الجمعة 19 إبريل 2024
سياسة

الطيب دكار: "الخيانة الجزائرية.. أطماع التوسع تدخل ضمن الإرث الإستعماري(14)

الطيب دكار: "الخيانة الجزائرية.. أطماع التوسع تدخل ضمن الإرث الإستعماري(14) الحسين أيت أحمد وأحمد بنبلة (يمينا) والطيب دكار، الخبير المغربي في الشؤون الجزائرية
أكد الطيب دكار، الخبير المغربي في الشؤون الجزائرية، أن القادة الجزائريين تنكروا لتعهدات الحكومة الجزائرية المؤقتة تجاه المغرب بالتفاوض حول الحدود، حيث تبنوا منذ البداية، نهجا نيوكولونياليا جعلهم يبتهجون بالإرث الحدودي الذي ورثوه عن فرنسا والذي اعتبروه "أحسن هدية" من السلطات الفرنسية التي قامت بتوسيع رقعتها الترابية غربا على حساب الأراضي المغربية الشرقية. وبذلك رفضوا التفاوض على الحدود مع المملكة، بدعوى أن الأمر، حسب زعمهم، لا يكتسي طابعا استعجاليا، والحال أن "الاستعمار الجديد" قد أرخى بسدوله على عقول هؤلاء، ففضلوا اغتصاب الأرض على اليد الممدودة. يقول الطيب دكار: "غداة الاستقلال (1963)، انطلقت الاستراتيجية النيوكولونيالية للسلطات الجزائرية، لتعوض السلطات الفرنسية ، وذلك بعد قرن وثلاثة عقود من الاحتلال، وبالتالي انطلقت محاولة التوسع على حساب المملكة المغربية العريقة.

فمنذ استقلالها، أدار المسؤولون الجزائريون، الذين عادوا للتو إلى بلادهم قادمين من المملكة المغربية العريقة التي عاشوا فيها جميعا، وتلقوا الدعم والمساندة من طرف الشعب والمخزن المغربيين، حيث أداروا ظهورهم لبلادنا، وقاموا بحملة إعلامية واسعة النطاق، تهدف إلى تعبئة الشعب الجزائري ضد تمرد وانتفاضات مجموعة من المناطق، من بينها القبائل ، التي انتفضت ضد حملات القمع .

وقع ذلك غداة زيارة رسمية قام بها الراحل الحسن الثاني إلى الجزائر العاصمة، وهي أول زيارة لرئيس دولة إلى الجزائر حيث اتهم بعدها المغرب بمساندة الحسين أيت  أحمد، وهو من زعماء الثورة الجزائريين الذين كانوا على متن الطائرة المغربية التي اختطفتها المخابرات الفرنسية، حين كان تقلهم من الرباط نحو تونس، الأمر الذي أفضى إلى قطع العلاقات الديبلوماسية بين المغرب وفرنسا لمدة استغرقت أزيد من سنة. وبمجرد أن عاد جلالة المغفور له الحسن الثاني من الجزائر إلى الرباط، انطلقت حملة إعلامية واسعة في الجزائر، بدعم من الصحافة المصرية، ضد المغرب الذي اتهم بدعم تمرد الحسين أيت أحمد في القبائل.

بيد أن الملك الراحل الحسن الثاني، مدفوعا بإرادة الوفاق وحسن الجوار، أمر سفيره في الجزائر، محمد عواد، بتكذيب هذه المعلومات لدى الرئيس أحمد بن بلة، الذي كان قد التزم، أثناء الزيارة الملكية إلى الجزائر، بالنظر "في وقت لاحق" في  قضية الحدود، التي من وجهة نظره، لا تكتسي طابعا استعجاليا، بينما كان الوفد المغربي، الذي رافق الحسن الثاني، يرى أن ذلك مجرد خدعة الغرض منها تجنب تسوية هذه القضية إلى أجل غير مسمى، مما أفضى آنذاك إلى اجتماع عاجل بين وزيري خارجية البلدين (أحمد رضا كديرة وعبد العزيز بوتفليقة) بمدينة وجدة، حيث أصدرا بيانا مشتركاـ أطلق عليه "بلاغ الوفاق".

وما كاد الوزيران يعودان إلى بلديهما حتى أُبلغ الملك بتحركات القوات الجزائرية نحو الحدود المغربية.  حيث هاجمت تلك القوات مركزي "حسي بيضا" و"تينجوب"، وقتلت عددا من عناصر الحرس الحدودي المغاربة في هذين المركزين اللذين لم يكونا محل نزاع بين البلدين، بل كانا أثناء الهجوم خاضعين للسلطة المغربية وتحت الحراسة المغربية. ومع ذلك قام الملك الحسن الثاني بإرسال وفد إلى الرئيس أحمد بن بلة، مقتنعا بأن هذا الأخير لن يجرؤ على إصدار أمره بالعدوان على الأراضي المغربية، للاحتجاج على العدوان الجزائري،  غير أن بن بلة رفض استقبال هذا الوفد الذي كان يضم أحمد بلافريج وزير الشؤون الخارجية، وعبد الهادي بوطالب وزير الإعلام. ورغم كل شي، سارع الملك مرة أخرى، لتجنب المواجهة العسكرية بين البلدين، إلى إرسال وفد آخر  يضم عبد الهادي بوطالب ومدير الديوان العسكري الكومندان محمد المذبوح في مهمة تستهدف تحسيس الرئيس الجزائري بخطورة الموقف وحَمْله على إيقاف مسلسل الاعتداءات والتحديات. وبالفعل استقبل بن بلة هذا الوفد، لكنه لم يظهر أي أسف على عناصر الحرس المغربي القتلى. بل كانت علامات التشنج ظاهرة على وجهه، كما أنه لم يقدم، في أي وقت من الأوقات،  اعتذاره للمغرب بسبب هذه الاعتداءات. بل إنه لم يكلف المبعوثين بحمل أي رسالة إلى الملك. والأدهى من ذلك أنه في اليوم الموالي لعودة الوفد المغربي إلى الرباط، شرع الطيران العسكري الجزائري في الهجوم مجددا على منطقة "تندرارة" (جنوب وجدة).  آنذاك، وجد الملك الراحل الحسن الثاني نفسَه مضطرا لإصدار أوامره للجيش المغربي لحماية الحدود المغربية، ودحر المعتدين، وتحرير القرى المحتلة، وهو ما تم بالفعل".

وقبل ذلك، فيما يحكيه عبد الهادي بوطالب، كان الملك الراحل قد أرسل برقية إلى بن بلة استرعى فيها نظر الرئيس الجزائري إلى خطورة هذا الفعل وعواقبه وختمها مناديا ضمير الجزائر مخاطِبا إياه بقوله: "بوصفكم المسؤول الأول عن مصير الجزائر ومستقبل شعبها، لا يمكنكم أن لا تقدروا حجم العدوان المرتكَب، وأن لا تحسُبوا عواقبه. إن الاتجاه الذي يبدو أن الجزائر تسير في وجهته والذي تجلى في أعمال عدوانية على التراب المغربي لن يساعد بكل تأكيد على خلق جو ملائم للبحث عن حل لمشاكلنا عن طريق التفاوض والحوار المباشر. لذا نناشد مرة أخرى المسؤولين الجزائريين أن يترفعوا عن الاعتبارات العاطفية، ويتحكَّموا في انفعالاتهم، وأن يأخذوا بعين الاعتبار أن الأجيال الحاضرة والمقبلة محكوم عليها ليس فقط بالارتباط بعلاقات تطبعها السلم، ولكن أيضا بالارتباط بعلاقات التعاون الأخوي لتشييد مستقبلنا المشترك. ذلك أن قرننا (القرن العشرين) يقوم على علاقات المجاملة، ويلتزم بمقتضيات المواثيق الدولية التي تفرض على جميع الدول المحترِمة أن تستبعد اللجوء إلى العنف. نقول هذا ونضيف أن المغرب على استعداد لمواجهة جميع الاحتمالات وجميع الأوضاع بجميع الوسائل الملائمة".

هكذا، إذن، يستعرض أمامنا صاحب كتاب "الجزائر/ اللاستقرار السياسي يطيل أمد القطيعة مع المغرب أسباب حرب ومتسبباتها ، حيث استرجع فيها المغرب الأراضي التب استولت عليها الجزائر بالقوة والعدوان، وتوغل الجيش المغربي الذي كان يقوده الضابط العسكري الكبير العقيد إدريس بن عمر داخل التراب الجزائري ثم توقفت الحرب وتراجع المغرب تلبية لنداءات وووساطات إفريقية ودولية  فدخل المغرب مسلسل العمل على مواصلة مطالبه ، بينما تشبثت الجزائر بموقفها.
 
وتابع المدير السابق لمكتب وكالة المغرب العربي للأنباء في الجزائر العاصمة: "كل هذا لنؤكد بأن قصة "العدو الخارجي"  جزء من وصفة المسؤولين الجزائريين منذ استقلال هذا البلد، وذلك لتعبئة الشعب الجزائري وصرف انتباهه عن مشاكله الداخلية العويصة. فكما كان الأمر بالأمس، حين استعمل الجزائريون "العدو الخارجي" لقمع انتفاضة أيت أحمد في صمت، عمد المسؤولون الجزائريون الحاليون إلى إضرام النيران في غابات منطقة القبائل، من أجل معاقبة سكان هذه المناطق، ثم اتهام المخزن المغربي بالوقوف وراء هذه الكوارث الغابوية. بل الأدهى من ذلك، يتهم الجزائريون المخزن بأنه هو الذي أوحى للبنك العالمي واليونسيف صياغة تقارير دورية سنوية سلبية ضد "القوة الضاربة" في المغرب العربي وإفريقيا، بل في العالم أجمع، هذه القوة الضاربة الذي تدعي أن بإمكانها إنتاج (على الورق) 30 مليون طن من القمح، وتصدير 21 مليون طن إلى المغرب وتونس ومصر، لكنها لم تقل لنا متى ستحقق أحلامها.