وتطرق التقرير الى معاناة الأطر التمريضية من تدني الأجور، فالمغرب يتذيل الترتيب حيت لا يتعدى أجر الممرض الحاصل على الإجازة  6200 درهم وهو نفس الأجر الذي يتقاضاه ممرضون قضوا أكثر من ثلاثين سنة من العمل في الجبال والقرى وساهموا في محاربة العديد من الأوبئة، علما أن معدل الأجر بدول الاستقطاب يتجاوز  70000 دولار سنويا مقابل 8000 دولار سنويا بالمغرب أي بضعف ست مرات.

ولا تقتصر معاناة الممرضين في المغرب على الأجور بل تطال ذلك الى التعويضات، فمثلا التعويض على الأخطار المهنية والذي اثبتت كل الأبحاث أن أكثر المهنيين تعرضا للخطر بحكم قربه للمريض هو الممرض لكن عندما يتعلق الأمر بالتعويض عن الخطر المهني فتعويض الممرض لا يتجاوز 1400درهم شهريا مقابل 5900 شهريا عند الطبيب، وما يعتبره التقرير خرقا لمبدأ الخطر واحد والتعويض واحد لكل مقدمي العلاجات.

فضلا عن معاناة الممرضين من ظروف العمل القاسية: قلة موارد وتجهيزات ووسائل عمل والتي تعمق مشكل هجرة الأطر التمريضية فهناك العديد من الممرضين كان سبب هجرتهم سوء تدبير القطاع وضغط العمل والوصول لمرحلة الاحتراق المهني  في ظل الخصاص وضعف وسائل العمل أو حتى غيابها، حتى أصبح الممرض – يضيف التقرير - يؤدي ثمن سوء التدبير وأصبح معرضا لكل أساليب الاعتداء والإهانة.

كما تطرق التقرير الى ضعف التأطير القانوني للمهنة وعدم الحسم في تداخل الاختصاص الطبي مع الاختصاص التمريضي حتى أصبحت الوزارة تغطي على الخصاص في بعض التخصصات الطبية عن طريق الفرض القسري لبعض المهام على الممرضين بدعوى عدم القيام بالواجب الوظيفي دون الاعتراف الرسمي لهم بهذه الأعمال المهنية، فمثلا جل ممرضو التخدير يقومون بعملية   التخدير والإنعاش لأغلب العمليات الجراحية. والقابلات يقمن بالإشراف على 80 % من الولادات بالمغرب. والممرضون بالمستعجلات الاستشفائية يقومون بكل أعمال التقطيب و التجبيس بدون أي اعتراف من الوزارة، وهو ما اعتبره التقرير استغلال لكفاءاتهم وتنكرا صريحا لكل ما يقدمونه للقطاع بل يتنافى والتزامات المغرب في هذا المجال. 

وأوصى التقرير بالإسراع بتحقيق المطالب المادية لفئة الممرضين وتقني الصحة وعلى رأسها الرفع الفوري من أجور الممرضين وتقنني الصحة، والقطع العاجل مع كل أشكال التمييز الوظيفي، كما دعا الى تحديث كل الترسانة القانونية المرتبطة بمهنة التمريض وتحديد الأعمال المهنية والحد من تداخل الاختصاص بين العمل الطبي والتمريضي وإخراج مصنف الأعمال، وتسريع إخراج الهيئة الوطنية للممرضين وتقني الصحة في أقرب وقت حماية للممارسة الجيدة للمهنة وحماية لصحة المواطن.

يذكر أن عدد الممرضين وتقنيي الصحة بالمغرب لا يتجاوز 34000، منهم 29000 في القطاع العام، ويحتاج اعتراف وزير الصحة ورئيس الحكومة الى 65000 ممرض وتقني صحة حتى يتمكن من الوصول للحد الأدنى من المعايير الدولية، ويزداد هذا الوضع المقلق سوءا مع ارتفاع وتيرة الإحالة على التقاعد وبزوغ ظاهرة هجرة الكفاءات التمريضية خارج المنظومة الصحية، حيث ارتفع عدد طلبات الاستقالة والترك القسري للوظيفة كما سجل ضعف في الإقبال على المناصب المالية المفتوحة، كما أن مجموع المناصب المالية الخاصة بالفئة التي تم فتحها نهاية السنة لم يتجاوز 1800 منصب علما أن عدد المتخرجين تجاوز 2500 منصب، وهو معطى سيفاقم بلا شك نزيف هجرة الأطر التمريضية نحو الخارج .