من سمات الشعوب التائه الغارقة في غيبوبتها، اكتظاظ المقاهي والملاهي بالشباب الضائع التائه، جيل من الشباب يقضي ساعات طوال وهو جالس في المقاهي غارق في الحديث عن الكرة والقمار والهجرة والفيزا بحثا عن بلد آخر. جيل من الشباب يتسابق إلى حضور مختلف المهرجانات، لاهيا عابثا.
بالأمس القريب في أواخر الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي كانت المقاهي بالمغرب بمثابة نادي ثقافي تناقش بداخلها تطورات الأحداث السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية. هذا الجيل الطلائعي المنتمي لوطنه والمتمسك بقيمه وبهويته أصبح عملة نادرة في مجتمع قهر نفسه بنفسه ويدعي أنه مقهور ومظلوم.
في الواقع لا يمكن لأحد القفز على حقيقة ثابتة، وهي أن ثمة نسبة ليست بالقليلة من الشباب المغربي، الذي يدرس، ويبحث عن العلم والمعرفة، ويبادر ويكافح، ويشارك في المشروعات التطوعية والتضامنية، ويتابع باهتمام الأوضاع السياسية والعامة.
لكن إلى جانب هاته الشريحة الواعية المنتمية، هناك شريحة واسعة من الشباب المغربي الضائع والتائه بين المقاهي نهارا والملاهي ليلا، وهذه الشريحة عموما ضحية ونتاج الحالة السياسية بامتياز، ليس خارج السياق أبدا، فتدمير الحياة السياسية وانكسار الأحزاب والمجتمع المدني، وتجفيف قوة النخب القادرة على التفكير والإبداع والإنجاز، كل ذلك خلق طبقة سياسية جبانة ومخادعة وانتهازية، سرقت أحلام أجيال متتالية. والحصيلة شباب في ربيع العمر تائه فاقد الثقة والأمل في مغرب الانصاف والعدالة والحرية.
وإلى جانب هذا الشباب الضائع والتائه في مهب الرياح، ثمة شريحة أخرى منهم لا تقل خطورة عن الشباب التائه، هي شريحة الجيل المنفصل تماما عن الواقع المجتمعي والثقافي تائه مع عالم الغرب، و كأن أمور بلده لا تعنيه.
هذه الشريحة قد تكون أوضاعها الاقتصادية جيدة، لاعتبارات اجتماعية، وربما ناجحة في البيزنس، لكنها تبدو كأنها في كوكب آخر تماما إذا سألت أحدهم عن اسم كاتب أو مسؤول أوعن تاريخ مدينته أو أي سؤال وطني بدهي، فلن يستطيع الجواب.
بالمناسبة، ليس هنالك مشكلة لدى المسؤولين مع هذه الشريحة، بل إن نسبة من أبناء المسؤولين وأوساط الطبقة السياسية، ممن يدرسون في الغرب، أو مدارس غربية في المغرب، هم من هذه الشريحة الاجتماعية، التي لا تعرف تاريخ المغرب ولا تزور مدنه في حين تجده يتباهى بمعرفته تاريخ المدن الغربية وشوارعها وحتى أزقتها! إنها معضلة في المغرب.
هذا الجيل من الشباب المغربي التائه اليوم بين الجلوس في المقاهي والملاهي، يعاني من غياب للأمل والأفق، فهو لا يعرف إلى أين يسير مستقبله، ولا يهتم بالتحديات التي تواجه بلده ومجتمعه. وبمعنى آخر هو تيه يسود شريحة عريضة، فالحاضر عندها مذموم والغد فيها مجهول.
وهذا ما تنبأ به مبكرا جيل الطليعة الفكري الذي استلهم واستوعب الفكر الغربي والتراث الاسلامي، لاسيما المفكر الراحل المهدي المنجرة والسوسيولوجي الراحل محمد جسوس، الذي أطلق صرخته الشهيرة في وجه من أرادوا خلق جيل، ليس له حق الحد الأدنى من الوعي بحقوقه وواجباته جيل سماه الراحل محمد جسوس ب "جيل الضباع".
هذا غيض من فيض واقع شبابي مقلق ومؤلم يتطلب من المسؤولين السياسيين وغير السياسيين الالتفات إلى ذلك لأن تبعات هذا الموضوع خطيرة تهدد المجتمع برمته. وبمعنى آخر شباب اليوم هم حماة الوطن وهم أيضا أمل المستقبل فيه.
ومهما يكن من أمر، فإن الشباب الحالي هو وليد الدولة التي ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في صناعته، فسياسة التهميش والإقصاء لا تنتظر منها سوى أن يصبح لك جيل تائه بين المقاهي نهارا والملاهي ليلا.
وختاما، إن الخروج من هذا الوضع البئيس لن يكون إلا بحالة جديدة يصنعها هذا الجيل بنفسه لا غيره، وبمؤازرة من حوله. المسؤولية إذن مسؤولية تاريخية، مسؤولية دولة ومجتمع وأفراد.